رغم أننا اقتربنا من مسافة ال100 متر الأخيرة في سباق الرئاسة، إلا أن الساعات الأخيرة يمكن أن تشهد تعيين رئيس معين ينتخبه الشعب بالوكالة ليكون رئيسا شرفيا على الأقل في المدة غير المحددة التي تسبق الاستفتاء على الدستور. يمكن أن نطلق عليه الخليفة المأمون الذي يؤتمن على سلطة تسلم اليه ولو على سبيل الأمانة، يمكن أن يكون كامل الأوصاف لكنه بالقطع لن يكون كامل الصلاحيات رغم أنه من المفترض أن تنتقل إليه سلطات رئيس الجمهورية العسكري كما كانت في دستور مبارك المعمول به حتى الآن، تلك هي ملامح رئيس الجمهورية الجديد الذي سيتم تسميته سرا قبل إعلان اسمه علنا.. وليس من حق أحد أن يعترض على النتيجة طبقا لنص الفرمان الذي أصدره رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات، وهي السلطة الوحيدة في مصر الآن بعد المجلس العسكري التي تملك كامل الصلاحيات رغم أنها لجنة.. وليست حكومة ولا برلمان.. ليس من حق أحد أن يراقب عملية الفرز وحصر أصوات الناخبين داخل اللجان الفرعية إلا على سبيل الفرجة فإن الفرز والاحصاء على أرض الواقع لن يتم الاعتماد عليه عند اعداد النتيجة.. السؤال الذي يفرض نفسه في ظل حالة الهوس حول من سيشغل منصب رئيس الجمهورية وهي المهنة النادرة في تاريخ الانسان المصري.. السؤال هو: هل تحدث المفاجأة ويفوز المرشح الذي انتخبه الشعب؟ ليس من حق أحد أن يعترض على أي شيء.. فإن الراعي الحصري قرر أن تكون الانتخابات مشفرة.. فلا يحق لأي مرشح أن يدعو لنفسه طوال 52 يوما ليتحول المرشح الاحتمالي الى سجين رئاسي مهدد بالحبس إذا خرج من قفص الصمت كي يدعو لنفسه.. وفي كل الأحوال ربما تكون ال 52 يوما كافية لتدريب الرؤساء لو فازوا على الاذعان والامتثال والخضوع.. إنها لعنة الرئاسة العصرية التي يقودها سجناء السلطة والذين يفقدون صلتهم بالواقع، ويخلدون الى العيش في قوقعة يصنعونها بأيديهم وبأيدي المنافقين لتصبح قبلة المشتاقين والانتهازيين. دفتر الشيكات دخل مرحلة الظهور العلني وهي المرحلة قبل الأخيرة للظهور السافر يوم الانتخاب.. ويبدو أنه في ظل التشفير الكامل للعملية الانتخابية برمتها لم يعد من حق أحد أن يسأل أيضا عن ماهية الأموال السائلة والسائبة التي تتدفق وبكميات غير مسبوقة تشق طريقها الى العشوائيات والمناطق الشعبية الفقيرة والمتوسطة.. وكلما اقتربت ساعة الانتخابات اتجه مؤشر الانفاق نحو المليارات وهي قليلة جدا عندما يكون الهدف هو شراء رئيس قادر بعد الفوز على تحويل النقود الرخوة الى نقود صلبة.. في الوقت الذي نشاهد فيه حمدين صباحي وهو يرفع شعار: جنيه من كل مواطن سيعطيه صوته.. الشعب هو الذي يشتري رئيسه.. وأقول وبكل تجرد لن يندم أي مواطن مصري هذه المرة على أنه تبرع بالجنيه المصري وليس بالدولار الأمريكي لمرشح مصري أصيل هو حمدين صباحي.. القادر وهو قادر على الفوز على حماية الثورة من أعدائها وتحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الديمقراطية. في مشهد لا يخلو من دلالة.. صورتان متقابلتان.. أصوات عالية من داخل الكنيسة المصرية تقرر دعم عبدالمنعم أبوالفتوح صاحب المرجعية الإسلامية.. بينما وفي نفس الوقت أصوات أخرى ترتفع من داخل جدران جماعة الاخوان تقرر فصل شباب الاخوان إذا وقفوا الى جوار عبدالمنعم أبوالفتوح. القضية ليست هي الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وهو الرجل الذي لست