كان الله في عون رئيس مصر القادم فقد ورث تركة ثقيلة من دولة فساد اطاحت بكل مقومات هذا الوطن بشرا وأموالا وتاريخا وثقافة.. امام الرئيس الجديد ملفات كثيرة تبدأ بجرائم الماضي وتنتهي مع شعب يحلم بمستقبل أفضل وحياة اكثر كرامة.. امام الرئيس القادم تحديات كثيرة لإعادة بناء وطن نهبته أيدي الفساد واستباحته نفوس مريضة وضمائر باعت كل شئ.. هناك خطأ شائع رددته سنوات ابواق النظام السابق ان مصر دولة فقيرة وان إمكانياتها لا تكفي وان مسئولية إطعام وتعليم وإسكان وعلاج 85 مليون مواطن تحتاج إلى معجزات، كانوا يمنون علينا دائما بما يسمى الدعم وهو أكذوبة طويلة، ويتساءلون بحماقة، ماذا نفعل لكم وانتم تتكاثرون كل يوم.. ونسى هؤلاء ان هناك دولا مثل الهند والصين تطعم مئات الملايين من أبنائها ولكن الفرق هنا كان واضحا وصريحا بين شعب تحكمه دولة وحكومة مسئولة وشعب تحكمه عصابة. من يقول ان مصر دولة فقيرة إما مغالط أو جاهل أو متآمر لأن إمكانيات مصر لاتكفي شعبها فقط ولكنها تستطيع ان توفر حياة كريمة لأكثر من شعب وأكثر من دولة. تستطيع مصر ان تعيش من مورد واحد هو السياحة حيث تجمع بين ربوعها نصف آثار العالم ومعظم تاريخ البشرية ابتداء بالفراعنة وانتهاء بالأنبياء والرسل.. في مصر توجد ذاكرة الدنيا من عهد الإغريق والمسيحية والإسلام إلى عصرنا الحديث.. ومن يسافر إلى ربوع سيناء والصحراء والشواطئ التي تمتد لأكثر من 2000 كيلو متر يستطيع ان يدرك حجم الموارد المتاحة امام المصريين.. اسواق عالمية وصناعات وخدمات حول قناة السويس ومدنها الثلاث بورسعيد والإسماعيلية والسويس..وأثار تملأ كل مكان في هذا الوطن.. إن السياحة هي المورد الوحيد الذي يمكن أن يوفر للدولة المصرية انشطة واموالا وأعمالا تبدا في نفس اللحظة.. في مصر نيل يمكن أن يطعم شعبها ويوفر لها رغيف خبز نظيفا لو تم استخدام مياهه بطريقة سليمة.. أرض مصر تكفيها.. وفي مصر ثروة بشرية في غاية الثراء ويكفي أن 60% منها في عمر الشباب، وهذا يؤكد اننا امام مجتمع شاب بكل ما يحمل الشباب من القوة والعنفوان.. وفي مصر عناصر بشرية مميزة على كل المستويات، ولكن الطالح فيها أفسد الصالح وأطاح بالقدرات والمواهب.. كان الاختيار يقع دائما على الأسوأ وليس الأفضل ولهذا ترهلت كل الأشياء وشاخت كل القدرات وتحول المجتمع إلى مجموعة من العجزة الذين سيطروا على كل شئ. تستطيع مصر ان تكون دائما في المقدمة بحكم تاريخها وشعبها وموقعها وقدراتها في كل شيء ولكنها فرطت في كل ادوارها وتركت مصائرها للعابثين والعملاء، لقد ترك المصريون اقدارهم في أياد لا ترحم.. إن الغرب لا يريد مصر القوية.. وإسرائيل تريد مصر المنهكة الضعيفة المرتبكة دائما والكثير من أشقائنا سامحهم الله يريدون مصر المريضة حتى يرثوا أدوارها رغم إستحالة ذلك. امام رئيسنا القادم قضايا وهموم كثيرة.. أمامه منظومة فساد طويلة في البشر والأشياء والسياسات والمؤسسات المتهاوية، ان أخطر ماتعرض له المصريون هي عمليات التجريف البشري التي غيرت تركيبة الإنسان المصري في سلوكياته وأخلاقه وهذه المنظومة تحتاج إلى سياسات جديدة وبرامج وخطط في التعليم والثقافة والإعلام والإدارة تعيد لهذا العقل وعيه وتعيد لهذا الإنسان قدراته. أمام الرئيس القادم مسؤلية ان يعيد للعمل قدسيته أمام مجتمع تراجعت فيه موازين العدالة وتكافؤ الفرص بين ابنائه فلم يعد من الضروري أن تعمل وان تنجز حتى تكون في المقدمة، ان العلاقات العامة والفهلوة والتحايل والنفاق، كل هذه الصفات أصبحت جواز سفرمضمون للنجاح والتفوق والمطلوب الآن ان نعيد للكفاءة مكانتها وللتميز