في ظل تسارع الأحداث والتطورات التي شهدها العالم وتقلب الخريطة الجيو سياسية وموازين القوي الدولية وفي ظل العولمة التي أفرزت واقعا ومقاربات كان لها أبلغ الأثر في الممارسات الاقتصادية والقيم الاجتماعية. كان الحديث مع الدكتور أكمل الدين احسان أوغلي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم في عضويتها57 دولة حول ما ستقدمه المنظمة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتجريم ازدراء الأديان, ودور المنظمة في اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وكيفية التصدي للحملة علي الإسلام وماهي العقبات التي تواجه مبادرة التحالف بين الحضارات.. وماذا عن القمة الإسلامية القادمة, وفيما يلي نص الحوار: ماذا عن مشروع القرار الذي سيعرض علي الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجريم ازدراء الأديان؟ فعلا يوجد حاليا مشروع قرار بهذا سوف يعرض علي الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الجديدة ولابد ان تتعاون الدول الأعضاء علي إعداده وهذا ما سوف ندرسه مع وزراء الخارجية في نيويورك. ما دور منظمة المؤتمر الإسلامي في توقيع اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإسلامية خاصة أنه يوجد جزء ثقافي في الاتفاقيات؟ لقد شهدت العلاقات بين المنظمة والاتحاد الأوروبي تحسنا ملموسا علي مدي السنتين الماضيتين, لقد كانت لي لقاءات عديدة مع كبير ممثلي الاتحاد الأوروبي للسياسات الأمنية والخارجية السيد خافير سولانا وقد أسهمت هذه اللقاءات حسب اعتقادي إسهاما قيما في تحسين العلاقات الثنائية بين المؤسستين وسوف يتجدد لقائي معه في أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها القادمة, والأمل يحدوني في أن نتمكن من عقد مزيد من المحادثات المعمقة بهذا الشأن وأنا متفائل خيرا بخصوص ماسنتوصل إليه. أما الاتفاقيات التي ألمحت إليها لقد عقدت علي مستوي ثنائي وإن كان من واجبي ان أنوه هنا إلي أن منظمة المؤتمر الإسلامي تتطلع إلي إرساء آليات تعاون رسمية في المجال الثقافي مع الاتحاد الأوروبي سواء في شكل اتفاقيات أو مذكرات تفاهم حيث ان ذلك سوف يدعم التفاهم والتقبل المتبادل للقيم والعادات والمعتقدات الثقافية بتنوعها بين بلدان الاتحاد الأوروبي ودول منظمة المؤتمر الإسلامي أري أن تفاعلنا المتنامي مع الاتحاد الأوروبي قد وجد صدي ايجابيا في أوروبا بصفة عامة بما في ذلك إشعار الحكومات والمجتمعات بأهمية التواصل مع المنظمة بقصد تعزيز التفاهم والتعاون والتنسيق المشترك بين العالمين الإسلامي والغربي كما أري اننا نشهد اليوم إدراكا لدي أوروبا بأن السماح بالتهكم بالمسلمين أو تشويه صورتهم وثقافتهم الإسلامية قد يضر بمصالح الغرب, لذلك فإنني اعتقد أننا سنرحب بالمقترحات التي قد يتقدم بها الاتحاد الأوروبي لعقد اتفاقات ثقافية من شأنها أن تدعم التفاهم والاحترام المتبادل بين الحضارات والأديان والمعتقدات. * هناك حملات تشويه إعلامية في الاتحاد الأوروبي ضد الإسلام والعرب. لعلي قد تناولت الرد عن هذا السؤال جزئيا من خلال إجابتي عن سؤالكم الأخير فالمنظمة كما ذكرت آنفا قد بادرت بالتواصل مع الاتحاد الأوروبي وإقامة حوار معه علي مختلف الأصعدة فقد كانت لي شخصيا عدة لقاءات مع قادة ورؤساء حكومات دول الاتحاد الأوروبي