في حاجة الى ان تتعرف عليه كي يرتاح قلبك ويطمئن اليه.. فهو طبيب مصر النفسي الجديد آتاه الله بسطة في العلم بقدر ما أتاه بسطة في الجسم.. فهو قامة واستقامة. القضية ليست في الدكتور أبوالفتوح، القضية هي في المبادرة المسيحية الحضارية الثورية التي قادها 12 اسقفا بالكنيسة للتأييد والدعوة للدكتور أبوالفتوح.. فقد أكدت المبادرة المسيحية من جديد رفض المفاهيم المعوجة التي يراد فرضها باسم الدين.. كي يعود الاشراق الى وجه الدين عند المسلمين وعند المسيحيين، ويعود الدين الى وظيفته الحقيقية ليكون هو الوسيلة للاصلاح والنجاح والحرية والتقدم. القضية ليست في الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.. القضية هي من هو المرشح الذي سيدخل معركة الاعادة مع الدكتور أبوالفتوح. نكأ شاب ثوري اسمه حسام سيد الدمل عندما كتب على تويتر ونشرته التحرير ما نصه: كلما شهدنا مرشحين للرئاسة نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا مبارك.. خربت التعليم والصحة والثقافة وبصفتي شاهدا من داخل أروقة السلطة خلال هذا العصر أحكي وللتاريخ سيناريوهات التخريب السياسي الذي كان الثمرة الطبيعية للتخريب في التعليم والصحة والثقافة على الوجه التالي: نجح النظام السابق في تنفيذ سيناريوهات متقنة لتجفيف المنابع القيادية والقضاء على كل مشروع قيادة يمكن أن تتدرج لتتبوأ في يوم من الأيام منصب الرئيس.. كانت كلمة السر عند اختيار التيارات هي ترشيح الضعفاء لاختيار الأضعف من بينهم وياحبذا لو كان منحرفا أو فاسدا.. لا مكان لكل من يضبط متلبسا بالموهبة، وعلى المتسربين منهم أن يثبتوا أنهم جهلاء كي يبقوا في مواقعهم، وعندما كان يخضع أي منهم للعقاب الجزافي لاختبار مدى ولائه للنظام كان يتوجب عليه أن يعلن استحقاقه للعقاب على جريمة لم يرتكبها، أما المسئول السياسي الأطول عمرا فهو الذي كان يجيد فن ترجمة الصهد المنبعث من وجه الرئيس الى توجيهات لاعفاء الرئيس من عناء التوجيه.. وكان المرشح الأقوى للصعود هو القائد الذي يتميز بأنه يشتم وينشتم وتقطع هدومه دفاعا عن النظام وكان كل القادة المشتاقين يحرصون على نفي أي صلة لهم حتى بكلمة اسلامي التي كانت القشة التي تقصم ظهر كل بعير مهما كان ولاؤه وانتماؤه للنظام.. نجح النظام في ترسيخ ثقافة الأقنعة التي تخفي خلفها حقائق مفزعة لا يتسع المقام لذكرها ألا أنها كلها تؤكد على ان الأخلاق يجب أن تتنحي، وأن التزوير المعنوي يسبق التزوير في الانتخابات. أرجو ألا نصاب بفقدان الذاكرة ونحن نختار الرئيس الجديد الذي سيؤسس لمجتمع جديد.. ومع احترامي لكل المرشحين وهم جميعا محترمون ومن بينهم أصدقاء حميمون فإنني أرى وقد أكون مخطئا أن كل من كان يصلح للقيادة في النظام السابق القائم لا يصلح أن يكون رئيسا للنظام القادم. ملحوظة مستشفى مبرة العصافرة بالاسكندرية رفض انقاذ مريضة من الموت، لأنها لم تكن تملك الأموال اللازمة لدخول المستشفى.. وماتت المسكينة صباح جاد الرب 42 سنة على باب المستشفى الذي كان في الماضي مبرة حكومية للعلاج المجاني، أما اليوم فقد تحول الى مستشفى استثماري لا يستقبل الفقراء الذين يستحقون الموت لأنهم فقراء.. يا للعار على الاستثمار والمستثمرين الذين تجردوا من كل انسانية في سبيل جمع المال.. لكن المسئولية تمسك برقبة كبار المسئولين الذين سلبوا الشعب كل حقوقه حتى حق الحياة. نقلا عن جريدة الأهرام