في المدن الحديثة بات صعباً تمييز الناس من وجوههم أو قراءة مدنهم من أجناسهم لأن العولمة غيرت معالم البلدان. لكن هذه المعادلة لا تنطبق على الدول الحية مثل الهند التي لا تحتاج فيها لأن تتحدث مع أحد لتكتشف بأنك في بلاد الهند والسند، بل يكفيك النظر الى آثارها العظيمة التي تعود الى عصر المغول او ازيائها التقليدية التي تبهر زائريها بألوانها الزاهية لتكتشف انك في ارض الحضارة التي تعود الى 5000 عام على أقل تقدير. في الطريق الى الفندق بعد ساعات طويلة من الطيران حيث كاد الانهاك يقضي على الحماسة في اكتشاف هذا البلد، عمل سائق التاكسي دليلاً سياحياً عن أهم معالم دلهي التي تضم العاصمة الاستثنائية بامتياز. الانطباع الاولي عن الهند يمكن تكوينه خلال التجوال في شوارع دلهي التي تؤكد نظرية كل الذين زاروها مسبقاً وهي «ان الهند بلد التناقضات». ففي تلك الشوارع تجد محلات ومخازن كبرى بجانب أكشاك وعربات قديمة، وتكتشف ان الحديث يتجاور مع القديم كما يتجاور الفقر والغنى والتحضر مع التخلف والخرافات. لكن مع الوقت تكتشف انه من رحم هذه التناقضات ربما تولد الحياة وتستمر، وخير دليل على ذلك آثارها الموغلة في القدم مثل القلعة الحمراء و بوابة الهند ومسجد جاما الى جانب منشآتها العصرية الحديثة. وكي تتعرف على الهند اكثر يجب ان تستقل اهم وسيلة نقل والأكثر شيوعاً فيها «التوك توك» عبارة عن دراجة تم تصميمها بشكل عربة تتسع لثلاثة اشخاص لكن في الازدحام تتسع لعدد أكبر. وأهم ما يلفت النظر في شوارع الهند باستثناء المدن والمقاطعات الكبرى فيها، ان الزائر لن يرى أي اشارات مرور ولعل هذا هو السبب في أهمية «بوق» السيارة لأنه الوسيلة الوحيدة التي تستطيع من خلالها أن تعلن عن وجودك وتشق بها هذا الموج المتلاطم من البشر والسيارات و «التوك توك» والعربات التي تجرها الأبقار والجاموس والدراجات. وأقصى سرعة مسموح بها داخل المدن تتراوح بين 10 و15 كيلومتراً ولا تزيد خارجها عن 45 كيلومتراً، أي منتهى البطء والزحام، والغريب أن حالة المرور التي تشهدها الشوارع الهندية تعكس صورة صادقة عن طبيعة المجتمع الهندي ذاته حيث الزحام والتنوع والإختلاف الى حد التناقض. حنة الزواج:- اتيحت للمشاركين في الزيارة فرصة حضور بعض الأعراس الهندية التي اقيمت مصادفة في الفنادق التي ضمتهم. والمميز في هذه الاعراس «الحنة»، أو ما يطلق عليه «ماهندي»، حيث تنقش العروس الهندية يديها برسوم جذابة، فيما تحرص الفتيات والسيدات على التزين بهذه الرسومات في الأعياد والمواسم كافة، حتى ان سيدات بعض القبائل لا يكتفين بنقش الأيدي او الأرجل فقط، بل يغرقن أجسادهن بالكامل بتلك الرسومات من دون ان يكون لهذه العادة جذور دينية كما يؤكد العارفون. محطات سياحية:- كانت «جايبور» أو «المدينة الوردية»، نسبة إلى لون كل مبانيها التاريخية والحديثة، أولى المدن في جدول زيارة الوفد الصحافي الى الهند التي نظمتها وزارة الدولة للشؤون الخارجية. وقصر الهواء الذي بناه المهراجا ساواي براتاب سينغ سنة 1799، هو أشهر معالم المدينة وأسسه لنساء القصر ليتمكنّ من رؤية الشارع عبر النوافذ ويضم 900 غرفة. المحطة السياحية الثانية كانت في الانتقال الى مدينة اغرا التي ترك أشهر اثارها تاج محل غصة في حلوق السيدات اللواتي حسدن ممتاز محل على الحب الافلاطوني للامبراطور شاه جاهان. هناك تستطيع ان تشاهد أروع ما شهدته العين البشرية من نصب تذكاري شيده حبيب وفاء لحبيبته. الامبراطور أمر