لم تكن الفضيحة الجنسية التي تورطت فيها كتيبة كاملة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في ساحل العاج منتصف الشهر الحالي هي الأولي من نوعها, لكنها كانت الأكبر من حيث عدد المتورطين فيها(706 عسكريين), وأيضا من حيث رد الفعل السريع الذي اتخذته إدارة عمليات حفظ السلام بالمنظمة الدولية, إذ قررت جاين هول لوت مساعد الأمين العام لعمليات حفظ السلام ايقاف جميع أفراد الكتيبة بعد أسبوع واحد من ذيوع أنبائها, ووصول شكاوي بشأنها من عدة جمعيات أهلية الي مبني المنظمة الدولية بنيويورك. وطبقا لبيانات الأممالمتحدة ذاتها, فقد تضخم ملف الجرائم الجنسية والاتجار في المخدرات واستغلال الأطفال وتجارة الماس غير المشروعة, التي يمارسها بعض جنود الأممالمتحدة لحفظ السلام في مناطق عديدة من العالم, فإلي جانب ما ستكشف عنه فضيحة قوات حفظ السلام في ساحل العاج, يجري التحقيق مع300 عسكري من قوات الأممالمتحدة العاملين في حفظ السلام بسبب تورطهم في أنشطة جنسية وإساءة استخدام السلطة في هاييتي وكمبوديا والبوسنة. وخلال السنوات الثلاث الماضية, تقول البيانات الأممية, تم طرد20 مدنيا يعملون بوكالات الأممالمتحدة المختلفة, وارسال17 شرطيا و144 عسكريا الي بلدانهم الأصلية بعد ادانتهم بتهم متنوعة تشمل الاعتداء علي قاصرات والحصول علي خدمات جنسية مقابل أغذية وأدوية, وتسهيل ادارة شبكات دولية للدعارة وتهريب الماس والمعادن الثمينة, فضلا عن استخدام القسوة المفرطة في التعامل مع اللاجئين والمشردين في مناطق عديدة حول العالم. قال لي أحد الدبلوماسيين ببعثة دولة شرق أوسطية بالأممالمتحدة, ان معاقبة العسكريين المتورطين في هذه الجرائم قد تكون أسهل من معاقبة المدنيين العاملين بوكالات المنظمة الدولية.. ذلك أن من تتم ادانتهم من قبل العسكريين يتم غالبا ارسالهم الي بلدانهم, ولا يحق لادارة عمليات حفظ السلام بالأممالمتحدة مطالبة حكومات الدول التي تورط جنودها في جرائم مخلة, بمحاكمتهم في أراضيها.. وفي معظم الأحيان تكتفي هذه الدول باستعادة جنودها, وتعتبر عودتهم الي بلدانهم حرمانا لهم من الرواتب الشهرية العالية التي كانوا يحصلون عليها بالعملة الصعبة ابان فترة انتدابهم بقوات حفظ السلام الأممية!! أما المدنيون كما يشير الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه أو الدولة التي ينتمي إليها فلا سلطان لأحد عليهم.. كل ما في الأمر أن الأممالمتحدة تقوم بفصلهم وانهاء تعاقدهم معها.. ويذهبون الي حال سبيلهم!! ويؤكد نفس الدبلوماسي ويؤكد ثقته في أن جميع البلدان الإفريقية الأعضاء في الأممالمتحدة سوف تتصارع علي ضمان تمثيل جنودها في القوة المختلطة المزمع ارسالها الي اقليم دارفور غرب السودان, بسبب المزايا المادية الكثيرة التي يفتقدها هؤلاء الجنود خلال أداء خدمتهم العسكرية في بلدانهم الأصلية. لكن جين هول لوت مساعد الأمين العام لعمليات حفظ السلام كادت تبكي ألما وهي تتحدث لنا في المؤتمر الصحفي عن ملابسات فضيحة أفراد الكتيبة المتورطة في ساحل العاج, اخبرتنا أن المدانين من أفراد هذه الكتيبة تم نقلهم خارج ساحل العاج وعودتهم الي بلدهم الأصلي.. المغرب. وقالت لنا انها كأم وكجندية( وهي أيضا قرينة الجنرال دوجلاس لوت أحد كبار العسكريين في إدارة الرئيس بوش واشترك في التخطيط والتنفيذ للغزو الأمريكي لأفغانستان ثم العراق), لن تتسامح أبدا تجاه مرتكبي هذه الجرائم, وأخذت تتحدث عن معني الشرف العسكري بالنسبة للفرد العامل في قوات حفظ السلام الأممية وكيف أن هذا الشرف لا يمكن فرضه باللوائح والقوانين, وانما هو شعور متعمق بالواجب والرغبة في مساعدة المستضعفين في العالم. وعندما سألها أحد الصحفيين عن نتيجة التحقيقات السابقة في مثل هذه الجرائم, وأشار الي فضيحة قيام بعض العسكريين في ادارتها لحفظ السلام بتهريب الماس من الكونجو, رفضت الإجابة واكتفت بالقول بأن الأممالمتحدة تصر بعد ارسال المدانين العسكريين الي بلدانهم الأصلية, علي معرفة نتائج التحقيق معهم, وكان طبيعيا أن نسألها: هل فعلا تتم محاكمتهم في بلدانهم؟ ابتسمت جين في مرارة وهي تقول إن الأممالمتحدة تسعي الآن من خلال ميثاق شرف جديد, إلي ضرورة ملاحقة المتورطين في مثل هذه الجرائم وضمان عدم افلاتهم من يد العدالة, وشرحت لنا كيف تحاول الأممالمتحدة حاليا صياغة أفكار جديدة والبحث عن آليات عملية يتم احترامها ويمكن تطبيقها بشفافية من جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة لتعزيز احترام القواعد الاخلاقية في مهمات حفظ السلام حول العالم. لكن ما لم تذكره لنا مساعد الأمين لعمليات حفظ السلام, هو تراخي ادارتها وعدم جديتها في التعامل الحاسم مع معظم الجرائم والانتهاكات التي تقع من قبل جنودها ومدنييها, يكفي علي سبيل المثال فضيحة استغلال جنود الأممالمتحدة لفتيات البوسنة واجبارهن علي الدعارة, وقيام جنود حفظ السلام بإقامة علاقات بيزنس مع عصابات تهريب النساء والأطفال في منطقة البلقان بعد تمركز جنود الأممالمتحدة بها منذ عام1999, وبرغم أن تحقيقات ادارة عمليات حفظ السلام بالأممالمتحدة اثبتت منذ عامين بالأدلة وبشهادة الشهود, تورط العديد من أفرادها في ارتكاب سلسلة متنوعة من الجرائم المخلة في حق أطفال ونساء منطقة البلقان, إلا أن شيئا لم يحدث.. وبقيت الأممالمتحدة عاجزة.. اللهم إلا من بعض بيانات الاستنكار ودموع جين التي كادت تتساقط من عينيها في المؤتمر الصحفي.