أثار قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بحظر الدعاية الانتخابية إلى ما قبل موعد الانتخابات بنحو ثلاثة اسابيع فقط، لغطا شديدا على الساحة الاعلامية خاصة في ظل المادة 54 بقانون الانتخابات الرئاسية 174 لسنة 2005. التي تعاقب بالحبس مدة لاتقل عن سنة وبغرامة لاتقل عن عشرة آلاف جنيه ولاتجاوز مائة الف جنيه، أو باحدى هاتين العقوبتين كل من خالف الأحكام المنظمة للدعاية الانتخابية المنصوص عليها بالمادة 21 من نفس القانون. وهكذا صدر قرار لجنة الانتخابات الرئاسية رقم 6 لسنة 2012 الذي ينص على حظر الدعاية الانتخابية المباشرة وغير المباشرة، عبر اي وسيط من الوسائط سواء الوسائط المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو الالكترونية أو غيرها، لاي من المرشحين لرئاسة الجمهورية او لاي من راغبي الترشيح لرئاسة الجمهورية، وذلك منذ دعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية وحتى الموعد القانوني لبدء الحملة الانتخابية. وحسب التفسير الزمني لذلك فإن فترة الدعاية الانتخابية المسموح بها، تمتد من الثلاثين من ابريل وحتى منتصف ليلة الحادي والعشرين من مايو، أي قبل يومين من بدء الاقتراع على الرئاسة، اي لفترة تمتد نحو ثلاثة اسابيع فقط. وبالطبع فقد لاقى قصر فترة الدعاية الانتخابية اعتراضا من جانب كل المرشحين للمنصب لقصر المدة، في بلد به 27 محافظة تضم 220 مدينة ادارية و28 مدينة عمرانية جديدة و4641 قرية، حيث لايمكن ان تكفي المدة المتاحة لجولات المرشح في تلك الجهات الجغرافية. وتشير المادة 20 من قانون الدعاية الانتخابية 174 لسنة 2005 إلى اشكال الدعاية الانتخابية مثل الاجتماعات المحدودة والعامة والحوارات، ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية ووضع المصلقات واللافتات واستخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والالكترونية والمطبوعات وغيرها من الانشطة التي يجيزها القانون. وعلى المستوى العملي، فإنه من الصعب الالتزام بنصوص تلك المادة لان المرشحين مستمرين في جولاتهم الانتخابية، وفي اقامة السرادقات الدعائية، وتوزيع المواد الدعائية، وتستمر مواقعهم الالكترونية في الدعوة لاختيارهم. ومن غير المتصور على المستوى الاجتماعي ان نمنع اهالي قرية أو مدينة ينتمي إليها احد المرشحين من تعليق لافتات التأييد خاصة من قبل اقاربه وجيرانه ومعارفه، أو ان نمنع الاجتماعات المؤيدة للمرشحين في ربوع البلاد أو توزيع المواد الدعائية للمرشحين. ولقد فسر البعض حظر الدعاية الانتخابية تفسيرا متسعا بحيث دعا إلى الحظر التام للنشر عن المشهد الانتخابي في وسائل الإعلام، التزاما بالقانون وخشية الوقوع تحت طائلته، وساهم في ذلك التفسير ما ورد للصحف القومية لوسائل الإعلام من قرارات للجنة الانتخابات الرئاسية. إلا ان هذا الأمر غير ممكن بالمرة ولن يحدث، فهناك دور إعلامي اساسي مصاحب للعملية الانتخابية لايمكن الاستغناء عنه، وهناك حاجات اعلامية شعبية تحتاج إلى اشباع، مما يتطلب استمرار التغطية الاعلامية بأشكالها المختلفة من أخبار وصور وحوارات وتحقيقات صحفية. ولقد جاء المخرج لوسائل الإعلام من خلال قرار لجنة الانتخابات الرئاسية نفسه بشأن حظر الدعاية الانتخابية، حيث تحدث عن الدعاية بينما وسائل الإعلام تقوم بمهام اعلامية وليست دعائية، كما نص قرار لجنة الانتخابات الرئاسية إلى انه يعد دعاية انتخابية، اي عمل من شأنه حث الناخبين على اختيار شخص لرئاسة الجمهورية، او الحض على عدم انتخاب شخص لذلك المنصب، وهي أمور سوف تلتزم وسائل الإعلام بها. ومن هنا يمكن تفسير مراد قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بأنه يخص الدعاية والتي عادة ما تأخذ شكل الاعلانات في وسائل الإعلام، ولذلك على وسائل الإعلام ان تمتنع عن نشر اعلانات للمرشحين طوال فترة الحظر، حتى تبين التزامها بالقانون. رغم ان ذلك يضر اقتصاداتها في ظل الركود الاقتصادي وتراجع الاعلانات والتوزيع، وهو ما ينطبق ايضا على تضرر الأنشطة الاقتصادية التي تستفيد من طول فترة الدعاية الانتخابية من الوكالات الاعلانية وشركات الطباعة وشركات النقل والفراشة ونحوها. كذلك تستطيع وسائل الإعلام إثبات التزامها بالقانون من خلال تمسكها بنصوص المادة 21 من قانون الدعاية الانتخابية التي تلزم بعدم التعرض لحرمة الحياة الخاصة لاي من المرشحين، والالتزام بالمادة 22 بشأن تحقيق المساواة بين المرشحين في النشر. وفي ظل نصوص قانون دعاية انتخابية صدر عام 2005 وفي اجواء غير ديمقراطية، مستهدفا تضييق المجال على المرشحين للرئاسة لصالح مرشح معين، فان الظروف الحالية تقتضي تدخلا تشريعيا سريعا من جانب البرلمان لاتاحة الدعاية الانتخابية منذ بداية فتح باب الترشيح وحتى قبيل إجراء الانتخابات ولإتاحة اجواء ديمقراطية اكثر رحابة، وتحقيق منافع اقتصادية مجتمعية، وتحقيق الاحترام الشعبي لنصوص القانون دون الالتفات على تطبيق نصوصه، كما يحدث الآن في ربوع البلاد في ظل ذلك الحظر للدعاية الانتخابية. نقلا عن جريدة الأهرام