تشير بيانات شركة البترول البريطانية إلى أن انتاج مصر خلال العام السابق أكثر من 61مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، استهلكت منها محليا أكثر من 45 مليار متر مكعب، لتتبقى كميات للتصدير أكثر من 15 مليار متر مكعب. وهكذا حظيت مصر بمركز جيد على خريطة تجارة الغاز الطبيعي الدولية، حيث تحتل المركز الثالث عشر عالميا بالإنتاج، والمركز الخامس عشر دوليا بتصديره، كما تحتل المركز السابع عشر في احتياطي الغاز عالميا، حيث يبلغ الاحتياطي بها 2 تريليون و186 مليون متر مكعب، تكفي للإنتاج الحالي 36 عاما. وفي ضوء تلك البيانات قامت مصر في العام السابق بتصدير الغاز الطبيعي إلى 20 دولة، أكثرها لإسبانيا بنحو 2.6 مليار متر مكعب، تليها الأردن بنحو 2.5 مليار متر، ثم اسرائيل 2.1 مليار متر، فأمريكا أكثر من 2 مليار متر. وكوريا الجنوبية بنحو 980 مليون متر مكعب، ثم 730 مليون متر مكعب إلى ايطاليا ومثلها إلى فرنسا، وأقل من ذلك الى سوريا واليابان وشيلي والكويت وتركيا وبلجيكا وتايوان والمكسيك ولبنان وانجلترا والهند واليونان والصين. إلا أن تلك الصورة الإيجابية تخفي في طياتها واقعا مختلفا تماما، حيث تمثل كميات الإنتاج المذكورة انتاج الشركات المصرية والشركات الأجنبية العاملة بمصر معا، ولأن انتاج الشركات المصرية لم يعد يكفي الاستهلاك المحلي من الغاز، يتم شراء نصيب الشريك الأجنبي من انتاجه لمواجهة الاستهلاك المحلي المتزايد، ولمواجهة متطلبات عقود التصدير الممتدة لسنوات مع عدد من الدول. لكون الغاز الطبيعي يستخدم كوقود في محطات توليد الكهرباء وفي شركات البترول وفي السيارات، بالإضافة إلى استخدامه في الاستهلاك المنزلي بالتدفئة والتسخين وكمادة مساعدة في صناعة الحديد والصلب وبمصانع الأسمنت والحراريات، فقد زاد الطلب على الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي خاصة مع الاتجاه لانشاء مصانع جديدة للحديد وللأسمنت وتوسع محطات الكهرباء، ومشروع توصيل الغاز بالمنازل وتوصيل الغاز للصعيد وتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي. وفي ضوء انخفاض عدد السنوات التي يغطيها الاحتياطي المصري من البترول، وتحول مصر منذ عام 2007 وحتى الآن وخلال السنوات القادمة الى مستورد صاف للبترول، كان نداء كثير من خبراء الطاقة لعدم تصدير الغاز الطبيعي لحاجة السوق المحلية إليه نظرا للاحتياجات المتزايدة منه. حيث تشير خريطة الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي حاليا الى توجه نسبة 56% من الاستهلاك الى توليد الكهرباء، و12% للأغراض الصناعية و12% لشركات البترول و11% لإنتاج الأسمدة، و6% للإسكان و2% فقط الى المنازل، وكل تلك القطاعات بها نمو وتحتاج الى المزيد من الطاقة. ويعزز ذلك كون الغاز الطبيعي أقل إضرارا بالبيئة، وأقل تكلفة بالمقارنة بباقي أنواع الوقود، وإمكانية استبداله في محطات توليد الكهرباء بما يتم استهلاكه بها من مازوت وسولار، واستخدامه بالمنازل كبديل للبوتاجاز، وبالسيارات في ضوء ما نستورده من كميات من السولار والبوتاجاز والبنزين، والتي يكلفنا دعم أسعارها عشرات المليارات من الجنيهات سنويا. الأمر الأهم هو دعوة خبراء آخرين الى منع تصدير الغاز الطبيعي خاما، والقيام بتصنيعه محليا، حيث يستخدم كمادة خام في صناعة الأسمدة والبتروكيماويات والبلاستيك، كما تستخدم المنتجات البتروكيماوية في صناعة المنسوجات والمواد العازلة والطلاء والمذيبات والصابون وأشرطة التسجيل. من كل ما سبق تتضح أهمية إلغاء التعاقد مع شركة شرق المتوسط لتصدير الغاز إلى إسرائيل، وهي الدولة التي اكتشفت ثلاثة حقول مؤخرا تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، كما تستعد لتصديره خلال عام، والأهم هو الصمود أمام الضغوط الدولية لإعادة ضخ الغاز، وفتح ملف إعادة التسعير للغاز في الاتفاقيات الأخرى للتصدير خاصة مع أسبانيا وفرنسا. وعلى وزارة البترول أن تستفيد من المرحلة الحالية التي زاد خلالها تقديرها من قبل الرأي العام المحلي، وأن تفصح عن الأوضاع الحقيقية للطاقة في مصر، فمن شأن ذلك المساعدة في ترشيد الاستهلاك من أنواع الطاقة، وقبول إعادة تسعيرها للصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، ومن حقنا أن نعرف قدر حصة الشريك الأجنبي في كل من انتاج وتصدير البترول والغاز الطبيعي. نقلا عن جريدة الأهرام