فعاليات ب«لغة الإشارة» إطلاق المرحلة الثالثة من مبادرة «أسرتى قوتى»    رئيس الغرفة الفرنسية: السوق المصري الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أبو الغيط: الإرادة الدولية متفقة على إنهاء الاحتلال الاستيطاني العنصري    ترامب: عقوبات جديدة على روسيا ما لم تنه الحرب في 10 أيام    أحمد موسى: أحمد موسى: الإخواني لا يتردد في قتل أخيه.. والمرشد الحقيقي للجماعة هو بنيامين نتنياهو    العفو الدولية تحذر ألمانيا من أن تصبح شريكة في "جرائم الحرب" الإسرائيلية    «شيكودى» يغيب عن بتروجت 3 أشهر للإصابة    أحمد ربيع يكشف عن تفاصيل مفاوضات الزمالك وطموحاته مع الأبيض    «الأخبار» ترصد حكايات من دفتر احتضان الوطن    تجارة المزاج تقود عامل للسجن المؤبد وغرامة 200 ألف جنية بشبرا الخيمة    «التعليم» تحدد موعد بداية العام الدراسي الجديد 2025-2026.. (الخريطة الزمنية)    إصابة 3 أشخاص بطلقات نارية فى مشاجرة بمدينة إدفو بأسوان    منى الشاذلي تستضيف عالمة المصريات مونيكا حنا.. غدًا    "جالي فيروس".. صبري عبد المنعم يكشف تطورات حالته الصحية    عمرو دياب vs تامر حسني.. من يفوز في سباق «التريند»؟    «السياحة والآثار»: المتحف القومي للحضارة شهد زيادة في الإيرادات بنسبة 28%    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟    تحذير عالمي| سرطان الكبد يهدد جيل الشباب    لمرضى التهاب المفاصل.. 4 أطعمة يجب الابتعاد عنها    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    نقابة المهن التمثيلية تهنئ الفائزين بجوائز الدولة التقديرية فى الفنون والآداب    الغندور: صفقة تاريخية على وشك الانضمام للزمالك في انتقال حر    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    مبابي ينتقل لرقم الأساطير في ريال مدريد    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    محافظ الدقهلية يهنئ مدير الأمن الجديد عقب توليه منصبه    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    نقيب الأشراف: كلمة الرئيس بشأن غزة نداء للمجتمع الدولي لوضع حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    حزب الجيل يختتم دعايته ل انتخابات مجلس الشيوخ بمؤتمر في المنصورة    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد: البدء في تكوين السلطة أم استمرار المرحلة الانتقالية؟
نشر في أخبار مصر يوم 06 - 07 - 2012

إن الذي يتابع أحوال المجتمعات العربية بعد الثورات، وبخاصة في النموذجين الأفضل حتى الآن، أي تونس ومصر - يتبين له أن المسائل العامة المتعلقة بالمجتمع السياسي وإعادة تكوين السلطة، لا تزال في أولها. وقد كان الخلاف الذي حصل بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة التونسية، بشأن تسليم البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الأخير في عهد القذافي، الذي هرب إلى تونس - دليلا على أن حكم الدستور أو القانون ما كان له اعتبار في التوصل إلى تسوية لهذا الخلاف. فرئيس الجمهورية التونسي اعتبر أن تسليم لاجئ إلى تونس لسلطات بلده، يتطلب موافقة رئيس الجمهورية وتوقيعه، بينما رأى رئيس وزراء تونس أن "الأمن القومي" التونسي يتطلب الإصغاء إلى مطالب الثوار الليبيين الذين يعتبرون المحمودي مجرما يستحق المحاكمة. وليبيا دولة بترولية غنية كان يعمل فيها عشرات ألوف التونسيين، وسيعودون للعمل. ولذا، لا بد من مسالمتهم حتى لو كانت هناك شكوك في إمكان إجراء محاكمة عادلة للبغدادي المحمودي في هذه الظروف! وبالفعل، فإن المحمودي "مات" بعد تسليمه للسلطات الثورية بليبيا بيومين!
