نقلا عن : الاهرام 6/9/07 الدنيا تغيرت والذين سيتباطأون في فهم هذه الحقيقة سيدفعون ثمنا غاليا وربما يصعب عليهم اللحاق بقطار العصر مرة أخري.. هذا هو خلاصة وجوهر واحد من بين أهم الكتب العالمية التي أثارت في السنوات الأخيرة ضجة نقدية واسعة في أوروبا وأمريكا علي المستويين السياسي والاقتصادي وهو كتاب الفجرالكاذبFalseDawn لمؤلفه جون جراي الذي يستهل كتابه بالاشارة الي ان انجلترا كان لها السبق في الأخذ بنظام السوق الحرة علي مستوي العالم كله منذ منتصف القرن التاسع عشر بعد تفكيك الأسواق ذات الجذور الاجتماعية العميقة التي عرفتها انجلترا لقرون عديدة.. وقد ترتب علي تطبيق نظام السوق الحرة في بريطانيا مولد نمو اقتصادي جديد لم يكن معروفا من قبل تتغير فيه أسعار جميع السلع وتتغير معها أسعار الأيدي العاملة استنادا الي قانون وحيد هو قانون العرض والطلب ودون مراعاة للآثار التي يخلفها هذا النظام علي التماسك الاجتماعي الذي كان يستفيد ويكتسب قوة من الضوابط والقيود التي كانت تضع في اعتبارها دائما مخاطر تجاهل البعد الاجتماعي في أية سياسات اقتصادية. ثم جاءت الولاياتالمتحدةالأمريكية لكي تطور من فكرة السوق الحرة وتتجه للأخذ بما تم تسميته بالرأسمالية الديمقراطية واعتبار ذلك النموذج هو النموذج الأمثل الذي ينبغي تعميمه علي مستوي العالم كله في إطار هدف أمريكي يقوم علي إدماج اقتصاديات العالم المتنوعة في سوق حرة عالمية واحدة تحمل اسم العولمة! ويصف الكاتب هذا الطموح الأمريكي بأنه نوع من اليوتوبيا التي لايمكن ان تتحقق أبدا, بل ان جون جراي يؤكد ان اتباع هذا المنهج والاصرار علي ترويجه خارج أمريكا بنفس القواعد والأسس الأمريكية قد أدي الي إحداث تفكك اجتماعي واضطراب اقتصادي وسياسي واسع النطاق في غالبية دول العالم. وإذا كانت يوتوبيا الرأسمالية الديمقراطية لم تكلف البشرية فاتورة باهظة مثل تلك التي اقتضتها يوتوبيا الشيوعية العالمية فإن أحدا ليس بمقدوره ان يتكهن بأن الرأسمالية الديمقراطية العولمة لن تؤدي بمضي الوقت إلي معاناة تماثل ما ترتب علي الشيوعية من معاناة! بل إن جون جراي يشير إلي أن ما حدث في الصين أخيرا وهم يخطون أولي خطواتهم للانتقال من الشيوعية المنغلقة إلي اقتصاديات السوق الحرة يثير مخاوف كثيرة بعد ان تحول أكثر من100 مليون فلاح صيني إلي عمال تراحيل, وكذلك ما حدث في روسيا من استبعاد عشرات الملايين من سوق العمل وانتشار حالة تقرب من الفوضي وتهيئ الأجواء الملائمة لانتشار الجريمة المنظمة وتدمير البيئة! والحقيقة انني لا أقصد ان اقدم عرضا لما يحتويه هذا الكتاب المهم من حقائق ووثائق وارقام واستنتاجات لأن ذلك يحتاج الي عشرات الصفحات.. ولكن هدفي ان أعرض ما استخلصته من بين سطور الكتاب بمنظور وطني يتلاءم ويتواءم مع منهجنا المتوازن الذي قد يقبل بمسميات السوق الحرة والرأسمالية الديمقراطية والعولمة وكل سائر الأفكار والمناهج المتطورة ويصنع في الوقت نفسه خطوطا حمراء لايصح تخطيها أو تجاوزها عندما يتعلق الأمر بالبعد الاجتماعي وحماية مصالح الأغلبية من محدودي الدخل. وعلينا أن نجهد أنفسنا في القراءة والتأمل ومحاولة الفهم الصحيح لما يجري عندنا وحولنا!