نصيبه وللجدية أهميتها في سلوكيات الناس.. امام الرئيس الجديد قضايا اقتصاد منهك ووطن منهوب لأن ميزانية الدولة كانت تشبه النفق المظلم لا أحد يرى فيه شيئا، مازالت موارد مصر حتى الآن سرا غامضا أمام الصناديق السرية والأرقام الهاربة والذمم الفاسدة.. لا أحد يعلم شيئا عن مصادر الثروة المصرية الحقيقية.. تقف أزمة الديون في صدارة القائمة حيث تجاوز حجم الدين العام تريليون و300 مليار جنيه وإذا قسمنا هذا الرقم على 85 مليون إنسان فإن كل طفل في مصر الآن عليه 15 ألف جنيه ديونا.. وهذا يعني ان العامل البسيط وأسرته التي تتكون من خمسة أشخاص عليه ديون تصل إلى 70 ألف جنيه رغم انه لا يملك شيئا.. في تقديري ان رئيس مصر القادم يستطيع ان يلجأ إلى المؤسسات والمحاكم الدولية لإعادة النظر في ديون مصر وان يشرك هذه المؤسسات في حق الدول الدائنة لأنها أقرضت نظاما فاسدا.. وإذا اثبتت التحقيقات القضائية امام المحاكم فساد المسئولين عن ادارة شئون الدولة فيجب ان تطرح القضية على المجتمع الدولي والمؤسسات المالية لأنها شريك في هذا الفساد ومن واجبها ان تتحمل المسئولية في ذلك.. من حق مصر ان تطالب المجتمع الدولي بإعادة النظر في الديون المطلوبة منها لعدم قدرتها على السداد، ولأن هذه الأموال تسربت إلى جيوب وحسابات حكام فاسدين شاركهم المجتمع الدولي في جرائمهم في نهب ثروات هذا الشعب وتستطيع مؤسسات المجتمع المدني في مصر ان تطرح هذه القضية في المحافل الدولية وتطالب بإسقاط هذه الديون خاصة ان امامنا سلسلة طويلة من الشركات العالمية الشهيرة التي شاركت في جرائم نهب المال العام في مصر سنوات طويلة. لابد أن يعيد الرئيس القادم للمال العام قدسيته ويضرب بيد من حديد على كل من يعتدي على هذه القدسية.. ان ازمة مصر الحقيقية ان المسئولين الكبار خلطوا الأوراق، ولم يفرقوا بين اموالهم الخاصة، والمال العام وهو ملك للشعب.. لقد استباحوا كل شيء وتصرفوا في شئون الدولة وكأنها عزب خاصة، حيث لا رقابة ولا حساب، في مصر صناديق خاصة لا أحد يعلم عنها شيئا.. وفيها مصاريف ونفقات سرية خارج الميزانيات وفيها الملايين التي تصرف بلا مستندات والمطلوب ان تكون هناك مراجعة دقيقة للمال العام الذي تسرب إلى حسابات المسئولين دون رقابة. إن إستباحة المال العام لم تكن قاصرة على كبار المسئولين ولكنها كانت تنتشر مثل الجراثيم في الهرم الإداري للدولة المصرية يتشابه في ذلك وزير يعقد صفقة مع موظف صغير يرتشي في أحد مكاتب الخدمات الجماهيرية. لقد أصبح الإعتداء على المال العام شبحا استنزف كل المقومات الأخلاقية في أجهزة الإدارة المصرية. امام رئيسنا القادم مجموعة الغام يمكن أن تنفجر في أية لحظة.. امامه ملايين من الشباب العاطل في الشوارع، ولابد ان يضع برنامجا لاستيعاب هذه الطاقات المعطلة لأن الشاب العاطل يحمل خلفه ألف مشكلة اخرى غير البطالة.. وهناك الملايين من أطفال الشوارع الذين تحولوا إلى بلطجية.. وهناك الملايين من سكان العشوائيات الذين تحولوا إلى احزمة ناسفة وهؤلاء جميعا يحتاجون إلى دراسة احوالهم لإعادتهم مرة أخرى إلى الحياة.. في ظل مجتمع بلا عدالة يصبح من الصعب بل من المستحيل ان يسود الأمن، فلا يوجد امن مع الظلم، وهذه الملايين التي تحملت كل اساليب القمع والجوع والتشرد لن تسكت إلى الأبد، وسوف تطالب بحقوقها في حياة كريمة إن الأمية شبح يطارد الملايين من سكان العشوائيات والأمراض تطارد الناس في غياب رعاية صحية حقيقية. هناك ثلاثية لابد ان يتوقف عندها الرئيس القادم ويواجهها بحزم.. تبدأ بحزب الفقراء أكبر أحزاب مصر ويضم 40% من السكان، ثم حزب