كما شاركت في عدد من الندوات والمؤتمرات التي احتضنتها أوروبا للفت الانتباه إلي مخاطر ومضار ممارسة أعمال التشويه ضد الإسلام والعرب. كما ان المنظمة قد اخذت بزمام المبادرة تجاه الاتحاد الأوروبي وحكومات بلاد الغرب في توضيح موقفها المندد بالارهاب والتطرف والرافض لهما كما شددنا علي ان التطرف والإرهاب يمثلان عدوا مشتركا للانسانية جمعاء وليس لبلد أو دين معين دون غيره, مما يقتضي التصدي لهما بجهود موحدة, ان هذا الأمر يهم الجميع وإن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي, التي كان بعضها ضحية للأعمال الإرهابية تمثل شريكا حيويا في الحرب ضد الإرهاب. أري أن أولئك الذين يقدمون علي مثل تلك الأفعال إنما يقومون بها نتيجة جهلهم أو عدم إدراكهم أو تفهمهم لتعاليم الدين الإسلامي وقيمه الحقيقية, وتحت تأثير جماعات لها مآرب أخري وتسعي إلي تشويه صور الإسلام والعرب, اعتمادا علي أعمال تقترفها قلة محدودة ترفضها الأغلبية المسلمة, أعتقد ان دول الاتحاد الأوروبي اصبحت مقتنعة بأن كراهية الإسلام وتشويه صورته عمل لايؤتي سوي نتائج عكسية وأن مواجهة مثل هذه الحال لاتتم إلا عن طريق حوار يؤدي إلي حلول مرضية تضع حدا للمشكلة. * كيف يمكن للحوار ان ينجح طالما استمر أحد الطرفين في التهجم علي شخص الرسول صلي الله عليه وسلم ؟. إن أعمال النيل من شخص رسول الله أو الرسوم الكاريكاتورية أعمال دنيئة وبغيضة أدانتها منظمتنا بأشد العبارات وقد أعربت المنظمة كما فعلت أنا شخصيا عن موقفنا بأن الحوار لمجرد الحوار لايمكن أن يحقق أي نجاحات مالم تكن هناك رغبة والتزام صادقان بتحقيق نتائج فعلية وأنا أؤمن بأنه لاتوجد أي حكومة تؤيد مثل تلك الأعمال, إلا أنها قد تكون عاجزة عن اتخاذ تدابير فاعلة بسبب غياب الإجراءات القانونية ضد مثل هذه الأعمال. وبالتحديد إذا ماتناولنا قضية الرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك أو تلك التي ظهرت مؤخرا في السويد فقد أوضحت دون لبس أن مثل تلك الأعمال لايمكن التغاضي عنها تحت أي ذريعة بما في ذلك ذريعة حرية التعبير وهي لاتؤدي سوي إلي تقويض أي تقدم قد يتم تحقيقه في إحداث تقارب بين الحضارات وإلي بث الكراهية لايجوز السماح لشخص ما ان يمارس أعمالا ذات عواقب سيئة علي البشرية ونحن نأمل في أن تتحلي وسائل الإعلام الغربية خاصة تلك المشاركة في صنع القرار بمزيد من روح المسئولية والإحساس وبأن تمنع التهجم علي الرسول بدعوي حرية التعبير ولهذا الغرض فلابد من استصدار آلية قانونية تحول دون ذلك علي المستوي الدولي ولا بد من الإحساس بالمسئولية السياسية والأخلاقية لدي المسئولين في الدول الأوروبية تجاه المسلمين في بلادهم وفي العالم بأسره.. * ماذا عن التعاون بين المنظمة والاتحاد الأوروبي وهل هناك آلية للحوار بين الجانبين؟ استنادا إلي المنظور التاريخي للعلاقات مع أوروبا والقواسم المشتركة بين الإسلام والغرب المتمثلة في القرابة في المرجعية الدينية والروحية والقرب الجغرافي والتماثل الثقافي والمصالح الاقتصادية الكبري فقد سعت منظمة المؤتمر الإسلامي التي تطوير هذه العلاقات وذلك من خلال العمل علي تعزيز فرص الحوار المتبادل لما فيه خير المنظمتين وتم في هذا الصدد عقد الاجتماع الوزاري المشترك بين منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي