أوشك على الانتهاء.. مسجد جديد يخدم أهالي عرب الكلابات بأسيوط (صور)    "التنمية المحلية": انطلاق الأسبوع الثالث من الخطة التدريبية بسقارة غدًا -تفاصيل    طالبة STEM تفقد حلم الطب بعد تلاعب زميلتها في موقع التنسيق    اليوم.. البابا تواضروس يترأس قداس تدشين كنيسة القديس مارمينا العجائبي بالإسكندرية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    «تعليم أسوان» تعلن عن فرص عمل للمعلمين بنظام الحصة.. الشروط والأوراق المطلوبة    برلماني يعلن حل أزمة مستحقات مزارعي القطن بالدقهلية نهائيًا    ميناء دمياط: استقبال 9 سفن ومغادرة 12 خلال 24 ساعة    تنطلق غدًا في الغربية.. وزير العمل يتفقد وحدتَي تدريب مهني متنقلتَين    وزيرا الإنتاج الحربي والبترول يبحثان تعزيز التعاون لتنفيذ مشروعات قومية مشتركة    إزالة مزرعة سمكية مخالفة بمركز الحسينية في الشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    صحة غزة: ارتفاع ضحايا التجويع في قطاع غزة إلى 281 وفاة    محكمة أمريكية تمنع ترامب من حجب التمويل عن لوس أنجلوس    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وزير تركي: سنعقد اجتماعا ثلاثيا مع سوريا والأردن بشأن النقل    "مش أقل من الأهلي وبيراميدز".. ميدو يوجه رسائل شكر وتحية لمدرب الزمالك واللاعبين    كمال شعيب: الزمالك صاحب حق في أرض أكتوبر..ونحترم مؤسسات الدولة    كهربا يقترب من الانتقال إلى القادسية الكويتي    سقوط شبكة لاستغلال الأطفال .. الداخلية تنقذ 16 حدثًا وتسلمهم لأهليتهم    ‬خلاف على المخدرات ينتهي بجريمة قتل مروّعة في الفيوم    ضبط 382 قضية مخدرات و277 سلاحا ناريا وتنفيذ 84 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    البيئة تعلن الانتهاء من احتواء بقعة زيتية خفيفة في نهر النيل    بالصور| مدحت صالح يلتقي بجمهور مهرجان القلعة للموسيقى والغناء 33    11 معلومة وصور عن الفنانة سهير مجدي بعد وفاتها    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة السابعة لجوائز الفنون لعام 2026    ذكريات لا تقدر بثمن.. أبراج لا تنسى الماضي وتحتفظ بأشيائها للأبد (تعرف عليها)    الاثنين المقبل.. قصر ثقافة الإسماعيلية يشهد أسبوعا تثقيفيا احتفالا باليوم العالمي للشباب    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    الرعاية الصحية: استحداث تغيير الصمام الأورطي بتقنية التافي بمستشفى شرم الشيخ    59 مليون خدمة طبية مجانية في 38 يومًا عبر "100 يوم صحة" -تفاصيل    قافلة حياة كريمة تقدم خدماتها الطبية المجانية لأكثر من 1050 مواطنا بقرية عزاقة في المنيا    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    هل يمكن علاج الصداع النصفي بزيت الزيتون؟    ظهر أحد طرفيها عاريا.. النيابة تحقق في مشاجرة بمدينة نصر    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محافظ أسوان يتفقد مشروع مركز شباب النصراب والمركز التكنولوجى بالمحاميد    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    الشرقية تتحرك لإنقاذ السكان من عقارات الموت الآيلة للسقوط (صور)    لا دين ولا لغة عربية…التعليم الخاص تحول إلى كابوس لأولياء الأمور فى زمن الانقلاب    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.خالد الحروب: أتاتورك والخلافة... الوعي المزيف
نشر في أخبار مصر يوم 16 - 04 - 2012

يؤكد حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) في تركيا على التكوين والوجهة العلمانية للدولة التركية بشكل لا مواربة فيه، كما يفصل البرنامج السياسي المطول للحزب، المنشور في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت. تقول مقدمة البرنامج السياسي "إن حزبنا يشكل الأرضية لوحدة وتكامل الجمهورية التركية حيث العلمانية والديمقراطية ودولة القانون وصيرورات الحضارة والدمقرطة، وحرية الاعتقاد، والمساواة في الفرص تعتبر أموراً جوهرية". ثم تفاخر المقدمة بإنجازات الدولة التركية وتقتبس عن مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك (الذي تظهر صورته جلية مع العلم التركي على الصفحة الأولى للموقع الإلكتروني الرسمي للحزب) وتقول: "إن جمهوريتنا ليست عاجزة. والحل يكمن في الشعب نفسه.
