يتوجه الناخبون بعد ساعات إلى مراكز الاقتراع في مقار البعثات الدبلوماسية المصرية في جميع أنحاء العالم لاختيار ممثليهم في مجلس النواب الجديد ثم يبدأ المارثون المحلي للإنتخابات بعد غد في إطار المرحلة الأولى للانتخابات التشريعية التي تنهي الاستحقاقات الخاصة بخريطة الطريق حيث ننتظر أن يكون لدينا برلمان جديد قبل نهاية العام. تحمل قوائم الأحزاب والائتلافات والترشيحات على المستوى الفردي الكثير من المفاجآت التي تغير من خريطة الوجوه التي ستصل إلى البرلمان ومن خريطة التفاعلات والتحالفات الحزبية، فالانتخابات ستعقد للمرة الأولى في غياب طرفي صفقات نظام مبارك… الحزب الوطني المنحل وجماعة الإخوان الإرهابية المحظورة التي حلت محل الحزب الوطني في انتخابات عام 2012 التي أبطلتها المحكمة الدستورية بعد انعقاد المجلس بشهور وهو ما يعني أن القوى المهيمنة على البرلمان سواء بالتزوير والتدليس أو باللعب بورقة الدين قد خرجت من حسابات الشعب سواء في 2011 أو في 2013 وفي تلك عبرة وعظة كبيرتان لكل من يعتبر وينظر إلى صناديق الانتخاب في تلك المرة ليس بمنطق عقد الصفقات والتربيطات المصلحية ولكن بمنطق السعي وراء تحقيق المصلحة العامة قبل أي شيء آخر…. بالفعل هناك مخاوف وهواجس من البرلمان القادم وهناك مخاوف من عودة الحزب الوطني في ثوب جديد أو على الأقل قسم من نوابه السابقين سواء بشكل مباشر أو عبر عدد من النواب الجدد من العائلات والعصبيات التي ارتبطت تاريخيا بالمجالس النيابية في الماضي خاصة في الدلتا والصعيد، وهناك مخاوف أخرى من عودة الإخوان عن طريق التسلل عبر قوائم انتخابية أو من بوابة المقاعد الفردية. لكن كيف يمكن هزيمة تلك المخاوف والتغلب على حالة الإحباط التي يشيعها نفر من الناس في أوساط القطاعات العريضة من المصريين؟ في اعتقادي.. أن عزوف وإحجام الكثيرين من الشخصيات الوطنية عن المشاركة في المنافسة على مقاعد البرلمان المقبل لا يعني على الإطلاق أن تتخلى تلك الشخصيات عن تشجيع العملية الديمقراطية الدائرة في البلاد، فهناك هامش كبير من الحركة على مستوى المجتمع المدني ونشوء حالة من التجديد السياسي على مستوى الأحزاب التي عرفت اليوم أن رصيدها لدى الشعب لا يعتمد فقط على الظهور اليومي على شاشات الفضائيات أو عن طريق نشر مقالات في الصحف ولكنه يعتمد بالأساس على عملية تواصل لا تنتهي مع المواطنين.. ولن يكون تجديد دماء الحياة السياسية القائمة دون ان تدفع النخب الواعية المواطن إلى المشاركة الإيجابية في صياغة مستقبله، فلا يصح أن يدخل البرلمان القادم نواب بنسب تصويت ضئيلة أو ضعيفة يعبرون بها عن مصالح فئات ضيقة ممن انتخبوهم ولكن التعبير عن مرحلة ما بعد ثورتين كبيرتين في مصر ينبغي أن يمتد إلى عملية الاقتراع المقبلة حتى تكون بداية التجديد السياسي الحقيقي في بلادنا. ويجب الانتباه هنا.. إلى أن مقاطعة الانتخابات لم تعد السلاح الأفضل فيما تضع قطاعات عريضة من المصريين ثقتها في السلطة السياسية الحالية والتي تحتاج إلى ذراع تشريعية مكملة لعملها بعد سنوات من غياب الحياة البرلمانية، فالوقت ليس في مصلحتنا ولا نملك ترف المقاطعة أو ترف السلبية في التعامل مع الشأن العام. أيضا، لغة التقاعس والتخاذل وإلقاء مسئولية الفشل السياسي على كاهل الدولة أو الأجهزة الأمنية لم تعد سائغة ولم تعد رائجة وتحتاج إلى وقفة من مستخدميها، فالترشح على المقاعد الفردية في البرلمان لم يكن مقيدا بانتماء سياسي أو حزبي وكانت الساحة مفتوحة أمام الجميع لخوض الانتخابات ولا توجد قيود أمنية أو قانونية على الترشيحات بدليل أن عدداً من المشتبه في انتمائهم للجماعة الإرهابية تسللوا إلى قوائم