في اسطنبول بتركيا خلال الفترة من12 13 فبراير2002 والذي شكل آلية عليا للحوار بين الجانبين كما تم انشاء آلية الترويكا الوزارية لمتابعة كافة القضايا التي تهم الجانبين حيث عقدت عدة اجتماعات في هذا الصدد خاصة بعد تفجر أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة وقد قام السيد خافير سولانا الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية المشتركة بزيارة إلي مقر الأمانة العامة بجدة بتاريخ13 فبراير2006 حيث اتفقنا علي تعزيز التعاون المشترك كما قام عدد من مبعوثي الاتحاد بزيارات لمقر الأمانة العامة كمبعوث الاتحاد الأوروبي للسودان ومبعوث الاتحاد الأوروبي للصومال للتفاكر حول تحقيق السلام والاستقرار في هذه الدول الأعض اء في منظمة المؤتمر الإسلامي. * ما هو دور المنظمة فيما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن والمطالبة بمقعد إسلامي دائم. كما هو معلوم فقد أضحي إصلاح مجلس الأمن من خلال توسيع العضوية في فئتيه الدائمة وغير الدائمة وتحسين أساليب عمله أمرا ضروريا وعاجلا حتي يكون أكثر ديمقراطية في سيره وأكثر تمثيلا في تشكيلته وأكثر شفافية في طريقة اتخاذه للقرار وأكثر مصداقية في أعماله ولوائحه وهي مطالب ظلت الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تطالب بها في إطار عملية الإصلاح الجارية في الأممالمتحدة وتحديدا علي صعيد فريق العمل مفتوح العضوية المعني بإصلاح مجلس الأمن. وقد عبرنا في أكثر من مناسبة بأن يكون للدول الأعضاء في المنظمة مقعد دائم في مجلس الأمن بما يمكن الجميع من المشاركة وتحقيق التوازن المطلوب في مجلس الأمن وتم بحث هذا الموضوع في اجتماعات سابقة علي المستوي الوزاري وعلي مستوي الخبراء لبحث الآلية التي تحفظ للدول الأعضاء حقها في التمثيل العادل في مجلس الأمن وهذا الموضوع مطروح علي أجندة الاجتماع التنسيقي لوزراء الخارجية الذي سيعقد في مطلع اكتوبر القادم علي هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. * ماذا تتوقع للقمة الإسلامية القادمة؟ تنعقد القمة الإسلامية العادية في دورتها الحادية عشرة بالعاصمة السنغالية داكار خلال شهر مارس آذار2008 وتنظر هذه القمة في كل المسائل الجوهرية للعالم الإسلامي كما ستتولي التقييم المرحلي لانجاز برنامج العمل العشري الذي اعتمدته القمة الاستثنائية المنعقدة في ديسمبر2006 بمكة المكرمة وستكون إعادة هيكلة المنظمة والمصادقة علي تعديل الميثاق من بين أهم المسائل المطروحة علي القمة التي ستركز اشغالها كذلك باعتبار أنها تنعقد في أفريقيا, علي شئون هذه القارة وعلي قضايا التنمية في العالم الإسلامي عموما. * لماذا لاتتخذ الدول الإسلامية موقفا موحدا من الصراع العربي الإسرائيلي؟ فهناك دول تأخذ موقفا مضادا وهناك دول تقوم بعمل تطبيع؟ هناك موقف إسلامي موحد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وهذا تعكسه بشكل دائم جميع القرارات الصادرة عن مؤتمرات القمة ووزراء الخارجية لمنظمة المؤتمر الإسلامي. ولكن لابد من التذكير بوجود خلل في موازين القوي في المنطقة لصالح إسرائيل وأن إسرائيل ترفض الالتزام بتطبيق القرارات الدولية والصادرة عن الأممالمتحدة بل وتتحدي هذه القرارات الدولية وتنتهك اتفاقيات جنيف والقانون الدولي وتستمر في عدوانها المتواصل علي الشعب الفلسطيني وعلي مقدساته وتستمر في بناء الجدار العازل والمستوطنات وتحاصر الشعب الفلسطيني لذلك لابد من تكثيف جهود ودور المجموعة الإسلامية في الأمماالمتحدة وفي المحافل الدولية الأخري من أجل تنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي. * لماذا لا تأخذ الدول الاسلامية بمبدأ المصالح وتضغط لإجبار اسرائيل علي الموافقة علي المبادرة العربية المقدمة أصلا من السعودية واستعادة القدس؟ لقد تبنت الدول الإسلامية مبادرة السلام العربية والتي تطالب بشكل واضح وجلي بتطبيق جميع القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية, لاسيما فيما يتعلق بجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة من عام1967 وقد أعلنت الدول الإسلامية هذا الموقف في جميع مؤتمرات القمة والوزراء. أيضا لابد من التأكيد أننا في فلسطين والعالم الإسلامي أصحاب حق وأننا نطالب بتحقيق سلام عادل ودائم يضمن للشعب الفلسطيني جميع الحقوق الوطنية غير قابلة للتصرف بالرغم من ذلك هناك حالة من التحدي المستمر للشرعية الدولية من قبل إسرائيل وهذا أمر واقع منذ قيامها وليس من شك أن توحيد جهود الأمة الإسلامية تجاه قضية فلسطين العادلة برغم الجروح الكثيرة في جسد الأمة لابد أن يضغط علي إسرائيل وعلي الأطراف الدولية التي تستطيع أن تضغط علي إسرائيل من أجل القيام بعمل دبلوماسي مكثف لإبراز أهمية تبني مبادرة السلام العربية من أجل إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط. * ماهو دور منظمة المؤتمر الإسلامي في دارفور؟ اهتمت منظمة المؤتمر الإسلامي بتطورات الأوضاع في إقليم دارفور بجمهورية السودان منذ بداية تفجر النزاع وأرسلت بعثتين للإقليم في إطار السعي للوقوف علي حقيقة الأوضاع هناك كما دعمت الجهود المبذولة علي صعيد الاتحاد الأفريقي لتحقيق التسوية السلمية بين أطراف النزاع وأكدت دعمها في هذا الصدد لاتفاق ابوجا وقمت بزيارة رسمية للسودان تباحثت فيها مع القيادة السودانية حول السبل الكفيلة بتقديم الدعم للاقليم وكافة المناطق المتأثرة بالحرب في السودان ودعت المنظمة المجتمع الدولي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع في دارفور بهدف تحقيق التنمية المستديمة في السودان للحيلولة دون تفجر النزاعات مستقبلا. وتأكيدا منها للتضامن المستمر مع جمهورية السودان اعتمدت الدورة الرابعة والثلاثون للمؤتمر الاسلامي لوزراء الخارجية القرار رقم34/5 س بشأن تعزيز السلام في السودان ودعم تنمية ووحدته, كما أكد هذا القرار مجددا ضرورة احترام سيادة السودان وسلامة أراضيه واستقلاله, ثم اعرب القرار عن القلق العميق إزاء التطورات التي استجدت في اقليم دارفور خاصة الوضع الانساني فيه ودعا كافة الدول الأعضاء إلي تقديم دعمها العملي لكل الجهود الرامية إلي تحقيق المصالحة الوطنية بين أفراد الشعب السوداني الواحد. وفي يوليو2007 قام وفدان مستقلان عاليا المستوي من السودان بزيارة للأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الاسلامي وقاما مع الامين العام باستعراض آخر الأوضاع في دارفور وكان الوفد الأول برئاسة وزير الدولة للسودان السيد علي أحمد كارتي بينما ترأس الوفد الثاني كبير مساعدي الرئيس ورئيس السلطة الاقليمية الانتقالية في دارفور السيد ميين ميناوي.