الأمية ويضم 20 مليون مواطن لا يقرأون ولا يكتبون، ثم حزب الإدمان ويضم 6 ملايين مدمن تبدأ أعمارهم من عشر سنوات. لابد ان يدرك الرئيس القادم انه يحمل اسم دولة كبيرة في كل شيء فلا يفرط في حقوق شعبه ولايتنازل امام مؤامرات دنيئة او مطالب غير مشروعه وان يؤكد دائما حرصه على مصالح هذا الوطن لقد شهدت مصر في السنوات العجاف سياسات خاطئة وتنازلات من كل لون رغم انها كانت دائما قادرة على ان تفرض هيبتها وتحصل على حقوقها.. لابد ان تكون هناك علاقات دولية متوازنة تقوم على الإحترام الكامل لجميع الأطراف.. إن لمصر مصالح كثيرة مع كل دول العالم ويجب الا تتنازل عن دورها.. لنا مصالح في عالمنا العربي يجب ألا نفرط فيها.. ولنا حقوق في أفريقيا خاصة دول منابع النيل ولنا علاقات مع دول اوروبا وامريكا وفي كل الحالات لا ينبغي ان تطغى علاقات مع طرف من الأطراف على مصالحنا مع الآخرين.. كانت لنا علاقات خاصة مع أمريكا وهذا لايمنع من حرصنا على علاقات قوية مع الصين أو الهند أو روسيا واليابان ودول امريكا اللاتينية.. لابد أن نخرج من إطار تاريخي غريب جعلنا نتصور ان الغرب هو أول الدنيا وآخرها رغم ان هناك دولا أخرى و شعوبا تتجه الآن إلى صدارة المشهد.. يدخل في هذا الإطارعلاقات خاصة مع الدول الإسلامية مثل تركيا وإيران واندونيسيا ونيجيريا وشرق آسيا. لابد ان نخرج من دائرة الاحتكار التاريخي الذي حصر الدور المصري خلال ثلاثين عاما في إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوروبي رغم ان مصر لم تستفد من هذه العلاقات كما ينبغي.. وعلينا ان ننظر للعالم كله وان نبحث عن مصالح شعب وليس مصالح اشخاص تصوروا أنهم الوطن. هناك حقيقة مؤكدة ان مصر لن يبنيها إلا أبناؤها وان علينا ان نعيد النظر في قدراتنا المهدرة ومواردنا الضائعة وشعبنا القادر على أن يصنع المعجزات بعيدا عن أساليب التحايل والتسول التي اعتاد عليها النظام السابق سنوات طويلة. .. ويبقى الشعر الطقس هذا العام ينبئني بأن شتاء أيامي طويل وبأن أحزان الصقيع.. تطارد الزمن الجميل وبأن موج البحر.. ضاق من التسكع.. والرحيل والنورس المكسور يهفو.. للشواطيء.. والنخيل قد تسألين الآن عن زمني وعنواني وما لاقيت في الوطن البخيل ما عاد لي زمن.. ولا بيت.. فكل شواطيء الأيام في عيني.. نيل كل المواسم عشتها.. قد تسألين: وما الدليل؟ جرح علي العينين أحمله وساما كلما عبرت علي قلبي حكايا القهر.. والسفه الطويل حب يفيض كموسم الأمطار.. شمس لا يفارقها الأصيل تعب يعلمني.. بأن العدو خلف الحلم.. يحيي النبض في القلب العليل سهر يعلمني.. بأن الدفء في قمم الجبال.. وليس في السفح الذليل قد كان أسوأ ما تعلمناه من زمن النخاسة.. أن نبيع الحلم.. بالثمن الهزيل أدركت من سفري.. وترحالي.. وفي عمري القليل أن الزهور تموت.. حين تطاول الأعشاب.. أشجار النخيل أن الخيول تموت حزنا.. حين يهرب من حناجرها الصهيل الطقس هذا العام ينبئني بأن النورس المكسور يمضي.. بين أعماق السحاب قد عاش خلف الشاطيء المهجور يلقيه السراب.. إلي السراب والآن جئت.. وفي يديك زمان خوف.. واغتراب أي الشواطيء في ربوعك.. سوف يحملني ؟ قلاع الأمن.. أم شبح الخراب ؟ أي البلاد سيحتويني.. موطن للعشق أم سجن.. وجلاد.. ومأساة اغتصاب ؟ أي المضاجع سوف يؤيني ؟ وهل سأنام كالأطفال في عينيك.. أم سأصير حقا مستباحا.. للكلاب ؟ أي العصور على ربوعك سوف أغرس واحة للحب.. أم وطنا تمزقه الذئاب ؟ أي المشاهد سوف أكتب في روايتنا ؟ طقوس الحلم.. أم سيركا تطير على ملاعبه الرقاب ؟ "من قصيدة الطقس هذا العام سنة 2000" نقلا عن جريدة الأهرام