بالرغم من أنني - ومعظم الذين ارتبطوا بثورتنا النبيلة فكرا وعملا، كنت أبحث عن أي عذر أبرر به أخطاء "أحد" الذين طفوا على أمواجها، وظهر كثوري ليبرالي، وتألق في الشو الاعلامي بتصريحاته الصاخبة غير المنطقية مثل تخليه عن الحزب الذي حمله الى عضوية مجلس الشعب، وارتباك قراراته ومواقفه. ومع ذلك قلنا لانفسنا: لعله لم يكتسب بعد خبرة العمل الحزبي والبرلماني والجماهيري وانه - ساعة الجد - سوف يثبت انه اضافة حقيقية للثوار وللقوى الليبرالية التي تحتاج بشدة الى كل صوت قوي في مواجهة الاغلبية التي سيطرت على الساحة، لكن ما ارتكبه اخيرا السيد محمد أبوحامد لا يمكن لاحد ان يقبله او يغفره له، فقد اساء للثورة وللقوى الوطنية المصرية والعربية بالخطأ - أو الخطيئة - التي ارتكبها اثناء زيارته لبيروت، فقد صدمنا - حضرته!! بالكلمة التي القاها في مؤتمر لحزب الكتائب، حيث اطلق قصائد المديح الابله في الرجل الذي كان احد الذين أشعلوا الحرب الاهلية في لبنان، وكان وراء مجزرة "اهدن" في عام 1976 التي قتل فيها نجل الرئيس سليمان فرنجيه "النائب طوني فرنجيه" وامتدت جرائمه الى قتل الزعيم الوطني رئيس الوزراء الاسبق رشيد كرامي، وآخرين من الشخصيات اللبنانية المعروفة، الى ان كانت جريمته الكبرى بدوره المخزي الرهيب في "مذبحة صبرا وشاتيلا" التي قتل فيها اكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني داخل مخيماتهم وقد تم ذلك بالتنسيق المباشر مع مجرم الحرب الاسرائيلي "شارون"، وهكذا تلطخت يدا هذا الرجل بدماء الفلسطينيين واللبنانيين، وكانت لديه الجرأة - بل الصفاقة - بأن يظهر في الصور التي تناقلتها الصحف ووسائل الاعلام المختلفة متأبطا ذراع شارون، وبنفس الجرأة لم ينكر انه ارسل بعض القوات من الكتائب للتدريب في إسرائيل!! - ولأنه أدمن هذا السلوك، كان ومازال من أبرز الذين أزعجهم الاداء البطولي لحزب الله اثناء الحرب الغادرة غير المتكافئة التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان وتلقت فيها هزيمة عسكرية ومعنوية قلبت الموازين واربكت المخططات الاسرائيلية. هذا واغلب الظن انك - عزيزي القارىء - قد ادركت انني اتحدث عن "سمير جعجع" لأنك - بأقل قدر من المعرفة والثقافة - تعرف عنه الكثير، وهذا للاسف ما لم يتوافر للأخ أبوحامد الذي تبارى في القاء قصائد المديح في هذا "الجعجع" واندمج في نفاقه حتى انزلق الى وصفه بأنه الحكيم.. الملهم الذي ألهم ثورتنا كما ألهم الأمة العربية، وانه طوال تاريخه "طبعا الدموي"!! كان ومازال رمز الثورة السلمية والدفاع عن المبادىء والقيم الوطنية!! .. وكان من الطبيعي ان يتهلل وجه "سمير جعجع" لأنها شهادة تأتيه من حيث لم يحتسب على يد نائب برلماني مصري ارتبط اسمه بالثورة التي بهرت العالم، ثم تهلل وجهه أكثر وأكثر عندما اختتم الأخ أبوحامد خطبته النارية العبثية بأن اتجه بنظره نحو جعجع قائلا: "شكرا سيدنا.. لقد ألهمتنا" قالها ولسان حاله يقول: "يا رب تكون انبسطت مني"!! وهكذا صدمنا وخذلنا وخذل ثورتنا وخذل مصرنا "الأخ أبوحامد"، الذي كنا قد تشبثنا بالأمل في ان يكون في اطار صورة مشرفة للثورة وللقوى الوطنية لكنه فعلها وما اسوأ ما فعل!! حتى انه لن يجد ما ينقذ به ماء وجهه وما يكفر به عن ذنبه!! ذلك لأنه - ببساطة - ان كان لا يعلم فهذه مصيبة، وان كان يعلم فالمصيبة أكبر وأخطر!! نقلا عن جريدة الأخبار