ببناء هذا الصرح تخليداً لذكرى زوجته بين عامي 1631 و1653. استمرت قصة الزواج المفعمة بأسمى معاني الحب والهيام 17 عاماً، أنجبت له خلالها 14 ابناً... ثم انزوى الامبراطور وحيداً يتجرع كؤوس الحزن والشوق إلى أن لحق بمحبوبته ودفن في الضريح ذاته الذي بني من أغرب وأثمن الأحجار الكريمة. نكتشف أن الهند هي صورة مصغرة عن العالم في كل شيء حتى لتحسبها اكثر من بلد، ففيها كل الأجواء والمناخات والأديان والأعمال والفنون والشعوب والمناظر واللغات والحضارات على اختلافها. هذه الاختلافات جسدتها مدينة راموجي السينمائية الأكبر من نوعها في العالم، مدينة تنتمي الى العالم المتحضر ويزورها خمسة ملايين سائح كل عام. تمتلك راموجي أكثر من 500 موقع للتصوير و50 استوديو عملاقاً يتم فيها توظيف أحدث اختراعات التكنولوجيا الرقمية والإنتاج السينمائي إضافة إلى نماذج لعدد كبير من المدن الكبرى والمواقع العالمية المبنية على مساحة أكثر من 2000 فدان على الطريق السريع الواصل بين حيدر أباد وفيجايا وارد. منظمو الجولة أرادوا ان تكون مدينة مومباي المركز المالي للهند المحطة الأخيرة والانطباع الأخير عن الهند لأنها مدينة تستحق ان تمضي فيها اجازة ساحرة فيها متعة التسوق وشغف الابحار في مواقع تحكي قصص التاريخ. فهي عبارة عن جزيرة صغيرة وسط أدغال وغابات ومستنقعات رائعة تعتبر المركز الثقافي والتجاري لدولة الهند ويوجد فيها أكبر ميناء بالإضافة الى أكبر سوق بورصة في آسيا وتعتبر صناعة السينما فيها الأكثر انتاجاً في العالم. في المدينة خليط من الثقافات والعادات واللغات مليئة بالحركة والنشاط. يوجد العديد من المعالم السياحية والأثرية التي تستحق الزيارة الآثار المنغولية التي تعود الى القرنين السابع عشر والثامن عشر والمحفوظة في متحف «أمير ويلز»، ويوجد أيضاً حدائق هضبة ملابار التي تعتبر واحة خضراء وسط ناطحات السحاب في مومباي. ولا بد من زيارة كهوف ايليفنتيا الموجودة في جزيرة جاربوري وتبعد حوالي 10 كلم من مرفأ مومباي التجاري، ومشاهدة الادغال التي يحتلها الشمبانزي ويتعايش فيها السواح بطريقة فريدة. كثيرون من السواح يزورون الهند ويشاهدون في شوارعها بعض السحرة من مروضي الأفاعي واستعراض الشمبانزي، فيظنون أن هذا أفضل ما يمكن أن تقدمه الهند غير مدركين أن هؤلاء لا يمثلون البلاد. إن حياة الهند الحقيقية وحيويتها تكمنان في ثقافتها الروحية التي جعلتها رحماً لكثير من المعتقدات، فتراث الهند الأعظم والأغنى هو الوسائل والطرق الروحية. لا يمكن مقارنة الهند بأي بلد آخر في تنوعها الثقافي والعرقي وتباين ألسنتها ومعتقداتها الدينية. وبما يقارب البليون نسمة تعتبر الهند ثاني أكثر دول العالم سكاناً. وبجانب اللغة الانكليزية التي تعتبر لغة أهل التجارة والسياسة والطبقات المثقفة توجد أربع عشرة لغة رئيسية أخرى، هذا فضلاً عن أربع وعشرين لغة أخرى يتحدث بها الملايين، وعدد لا يحصى من اللهجات المحلية. ويعتنق سكان الهند سبعة أديان رئيسية بجانب عدد كبير من الديانات الصغرى، كما يوجد بها ست مجموعات عرقية. ويعتبر الدين المحور الرئيسي للثقافة الهندية، ويمكن ملاحظة ممارسته في مختلف أوجه الحياة العامة في المناطق المختلفة، فهنا تجد معابد الهندوس متجاورة مع الجوامع الاسلامية والمعابد السيخية والكنائس. لذلك لا يمكن ان تكتمل زيارة الهند من دون زيارة معابدها على اختلافها والاطلاع على ثقافتها وحقائقها وروادها لتكتسب الزيارة نكهتها الهندية المميزة.