ولنعُدْ إلى موضوعنا الرئيسي، أي إلى مصر، حيث تسلم الدكتور محمد مرسي الرئاسة من المجلس العسكري قبل أيام قليلة. وما أَمهل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية، زملاءه في الإخوان المصريين ولو لأيام، إذ سارع لزيارة مصر لمشاركة زملائه في انتصارهم، وقد استقبله الإخوان المصريون استقبال الفاتحين، مع أنه ليست له صفة رسمية، والأدهى أن ابن الدكتور مرسي (وهو غير ذي صفة أيضا) لاقى الغنوشي في المطار، ومنحه باسم والده الرئيس قلادة النيل أو ما شابه، وهو تكريم لا يحظى به في العادة غير رسميين كبار من زوار مصر وأصدقائها! فما صفة الأستاذ الغنوشي التي اقتضت توشيحه بهذه الميدالية أو القلادة، وما صفة ابن رئيس الجمهورية، التي تتيح له "منح" هذا التكريم باسم والده رئيس الجمهورية؟! وقد ثار الإعلاميون والسياسيون المصريون لهذه الدالة، كما ثاروا من قبل عندما أقدم صفوت حجازي على تقبيل يد د. محمد مرسي لأنه "من عباد الله الصالحين"!
وإذا أعدنا هذا الأمر أو ذاك إلى الحماس وعدم الخبرة؛ فإن ما لا يمكن إنكاره أن الإسلاميين التونسيين والمصريين صاروا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم "ولاة الأمر" ويستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون، بعد أن مضت عليهم آمادٌ وآمادٌ وهم موزَّعون بين المعتقلات والمنافي. وهم يتحججون الآن في ما يأتون ويدَعون بأن جمهور الأكثرية معهم. وقد كانوا إلى زمن بسيط ماض يشهرون في وجه الحكام والجمهور سلاح تطبيق الشريعة التي غفل عنها الجميع، وحرصوا عليها هم وحدهم! وكان الإخوان المصريون قد حددوا بأنهم سيعتبرون الانتخابات "مزورة" إن لم يفز مرشحهم، وهكذا فما معنى الكثرة والقلة إذا كان اقتناعهم بأن الشريعة بأيديهم بغض النظر عمن يؤيدهم أو لا يؤيدهم من الجمهور! وكان مثقف سلفي من مجلس الشعب المنحل قد قال قبل يومين إنه لن يقبل بشعار الدولة المدنية إن لم يقترن بتفسير محدَّدٍ أنها الدولة غير العسكرية! وما أجابه أحد بشيء بعد. لكن "الإخوان" أنفسهم كانوا قد منعوا مشيخة الأزهر في وثيقتها الأولى عن نظام الحكم في مصر ومستقبله من تسمية النظام المراد بناؤه بأنه مدني، ورضوا بكل الأوصاف الأخرى مثل الدولة الحديثة والتعددية والديمقراطية والدستورية، إنما قبل شهرين خطر لهم أنه لا بأس بهذا التنازل لطمأنة الجهات الداخلية والخارجية، فأذعنوا أمام ضغط الخصوم لهذه الصفة (المدنية)، التي لم يرضَها السلفي الذي يعرف أن الدولة المدنية أو النظام المدني في الأساس هو النظام غير الديني!
لا يشك أحد في تلاؤمية "الإخوان" وبراغماتيتهم. لكن المطلوب اليوم وغدا ليس التنازلات المنتزعة تحت وطأة الصراع السياسي، والتي لا تقتنع بها في النهاية جماهير الإخوان المسلمين. وهم لم يتراجعوا بعد عن شعاري تطبيق الشريعة، والإسلام هو الحل! وحتى لو تراجعوا، يبقى الفرق شاسعا بين "التنازل" في التسويات الصغيرة، والاقتناع الكبير بالدولة الحديثة والديمقراطية والتعددية! وكان الدكتور محمد مرسي قد سمى برنامجه لانتخابات الرئاسة: النهضة! والنهوض يعني أول ما يعني التمييز بين الديني والسياسي. لأن الدين معني بالجانبين التعبدي والأخلاقي، بينما السياسي معني بإدارة الشأن العام. ونحن نعرف أن الثورات العربية والروسية والأمريكية والفرنسية إنما قامت من أجل تجاوز الاختلال في إدارة الشأن العام. ونحن المسلمين لا نعاني اختلالا في شؤوننا الدينية لا من قبل ولا من بعد. بل على العكس، فهناك نهوض كبير وأسلمة لسائر مناحي الحياتين الخاصة والعامة. والشريعة والدين شائعان في مجتمعاتنا ونحن نحتضنهما.
