هل من فرصة لعودة العرب إلي العراق؟ خيرالله خيرالله هل آن وقت السعي العربي للعودة إلي العراق؟ بعد خمس سنوات وثلاثة أشهر من الاجتياح الأمريكي للبلد واسقاط نظام صدّام حسين العائلي- البعثي، جاءت زيارة الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي لبغداد لتمثل خطوة جريئة في اتجاه الانتهاء من حال الاستنكاف العربية في التعاطي مع ما يدور في العراق. تكمن شجاعة الخطوة الاماراتية في طبيعة الزيارة وتوقيتها. وقد تبيّن أنها ليست مجرد خطوة عربية أخري في الفراغ بمقدار ما أنها تمهد لاتخاذ موقف واضح إلي حدّ كبير من العراق يبدأ بإعادة فتح سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة وسفارات لدول عربية أخري في بغداد قريبا. هناك فارق بين التنظير لعلاقة جيدة مع العراق وأهمية هذه العلاقة من جهة واتخاذ خطوات عملية من جهة أخري. ما حصل خلال زيارة وزير الخارجية الإماراتي لبغداد هو خطوة عملية تصب في عملية استعادة العراق عربيا في توقيت معين له أهميته. إلي أي حدّ يبدو العراق مهيأ لذلك؟ وهل من معطيات جديدة تسمح بالبحث جديا في العودة العربية إلي العراق؟ وبصراحة أكبر هل تغيّر شيء في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية؟ الجواب عن هذا النوع من التساؤلات أنه لم يعد سرّا ان هناك اليوم فرصة تسمح بدخول عربي علي الخط العراقي. تتمثل الفرصة في أن تغييرا ما طرأ علي الوضع السائد في هذا البلد العربي المهم العضو المؤسس في جامعة الدول العربية، فضلا عن أنه ركيزة أساسية من ركائز النظام الاقليمي القائم منذ مطلع العشرينات من القرن الماضي بعد انهيار الدولة العثمانية. هذا النظام هو الذي قام عليه الشرق الأوسط منذ مطلع العشرينات من القرن الماضي وحتي السنة 2003 . ما يدعو إلي بعض التفاؤل أن الوضع الأمني في العراق آخذ في التحسن ولو ببطء شديد. والأهم من ذلك ان الحكومة العراقية التي يرئسها السيد نوري المالكي والمتهمة بأنها حكومة تروج للمذهبية بدأت تتخذ خطوات يشتم منها أن همها الأول هو العراق وليس خدمة إيران. وبكلام أوضح، بدأت تظهر في الأفق إشارات إلي أن هناك وعيا لأهمية أن يكون جميع العراقيين عراقيين قبل أي شيء آخر بغض النظر عن الطائفة أو المذهب أو القومية. وبكلام أكثر وضوحا، بدأت تظهر نزعة لدي الأكثرية الشيعية في العراق بأن هناك مصلحة عراقية تمر بتأكيد الشيعة أن عروبتهم مهمة وأن انتماءهم الي العروبة يجعلهم يفكرون في مصلحة العراق أولا وليس في مصلحة إيران. كانت الخطوة الأولي المهمة التي أقدمت عليها حكومة المالكي الدخول في معركة البصرة. أقحمت حكومة المالكي والجيش والشرطة في المواجهة مع الميليشيات الشيعية التي تسيطر علي البصرة والمنطقة المحيطة بها. صحيح أن الحكومة لم تستطع حسم معركة البصرة لمصلحتها، خصوصا أن الجيش بدا غير مهيأ لمثل هذا النوع من المواجهات، كذلك الشرطة، لكن الصحيح أيضا أن إيران لم تكن راضية عن كل فكرة معركة البصرة وعن الأحداث التي تلتها في مدينة الصدر في بغداد أحد معاقل رجل الدين الشاب مقتدي الصدر. تراكمت في الفترة الأخيرة الأسباب التي تدعو إيران إلي التعاطي بحذر مع ما يدور في العراق. ومع ظهور بداية انهيار ل جيش المهدي الميليشيا الأساسية المدعومة من طهران التي يتزعمها مقتدي الصدر، أخذت حكومة المالكي تبحث عن ركائز جديدة من منطلقات محض عراقية وذلك علي الرغم من أن رئيس الوزراء نفسه ليس قادرا في أحيان كثيرة علي اخفاء الروح المذهبية المتجذرة في شخصه. وزاد في الحذر الايراني اضطرار الحكومة العراقية إلي اتخاذ موقف من مسودة مشروع المعاهدة الأمنية مع الولاياتالمتحدة التي من دونها ومن دون جيشها لكان صدّام لا يزال في السلطة حتي يومنا هذا. ما تريده إيران، التي كانت المنتصر الوحيد من الحرب الأمريكية علي العراق، هو أن تكون المفاوضات التي تجريها الادارة الأمريكية في شأن مستقبل العراق معها هي. وهذا ما يفسر إلي حد كبير الموقف العلني السلبي الذي اتخذته من مسودة مشروع المعاهدة الأمنية والزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي لطهران قبل أيام. هناك بكل بساطة ضيق إيراني من التطورات التي يشهدها العراق هذه الأيام. ودفع ذلك بطهران إلي زيادة تدخلها وإلي توفير دعم لجهات سنية وشيعية في آن من أجل رفض المعاهدة الأمنية مع الولايات من منطلق أنها تكرس الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد لسنوات طويلة. ليس مطلوبا من العرب الرهان علي أي نوع من الخلافات العراقية - الإيرانية بمقدار ما المطلوب ادراك أن لديهم مصلحة في عراق مستقر يمتلك حرية قراره ولا يلعب دورا في زيادة الخلل الذي تعاني منه المنطقة منذ اتخاذ الولاياتالمتحدة قرار غزو هذا البلد العربي من دون تفكير عميق في النتائج المترتبة علي هذه الخطوة. هناك فرصة أمام عودة عربية إلي العراق. الأمل في أن تكون هناك مشاورات عربية وأن يكون هناك تنسيق في موازاة الخطوة الإماراتية الأخيرة. في النهاية ليس طبيعيا أن تنجح إيران في إغلاق السفارات العربية في بغداد وليس طبيعيا ألا يكون هناك جهد عربي يصب في دعم أي توجه نحو أن يكون العراق حرا مستقلا وأن تكون حكومته حكومة وحدة وطنية حقيقية تلتقي في إطارها كل القوي السياسية والمذهبية وكل القوميات... عن صحيفة الراية القطرية 10/6/2008