وسط أجواد خلافية - سواء قانونية أو سياسية تخيم عليها الضبابية، بدأ العد التنازلي للانتخابات البرلمانية المقبلة بمصر حيث نص الدستور في مادته 230 علي إجرائها في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من إقراره ورغم تجاوز المدة لم يصدر قانون الدوائر بعد، بينما تنادي غالبية القوي الحزبية بتعديل النظام الانتخابي لزيادة مقاعد القوائم علي المقاعد الفردية، وقوي سياسية أخري تنادي بسرعة إجراء الانتخابات لاستكمال استحقاقات خارطة الطريق. اتجهت الوفد إلي د. عفيفي كامل أستاذ القانون الدستوري بجامعة الإسكندرية والذي له عدة مؤلفات في النظم السياسية والنيابية وكان هذا اللقاء الذي أكد فيه أن الانتخابات النيابية آخر حلقات خارطة الطريق وتحتاج إلي مزيد من الوقت حتي تخرج بشكل قانوني ودستوري لتدارك أي مطاعن دستورية. مؤكداً أن خريطة الانتخابية المتوقعة وفقا للقانون الحالي تشير إلي إعادة إنتاج برلمان مشابه للبرلمانات السابقة يغلب عليه نواب الخدمات المحلية أو الرشاوي الانتخابية أو المصالح الذاتية أو الوجاهة الاجتماعية أو التيارات الدينية.. نواب لا يملكون رؤية مستقبلية أو تشريعية أو تجمعهم منظومة سياسية لبناء دولة ديمقراطية مدنية عصرية تتداول فيها السلطات. سألته هل هناك مخالفة دستورية أو قانونية في عدم إجراء الانتخابات النيابية خلال ستة أشهر من وضع الدستور؟ - هناك نص ورد بالدستور بالمواد الانتقالية وليس الأساسية بإجراء الانتخابات في هذه الفترة، ولكن هناك معوقات قانونية وسياسية يستغرق حلها عدة شهور فلا غرو من تأخير الانتخابات لتحقيق المصلحة العليا للبلاد ولا سيما أن هناك توافقاً مجتمعياً علي ذلك، حيث صدر قرار رئيس الجمهورية بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وأصدرت الأخيرة قراراً بتشكيل اللجان العامة بالمحافظات وفي انتظار صدور قانون تقسيم الدوائر لاتخاذ الإجراءات لدعوة الناخبين وتحديد جدول الانتخابات. ومما يشار إليه ان بقانون البرلمان الجديد 46/2014 في المادة 39 منه يعطي الحق لرئيس اللجنة العليا للانتخابات بتأجيل الانتخابات جزئيا أو كليا لاعتبارات الأمن القومي. ما الضوابط التي تحكم قانون تقسيم الدوائر الانتخابية؟ - يخضع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لعدة معايير دستورية تهدف لتحقيق مبدأ عدالة تقسيم الدوائر الانتخابية - أهمها المساواة الحسابية ويعني وجود توازن وتناسب تقريبي بين عدد سكان وناخبي كل دائرة والمقاعد المخصصة لها ويشكل (العنصر الكمي) لعدالة التقسيم أما العنصر (الكيفي) هو التقسيم العادل والفعال للمواطنين ويعني حظر التقسيم الجغرافي للدوائر بشكل يؤدي إلي إهدار أو تشتيت أو إضعاف القوة التصويتية لقوي سياسية معينة ويعد هذا المبدأ أهم الضمانات الدستورية للانتخابات النيابية. بالإضافة إلي معيارين آخرين وهما معقولية تقسيم الدوائر والمراجعة الدورية للسكان والناخبين - الأمر الذي يترتب عليه اتخاذ عدة إجراءات إدارية تتولاها وزارة التنمية المحلية والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ومصلحة الأحوال المدنية تحت إشراف اللجنة العليا للانتخابات. وترجع أهمية هذا المبدأ إلي ان بعض سلطات الدولة تعمد إلي تقسيم أو هندسة الدوائر لمصلحة قوي سياسية أو تيار بعينه واستخدم هذا الأسلوب منذ عدة قرون في الولاياتالمتحدةالأمريكية لمصلحة البيض علي حساب الملونين فقد بلغت القوة التصويتية لإحدي المناطق الريفية 33 مرة لسكان مدينة يقطنها السود الأمر الذي دفع المحكمة العليا للولايات المتحدة للحكم بعدم دستوريته، وقد استخدم الإخوان هذا الأسلوب إبان حكمهم للسيطرة علي البرلمان سنة 2013 وقاد هذا المشروع الوزير الإخواني محمد علي بشر - وزير التنمية المحلية حينذاك فقد استخدم أساليب عفا عليها الزمن بتمزيق الدوائر الانتخابية لأسباب حزبية بغرض التأثير علي القوة التصويتية لأهداف عنصرية كما حدث في تقسيم منطقة شبرا لتحقيق مصلحة حزبية وكما حدث في تقسيم منطقة مصر الجديدة بضم منطقة دار السلام بغرض الانتقاص للقوة التصويتية لأحد المرشحين - فالدوائر سواء في عهد الإخوان أو قبل ذلك كانت تقسم وفقا للأهواء ويتم ترسيم الدائرة علي مقاس المرشح. هل راعي المشرع الدستوري في دستور 2014 هذه المعايير وما أثر ذلك؟ - حرص المشرع الدستوري بالفعل علي مراعاة هذه المعايير في المادة 102 منه حيث أوجب علي المشرع الالتزام بالتمثيل العادل للسكان والمحافظات والتمثيل المتكافئ للناخبين ويؤكد قضاء المحكمة الدستورية في مصر في رقابتها اللاحقة هذا وقد حكمت بعدم دستورية قوانين الانتخابات النيابية أرقام 88/86، 114/83، 120/2011 لمخالفة هذه المعايير. وأكدت المحكمة بعبارات لا لبس فيها ولا غموض علي اختصاصها بفحص دستورية أنظمة تقسيم الدوائر ورفضت دفع الحكومة التي زعم محاميها أنه شأن سياسي لا يخضع للرقابة الدستورية، كما أكدت المحكمة العليا ان النصوص محل الطعن صدرت في شأن يتعلق بحقوق دستوية ينبغي علي سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقعت مخالفة لأحكام الدستور، وقد تم حل المجالس النيابية التي تشكلت بناء علي هذه القوانين. الأمر الذي جعل اللجنة المكلفة بتقسيم الدوائر الانتخابية تحاول جاهدة أن يخرج القانون دون أن يحمل أي شبهات دستورية ويتعرض للطعن من أي فصيل. هل حقق النظام الانتخابي الجديد العدالة الانتخابية ولا سيما مع طلب بعض القوي السياسية تعديل هذا النظام؟ - قانون مجلس النواب الجديد خص القوائم ب 120 مقعداً وقسم الجمهورية إلي 4 دوائر. ورغم حرص المشرع علي توزيع المقاعد بين الفردي والقائمة بحيث تشمل القوائم الفئات المهمشة تنفيذاً لما ورد بمواد الدستور (11- 243 - 244) إلا أن هناك بعض المثالب الدستورية والتي قد تكون مثار شبهة عدم دستورية. فالفئات المهمشة تم تحديدها بطريقة سياسية لا تستند إلي أسس حسابية، كما أن الوزن النسبي لصوت الناخب يختلف من دائرة لأخري ومن قائمة لأخري فناخب الدائرة الممثلة بمقعد واحد يختلف عن الممثلة بثلاثة مقاعد وأيضاً بالنسبة للقوائم فالثقل الانتخابي للصوت في القائمة الكبيرة يختلف عن القائمة الصغيرة. كما ان القوائم تضم محافظات مترامية الأطراف مما يصعب المعرفة المتبادلة للمرشحين أو الناخبين أو الإلمام بالقضايا والمشاكل التي يعاني منها أهالي هذه المناطق وهو الأمر الذي يخالف مبدأ معقولية تقسيم الدوائر، ولا يوجد معيار واضح لتوزيع المقاعد بين الفردي والقوائم الأمر الذي دفع الأحزاب إلي طلب إعادة توزيع المقاعد بحيث يكون 20 بالمائة منها للفئات المهمشة و40 بالمائة للقوائم و40 بالمائة الفردي، واتجاهات أخري طالبت بتقسيم المقاعد الفردية لمقعد واحد لكل دائرة. هل يمكن تعديل النظام الانتخابي بما يلبي مطالب الأحزاب السياسية؟ - يمكن إجراء تعديل علي النظام الانتخابي بتقرير مزيد من المقاعد للقوائم وهذا يتفق مع فلسفة المشرع الدستوري بيد أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا لإعادة توزيع الدوائر بالنسب المقترحة الجديدة. ما طريقة حساب الأصوات سواء بالنسبة للفردي أو القائمة؟ - أخذ القانون الانتخابي الجديد لمجلس النواب أسلوب الفوز بالأغلبية المطلقة سواء علي المستوي الفردي أو القوائم، بمعني ان القائمة التي تفوز بالأغلبية المطلقة (نصف الأصوات الصحيحة + 1) - تفوز القائمة كلها بصرف النظر عن الترتيب الوارد بها - أما إذا لم تحصل أحد القوائم علي الأغلبية المطلقة فتعاد الانتخابات بين أكبر قائمتين وتفوز الأعلي تصويتاً- وإذا كانت الدائرة من مقعد واحد فيفوز من يحصل على الأغلبية المطلقة، فإذا لم يحصل أحد من المنافسين علي هذه النسبة تعاد الانتخابات بين أكبر منافسين، ويفوز من يحصل منهم على الأغلبية البسيطة أو أعلى الأصوات، وكذلك الحال إذا كانت الدائرة من مقعدين فيتم الإعادة بين الأربعة الأوائل، وبين الستة الأوائل إذا كانت الدائرة لها ثلاثة مقاعد وهكذا. هل يؤثر زيادة المحافظات وإعادة ترسيم حدودها علي قانون تقسيم الدوائر الانتخابية؟ - أعتقد أنه لو صدر قانون تقسيم الدوائر دون انتظار قانون تقسيم المحافظات لا يؤثر ذلك علي النظام القانونى للمجلس النيابى لأن عضو البرلمان يمثل الدولة كلها ولا يمثل دائرة معينة وهناك سابقة تاريخية حدثت في ألمانيا عندما انفصل إقليم (الألزاس واللورين) عن ألمانيا، فلم يتغير تشكيل البرلمان وظل قائماً بتشكيله حتي نهاية الفصل التشريعى. هل المحافظات الحدودية سيتم تقسيم دوائرها وفقاً لأعداد ناخبيها وسكانها؟ - المحافظات الحدودية.. ستبقى كما هي في السابق بالنسبة لمقاعدها النيابية، فشمال سيناء سيكون لها 3 دوائر وكذلك جنوبسيناء وستنشأ دوائر حديثة في حلايب وشلاتين وواحدة للنوبة -نظراً لاعتبارات الأمن القومي، وهذه الأوضاع مطبقة في جميع الدول الديمقراطية- بالإضافة إلى وجود دوائر انتخابية جديدة نظراً لزيادة عدد سكانها كمدينة برج العرب و15 مايو ومدينة السادات والعاشر من رمضان. هل التشريعات التي أصدرها رئيس الجمهورية ملزمة للمجلس القادم؟ - نعم.. هذه التشريعات في حكم تشريعات الضرورة، سواء التي أصدرها رئيس الجمهورية الحالى أو الرئيس الانتقالى -وسوف تعرض علي مجلس النواب القادم في أول انعقاد له وفي خلال خمسة عشر يوماً، وقد يوافق المجلس عليها -أما في حالة عدم الموافقة عليها يزول آثارها بأثر رجعى- إلا إذا اعتمد نفاذها في الفترة السابقة وذلك وفقاً للمادة 156 من الدستور. هل مدة 15 يوماً كافية لمناقشة المجلس لهذه التشريعات ولا سيما أن هناك إجراءات تشكيل هيئات المجلس ولجانه خلال هذه الفترة، كما أن بعض التشريعات المكملة للدستور كتشريعات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومباشرة الحقوق السياسية تحتاج لأغلبية ثلثى أعضاء المجلس؟ - أعتقد أن الأمن التشريعي أو استقرار المنظومة التشريعية في هذه الفترة الفارقة أحد الأسباب السياسية لتأخير الانتخابات النيابية حتي يكون هناك توافق سياسي على تحالف انتخابى يفرز أغلبية تشريعية تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية، فهناك توجس من أن يتسلل إلي المجلس تيار مدعوم من قوي خارجية يتربص بمصر لتعطيل المنظومة التشريعية. ماذا يحدث لو لم يوافق المجلس النيابي علي قوانين الانتخابات النيابية ومباشرة الحقوق السياسية والقوانين الأخرى المكملة للدستور؟ - سوف تحدث أزمة تشريعية ودستورية لو هناك ثلث معطل من أعضاء المجلس لهذه القوانين، الأمر الذي قد يهدد مشروعية الانتخابات الرئاسية أو النيابية كما يحدث الآن في دولة لبنان ويعيدنا مرة أخرى إلى المربع صفر. ما أثر طلب بعض الدول والمنظمات الدولية سرعة استكمال خريطة الطريق باستكمال الاستحقاق الثالث بإجراء الانتخابات في نهاية ديسمبر؟ - بالنسبة لطلب بعض الدول في المجلس الدولى لحقوق الإنسان فهي مطالب معتادة في مثل هذه المراجعات ترسيخاً للممارسات الديمقراطية، ولاسيما بعد التشكيك والدعاية العدائية التي تولي زمامها التنظيم الدولى الإرهابى للإخوان لثورة 30 يونية التي أطاحت بهم وأمل أمريكا وتركيا وقطر الكبير في تفكيك أواصر الدولة المصرية.. وبالتالى سقوط الأمة العربية. أما تعليق بعض الدول استثماراتها لحين انعقاد البرلمان- فهذا الأمر تنتهجه بعض الدول لضمان استقرار استثماراتها وفى هذا الإطار اتخذ رئيس الجمهورية إجراءات تمهيدية لبدء الانتخابات النيابية. كما أن الدولة تسعي بكل مؤسساتها إلي سرعة إنجاز هذه الانتخابات في الإطار الذي يحقق المصلحة العامة وفي الواقع أن الدعاية للانتخابات النيابية بدأت بالفعل رغم أن هذا الأمر يخالف القانون الانتخابى.