لكن الإسلاميين من "الإخوان" الذين انتهجوا معارضة غير عنيفة، على مدى العقود الماضية، طوروا رؤية الحاكمية الإلهية، وضرورة الاستيلاء على السلطة من أجل إحلال حكم الله في الأرض بدلا من حكم الجاهلية. وعندما انفرجت عليهم الأمور أيام الرئيس السادات، وبدأوا يدخلون في النقابات وجهات المجتمع المدني الأخرى، ورأوا إقبالا من الناس عليهم، بدأ التطور يدخل إلى نظرتهم، مع استمرار التحفظات على الديمقراطية (كأنما كانت هائلة التطبيق بمصر وغيرها!)، لأن الله سبحانه هو مصدر السلطات وليس الشعب! ثم صاروا يتحدثون عن الديمقراطية الإجرائية بدلا من الليبرالية. وجاملَ الرئيس السادات دعاة الهوية من "الإخوان" وغيرهم بالمادة الثانية في الدستور التي تجعل من الشريعة مصدرا رئيسيا في التشريع. لكن هذا التطور ما وصل إلى مدياته المنتظرة لعدة أسباب: منها فكر الهوية، وهو فكر جوهراني طهوري لا يقبل النسبية ولا التردد.
ولذا، كان لا بد من الإصرار على المرجعية العليا الإلهية التي تتجلى في النص الدستوري، وفي مقولة تطبيق الشريعة، ومقولة الإسلام هو الحل - ومنها الشك في الجمهور وأهوائه وتقلباته، "إذ كيف نضع الدين - وحتى الشأن العام - في أيدي العامة" من طريق صناديق الاقتراع وحسْب؟ لا بد من الاشتراط على صناديق الاقتراع بألا تخالف البرلمانات أحكام الشريعة حتى لو مثلت أكثرياتٍ في انتخابات حرة وشفافة - ومنها استمرار الملاحقات ضدهم والاضطهاد لهم، والمضايقات التي أدخلت مئات منهم إلى السجون طوال حكم الرئيس حسني مبارك! وكما سبق القول، فإنهم مضطرون وقابلون للتلاؤم، لكنْ عندهم البنية الحزبية القوية والقاسية. وعندهم التسلُّفُ الداخلُ عليهم من الجهات الأربع. وعندهم هم أن يبقى الجمهور المتدين معهم فلا يستطيعون بسهولة المصير إلى أن يكونوا حزبا مدنيا عاديا وإنْ بنفحة إسلامية. وما استقر في الأخلاد بعدُ أن الدين ليس في خطر، ولا هو يشكو من قلة التطبيق، بل إن الاختلال الحاصل هو في إدارة الشأن العام. ونحن نحتاج فيه إلى الكفء والنزيه والشجاع، وبالطبع إذا كان هؤلاء ذوي خلق ودين فهو أمر ممتاز. لكننا لا نؤمن بأن الإسلام بوصفه دينا للأمة يملك نظاما سياسيا للتطبيق أو أن الشريعة لا تكون مطبقة إلا من خلاله. وكنا اعتقدنا أن هذه البديهيات ثبتتها الثورات المدنية العربية وشعاراتها، حتى رأيتُ وائل غنيم الذي اعتُبر أحد مفجري ثورة 25 يناير، يهتف لمرسي قبل أيام، بحجة كراهيته للعسكر والمجلس العسكري!
وبالفعل؛ فإن العسكر في مصر مشكلة أكبر من العسكر في تونس. فقد حكموا أو جرى الحكم باسمهم منذ عام 1952. وهم اليوم يسيطرون على نحو الأربعين في المائة من الاقتصاد المصري. وقد انقضى زمن الحكم العسكري في كل مكان، وبخاصة في العالمين الإسلامي والعربي. ذهب الجيش الإندونيسي، وذهب الجيش الباكستاني، وذهب الجيش التركي، من السلطة وإدارة الدولة. وسيذهب الجيش المصري من الإدارة الداخلية للدولة والنظام، إنما بأي تكلفة وأي ثمن؟ عندما رأى الجيش أنه لا يستطيع رد "الإخوان" إلا بأحد طريقين: بقايا النظام السابق، والجهات المدنية والقبطية؛ آثر بقايا النظام السابق. ولأنه ما كان واثقا بفوز أحمد شفيق، فقد ارتهن لديه ملفين خطيرين: ملف إعادة انتخاب مجلس الشعب، وملف الدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية. وهو سوف يساوم محمد مرسي عليهما مساومة صعبة في مقابل امتيازاته الاقتصادية والمالية. وإذا كان "الإخوان" حريصين على عدم الخضوع لابتزازات السلفيين؛ فإنهم حريصون أكثر على عدم الخضوع لابتزازات المدنيين والعلمانيين! ولذا، فالراجح أن يختاروا تسوية تدريجية مع المجلس العسكري، تفتح الباب لخروجه من إدارة الشأن العام في السياسة والاقتصاد، وتبقيه مسؤولا بميزات وصلاحيات عن الأمن الاستراتيجي لمصر.
لا تزال مصر وتونس، ولا تزال الثورات العربية في المخاض الكبير، في المرحلة الانتقالية. إنه يوم طويل في حياة قصيرة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.