وكما قال العظيم أتاتورك فإن القدرة على إنقاذ الأمة تكمن في عزمها وتصميمها". لماذا لا يجد إسلاميو تركيا بدّاً من تضمين هذه التأكيدات في أدبياتهم مقرين ومادحين أتاتورك الذي يراه غيرهم من الإسلاميين "الرجل الصنم" الذي دمر الخلافة الإسلامية وأنهى حكم سلاطين بني عثمان؟ الجواب على هذا السؤال يكشف مقدار الوعي المزيف والقراءة الانتقائية (والساذجة) للتاريخ المُشتهرة في أوساط كثير من الإسلاميين غير الأتراك. يعرف قادة ومؤسسو حزب العدالة والتنمية الأتراك أنه من دون أتاتورك لما كانت هناك دولة تركية كما نعرفها الآن ولكانت تقاسمتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى وتقطعت أوصالها بين دول الحلفاء وروسيا واليونان، وهو تقاسم كان يتم عبر اتفاقيات مذلة وقعها السلاطين الذين كانوا، من أجل كرسي السلطنة وبقائهم عليه ولو بشكل رمزي ومن دون أي سيادة، يمهرون تواقيع الاستسلام والتمزيق واحداً تلو الآخر.
وكان مصطفى كمال أتاتورك أحد الذين تمردوا على سياسات الأستانة التي تلاحقت تنازلاتها للغرب ووضعت تركيا على شفير التقسيم والتجزئة. وكان الغرب يكبل السلاطين بالسياسات والشروط المختلفة، فيما كان أتاتورك يحارب أساطيل الغرب في الدردنيل والروس في شرق الأناضول حتى لا تسقط الأراضي التركية تحت الاحتلالات المختلفة. والفرق بين آخر السلاطين في أواخر الدولة العثمانية وأتاتورك من منظور الخلافة الإسلامية والعلاقة مع الغرب هو التالي: السلاطين احتموا برمزية الخلافة وصورتها في المخيلة الإسلامية واستغلوها إلى أبعد مدى وظلوا يزعمون أنهم ممثلو الإسلام والمدافعون عنه. ولكن عمليّاً، على أرض الواقع لم يكن لذلك الزعم أي معنى، لأن الهدف الحقيقي كان التلاعب بالعواطف الإسلامية للشعوب من أجل الإبقاء على كرسي السلطنة والسلالة العثمانية التي فسدت إلى أبعد مدى في أواخر حكمها وكانت تقدم التنازل تلو الآخر للغرب على حساب سيادة الدولة وأراضيها.
وكان السلاطين الضعفاء في إسطنبول قد بدأوا يوقعون المعاهدة تلو الأخرى مع القوى الكبرى ويقدمون بها التنازلات التي قطعت أرجاء الإمبراطورية ورهنتها للخارج، بدءاً من برنامج "ميرتزيج" الإصلاحي سنة 1903 الذي وافق عليه السلطان عبدالحميد الثاني وبموجبه تخضع قوات البوليس التركي في مقدونيا لمراقبين دوليين، ووصولاً إلى معاهدة سيفرس عام 1920 التي مزقت بقايا الإمبراطورية ووافق عليها سلطان إسطنبول ووزيره الأعظم ورفضها أتاتورك والحركة الوطنية التركية. كان السلاطين خاضعين للسياسات الخارجية وكانت المقايضة المأمولة أن يؤمّن لهم ذلك الخضوع بقاء الحكم.