أحزاب دينية أو يخوضون الانتخابات على المقاعد الفردية في ظل متابعة "شعبية" ترصد هوياتهم الخفية وتحاول مجموعات متطوعة كشف حقيقتهم أمام الرأي العام. لا يمكن.. بعد كل التضحيات التي قدمها المصريون من أجل تنقية الحياة السياسية من شوائب الحزب الوطني والإخوان حتى لو بقيت شوائب على السطح وبعد معركة الجيش والشرطة ضد الإرهاب ودفع البواسل من الضباط والجنود أرواحهم ثمنا لمواجهة الخطر الداهم على حاضر ومستقبل مصر سواء في شبه جزيرة سيناء أو على حدودنا الغربية وفي الوادي أن نترك البرلمان إلى شخصيات هزيلة غير مسيسة تخوض الانتخابات بسلاح المال والعصبيات من أجل الفوز بعضوية مجلس النواب دون أفق حقيقي فمثل هذه الشخصيات سوف تسهم في البنية التشريعية الجديدة اللازمة لعملية البناء والتنمية وتنظيم كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية! لقد دفعنا ثمنا فادحا.. لوجود مجالس نيابية بتفويض شعبي ضعيف وآخرها مجلس الشورى الذي تم انتخابه بنسبة 7.5% (سبعة ونصف في المائة) من عدد الناخبين في عام 2012 وهو المجلس صاحب أكبر رصيد من السخرية والمهازل في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية ولا ينافسه في مرتبة الأسوأ سوى مجلس الشعب الذي سيطرت عليه التيارات الدينية في عهد جماعة الإخوان وانتهى بحكم الحل من المحكمة الدستورية العليا. لا تقل المسئولية الشعبية اليوم عن مسئولية الدولة في ضمان سلامة ونزاهة العملية الانتخابية، فكلنا حراس التجربة الديمقراطية وعملية استكمال خريطة المستقبل التي نضمن في نهايتها وجود مجلس نيابي لا يحمل قدر الشوائب التي سبق أن تحدثت عنها.. المسئولية الشعبية التي تعلي من قدر المشاركة في التصويت سوف تؤدي حتما إلى اختيار الأصلح والأحق بتمثيل الناس، وسوف تحد أيضا من الظواهر المؤسفة التي تتسلل إلى البرلمان في غيبة الوعي الجماهيري بأهمية الذهاب إلى الصناديق.. فلا تتركوهم يقفزون على كراسي البرلمان وينفردون بالتشريع وتقرير المستقبل ثم نجلس جميعا نبكي على اللبن المسكوب ونعيد الدورة من جديد ولا نحصد سوى التراجع والتراخي في تحقيق حلم بناء دولة حديثة. مصر لم تعد تملك ترف ضياع الوقت.. ولم تعد تملك ترف التجريب والخروج من تجربة نيابية فاشلة إلى أخرى، فهي مسئولية نتضامن جميعا في خروجها بالشكل اللائق حتى يمكن أن نحاسب نواب المستقبل ونطالبهم بالارتفاع إلى مستوى شرف تمثيل الشعب ولو جاءت عملية التصويت على المستوى المأمول ساعتها سوف نرتفع بطموحاتنا وأمانينا درجات ودرجات وسنقول للنواب الجدد نريد منكم: * تخطيطا للمستقبل تتعاونون فيه مع الحكومة التي ستطرح عليكم برنامجها. * رقابة برلمانية جادة ومنصفة على عمل السلطة التنفيذية دون استعراض أو تزيد. * الإسراع بنظر قوانين تعالج الكثير من الخلل في البنية التشريعية وتنقية القوانين. * إعلاء المصلحة العليا للوطن والابتعاد عن المصالح الفئوية أو الشخصية. * دعم السياسة الخارجية للدولة المصرية بما يحقق المصلحة العليا للوطن. لو كان بمقدور البرلمان القادم أن يمضي قدما في تحقيق تلك المطالب لكان الفائز الأكبر في الانتخابات المقبلة هو المواطن المصري الذي يتوق إلى برلمان يحقق أمانيه بعد عقود من التجريف والخراب ولو عمل البرلمان إلى جانب الرئيس والحكومة وفقا لأجندة واضحة فسوف نكون جميعا فائزين.. فلا مجال لرابح أو خاسر في الشأن العام على حساب الآخرين.. ولا مجال لوجود فاسدين أو شخصيات مشبوهة تحت قبة البرلمان.. ولا مجال لحراسة المصالح الخاصة وإعلائها فوق مصلحة البلد.. ولا مجال لمن يملك صوتاً انتخابياً أن ينتحى جانباً دون أن يلبي نداء الوطن.. نقلا عن جريدة الأهرام