وفي المقابل، اقتنع مصطفى كمال خريج المدارس والكليات العسكرية، والذي قرأ فولتير وجان جاك روسو في الثانوية وتعلم الفرنسية، أن تقدم تركيا وقوتها ووقوفها في وجه الغرب لن يكون إلا عبر تبني النموذج الغربي نفسه، أي الوقوف في وجه الغرب عبر امتلاك أسلحة الغرب نفسه. ومن هنا فإن الفهم الصحيح لأتاتورك ونموذجه ومنطلقات حداثته تأتي من هذه النقطة تحديداً: تبني منهج الغرب في الحداثة والتقدم، ومقاومة إمبريالية الغرب وجيوشه وهيمنته في الوقت نفسه.
وعندما كان الضابط الصغير مصطفى كمال في أواسط الثلاثينات من عمره قاد معركة الدردنيل الشهيرة التي وضعته على مراتب سلم المجد العسكري وكانت بداية صعوده المُبهر. وقد اشتهرت تلك المعركة باسم آخر هو "غاليبولي" وأصبحت مما يُدرس في الكليات العسكرية بسبب حنكة وإصرار مصطفى كمال وشجاعته طوال أشهر التي قوضت خطط تشرتشل يومها لإحكام الحصار على تركيا من جهة الغرب.
ومضيق الدردنيل هو الخاصرة الرخوة التي إن تمت السيطرة عليها فإن جيوش الكومنولث يومها (الإنجليز، والأستراليين، والكنديين، بالإضافة إلى الفرنسيين واليونان) ستطبق على بحر مرمرة وتصبح إسطنبول بعد ذلك قيد السقوط شبه المحتم. وخلال أسابيع القتال الطويلة والمريرة التي سقط فيها ألوف المجندين (ومنهم كتائب عديدة من العرب الذين تم تجنيدهم من بلاد الشام) كان على مصطفى كمال مواجهة أسطول كبير من سفن الحلفاء التي أحاطت بالجزيرة الصغيرة وأرادت اكتساحها ودكتها بالمدفعية لفترات طويلة متواصلة.
وفي لحظة فاصلة في تلك الأسابيع المطيرة والعاصفة والمتوترة شن الحلفاء هجوماً واسعاً أدى إلى هرب الجنود الأتراك من منطقة الشاطئ باحثين عن مناطق أكثر أمناً، وبدا أن تلك المعركة هي الفاصلة وإثرها ستسقط الجزيرة والمضيق بيد الحلفاء. يومها وقف أتاتورك بقامته الطويلة ووجهه الصارم في وجه الجنود الراكضين وأوقفهم، وصرخ في وجوههم صرخته التي دخلت التاريخ وأدخلته إليه قائلًا لهم: "لا أتوقع منكم أن تهاجموا، لكني آمركم بأن تموتوا! وفي الوقت الذي يمضي حتى نموت جميعاً، سوف تأتي قوات إضافية وقادة آخرون ليأخذوا مكاننا".
في تلك الأثناء كانت المؤامرات تحاك ضد الضابط الذي حمى الخاصرة التركية وتم استدعاؤه إلى إسطنبول، وعمليّاً إبعاده عن الجيش. وفي قتاله اللاحق ضد اليونانيين والروس كان أتاتورك قد تمرد على قرارات إسطنبول التي أمرته بالتخلي عن الجيش خضوعاً لضغوط الخلفاء ونقمتهم على إنجازاته. وعندما بزغ نجمه العسكري أكثر وقاد الجيش دفاعاً عن أنقرة ضد حصار الجيش اليوناني كان قد وصل مرحلة يصعب على أحد في تركيا مجاراته فيها، فيما كان السلاطين يصبحون من مخلفات الماضي العتيق.
إن حداثة أتاتورك العسكرية والتعليمية هي التي أنتجت منه قائداً فريداً قاتل ببسالة واستنارة ضد قوات الحلفاء من جهة وضد أطماع الروس من جهة ثانية وضد اليونانيين الذين احتلوا إزمير وحاصروا أنقرة من جهة ثالثة. ولكنه في الوقت نفسه أدرك أن حربه هي ضد أطماع الغرب وليس ضد حداثة الغرب وعلومه التي يجب أن تتبنى لأنها هي التي تحقق القوة والاستقلال الحقيقيين. أما انتماء سلاطين بني عثمان للماضي فهو ما قوض دولتهم وحولها إلى رجل مريض لا حول له ولا قوة.
نقلا عن صحيفة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.