لا أدري لماذا تعاملت الإدارة المصرية بعد قيام ثورة يناير مع ملف الأموال المصرية الهاربة مع رموز النظام السابق بهذه الطريقة التي افتقدت تماما الجدية والحرص على استرداد هذه الأموال إجراءات بطيئة وتكاسل مريب وتصريحات للاستهلاك المحلي كشفت للشعب المصري أن الكارثة لم تكن فقط مع من رحلوا ولكن هناك كارثة أكبر مع من جاءوا بعدهم.. وإذا حاولت أن تقترب من هذه الملفات الشائكة اشتعلت النار حولك وطاردتك تصريحات نارية عن قدسية القضاء وعدالة المحاكمات وعدم التجاوز في حق العدالة.. بعد عام كامل من الثورة لاتوجد أدلة ولاحيثيات ولامستندات حول حجم الأموال الهاربة أو أماكنها أو وسائل استردادها.. أن الدول الأجنبية التي توجد فيها هذه الأموال لا يمكن أن تسمح بإعادتها أو حتى الكشف عنها الامن خلال أحكام قضائية نهائية.. وأمام عدالة بطيئة ومحاكمات شكلية أصبح من المستحيل الوصول إلى حقيقة هذه الأموال وفي الوقت الذي تتراجع فيه قضايا استرداد هذه الأموال أمام إهمال متعمد وتكاسل مقصود نجد من يتحدث عن فيلا هنا أو قطعة أرض هناك ونسينا الملايين المكدسة في حسابات رموز النظام السابق سواء الهاربين منهم أو المقيمين في منتجعات طرة أو الالاف من الفلول الذين يستأجرون البلطجية للقضاء على الثورة والثوار من أموال الشعب التي نهبوها.. أن الشيء الغريب حتى الآن أنه لم يصدر صك إدانة من الدولة المصرية حول الأموال الهاربة فالأجهزة الرسمية لم تقم بمحاولة للبحث عن هذه الأموال أو تحديد حجمها أو حجم التحويلات التي تمت خلال الأسابيع الأولى لقيام الثورة وهي مؤشرات ضرورية ليس من الصعب الوقوف عليها.. كان ينبغي أن ترصد أجهزة الدولة حركة المعاملات في حسابات رموز النظام السابق في البنوك طوال أيام الثورة وما بعدها ولكن هناك عملية تستر مقصودة حول هذه الإجراءات.. وعلى جانب أخر فإن محاكمات الكسب غير المشروع لم تحسم قضية واحدة مع أكثر من 40 شخصا في منتجعات طرة لم تكشف الأوراق الرسمية حتى الآن حقيقة ممتلكاتهم الفعلية.. وفي الوقت الذي تجاهلت فيه أجهزة الدولة أموال الشعب الهاربة نجد أحاديث لا تنتهي عن الخراب الاقتصادي والإفلاس الذي ينتظر الشعب المصري.. نجد عشرات الملفات أمامنا عن الاقتصاد الذي ينهار بسبب الثورة وشبابها بينما تتوارى تماما قضايا الأموال الهاربة رغم أن أصحابها مازالوا بين أيدينا ويمكن الرجوع إليهم وكشف حقائق مالديهم.. وبدلا من أن نهين أنفسنا أمام صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للحصول على قرض فإن أمامنا أكثر من ألف شخص من أثرياء العهد البائد لديهم ألاف الملايين التي حصلوا عليها دون وجه حق من دماء هذا الشعب يمكن أن تعيد التوازن لحياة أكثر من 85 مليون مواطن.. في الوقت الذي أخفت فيه أجهزة الدولة المصرية عن قصد كل ملفات الأموال الهاربة خرجت من القاهرة تصريحات رهيبة للسيدة كاترين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي أثناء زيارتها لمصر وتصدرت وسائل الإعلام العالمية.. حيث قدمت السيدة اشتون في تصريحاتها شهادة رهيبة ضد النظام السابق هي بكل المقاييس أخطر ما صدر عن جهة أجنبية منذ قيام الثورة: قالت السيدة اشتون: أن ثروة مصر تكفي لمساعدة ربع دول أوروبا وان مصر كانت قادرة على أن تكون الآن بمواردها في مقدمة الدول الغنية على مستوى العالم.. أن نظام مبارك سرق من المصريين 5 تريليون دولار وهذا المبلغ كان يكفي لظهور 90 مليون مليونير كبير في مصر.. أن ما تعرضت له مصر من الخراب والدمار الاقتصادي يفوق الخيال في الاحتيال والسرقات وتجريف الثروات المادية والطبيعية لهذا الوطن.. أن الفايكنج تقصد قراصنة أوروبا وهم أشرس الغزاة الذين شهدهم التاريخ البشري في أوروبا لم يفعلوا فيها ما فعله نظام مبارك في المصريين.. لم تتوقف أي جهة مسئولة في مصر حول تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي ولم يطلب أحد منها موقفا عادلا من دول الاتحاد لإعادة أموال المصريين الهاربة.. أن هذه الوزيرة المسئولة بكل تاريخها السياسي تضع أرقاما لعمليات النهب التي قدرتها بمبلغ 5 تريليون دولار أي 30 تريليون جنيه مصري وأرجوا من أحد رجال الاقتصاد أن يقول لنا نصيب كل مواطن مصري من هذه التريليونات خاصة أن الوزيرة الأوروبية تؤكد أن هذا المبلغ كان يكفي لظهور 90 مليون مليونير مصري أي بزيادة 5 ملايين مليونير عن عدد سكان مصر.. بمعنى أن سكان العشوائيات الذين يبلغ عددهم 12 مليونا كان من الممكن الآن أن يكونوا من مليونيرات العالم العربي ولديهم القصور والفيلات وروبما الطائرات ولا يتسولون في الدويقة وكفر عسكر ومقابر البساتين ومنتجعات الخنازير.. هذه التقديرات الدولية عن ثروة مصر الهاربة والضائعة مع عصابة النظام السابق ورموز عهده من اللصوص تضع أمامنا أكثر من سؤال عن ديون مصر التي تركها هذا النظام وقد تجاوزت تريليون و250 مليار جنيه في أقل من عشرين عاما.. والسؤال أين ذهبت هذه الديون بل أين ذهبت موارد مصر التي تحدثت عنها الوزيرة الأوروبية.. أين ذهبت موارد قناة السويس وتبلغ أكثر من 50 مليار دولار أي 300 مليار جنيه و100 مليار دولار من السياحة أي 600 مليار جنيه.. و50 مليار دولار أي 300 مليار جنيه من تحويلات المصريين في الخارج.. و100 مليار دولار أي 600 مليار جنيه من البترول و100 مليار دولار من حرب الخليج أي 600 مليار جنيه و100 مليار دولار معونات خارجية أي 600 مليار جنيه وإذا أضفنا لذلك كله أكثر من 2 مليون فدان من الاراضي الزراعية الخصبة تحولت إلى عقارات ومباني تزيد قيمتها على 800 مليار جنيه وأكثر من 3 ملايين فدان تم توزيعها على المحاسيب والأسرة الحاكمة ولصوص النظام تزيد قيمتها على ألف مليار جنيه ومع هذا كله أموال الخصخصة وكان مقدرا لها حسب ما ذكر البنك الدولي 500 مليار جنيه لو أننا وضعنا هذه الأرقام في جدول للسرقات لاكتشفنا أن تصريحات السيدة أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كانت تؤكد حقيقة نهب هذا البلد خلال ثلاثين عاما في ظل عصابة فاسدة ونظام حكم مشبوه.. والآن وأمام هذه الأرقام المخيفة ماذا يفعل المصريون أمام هذا التاريخ الأسود.. أننا للأسف الشديد غارقون طوال عام كامل أمام أشياء مضحكة وأرقام هزيلة ومحاكمات صورية عن فيلا في شرم الشيخ أو قطعة أرض في التجمع الخامس أو شاليه في مارينا وتجاهلنا عن قصد هذه البلايين التي تنام الآن هانئة في حسابات رموز النظام السابق ونصف الشعب المصري تجاوز حد الفقر ويعيش في العشوائيات ولا يجد علاجا أو تعليما أو أمنا واستقرارا في وطنه.. لا أحد يعرف ما هي نهاية المحاكمات سواء أدانت أم برأت وهذه قضية في تقديري ليست الأهم لأننا الآن أمام شعب يتعرض لكارثة اقتصادية ويستطيع إذا صدقت النوايا وأخلصت أجهزة الحكم أن يسترد هذه الأموال ويعيد بناء وطن خربته هذه النفوس الضعيفة بالنهب والسرقات.. وهنا أتساءل من كان الأولى بمبادرة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر والشيخ محمد حسان لجمع التبرعات من المصريين الغلابة رجال الأعمال أم رجال الدين.. وأين كان أثرياء مصر من فلول النظام السابق طوال عام كامل وهم يشاهدون مواكب الفقر تجتاح وطنا بالكامل وأين كانت أجهزة الدولة وهذه الفلول تستأجر البلطجية لمطاردة الثوار وإجهاض الثورة وإسقاط الدولة وإذا كانت الوزيرة الأوروبية قد قرأت حجم هذه الكارثة فأين المسئولين في هذا الوطن.. هل من المنطق والعدل أن يعاني المصريون كل هذه الأزمات بينما ينعم اللصوص بما نهبوا من أموال هذا الشعب.. إذا انتظرنا العدالة من القضاء فلا أحد يعلم متى ستجيء هذه العدالة وإذا انتظرنا الدول الأوروبية فهي حريصة على بقاء هذه الأموال في بنوكها رغم أنها تعلم أنها أموال منهوبة.. لن تقبل دولة من هذه الدول أو بنك من بنوكها أن يكشف عن حسابات وأرصدة رموز العهد البائد وهي بالاف الملايين ولا يعقل أن أي بنك في العالم يمكن أن يقوم بتحويل مليار دولار بين يديه رغم أنه يعلم أنها في حساب لص من اللصوص.. كلنا يعلم أن هذه البنوك تواطأت مع لصوص الدول النامية من الحكام وأتباعهم بل أن هذه البنوك كانت شريكا في إخفاء هذه الأموال ونهبها أمام العالم كله.. والآن نحن أمام قضاء ربما تأخرت إجراءات العدالة فيه لأسباب كثيرة وأمام إدارة مصرية يبدو أنها غير جادة بما يكفي في استعادة هذه الأموال.. وأمام دول أجنبية تحاول أن تماطل لأنها في حاجة لهذه الأموال على أرضها.. وأمام بنوك أجنبية احترفت هذا النوع من السرقة والتحايل مع الدول النامية ورغم هذه المحاذير إلا أن أمامنا طريق واحد يمكن اللجوء إليه في هذه المهمة الصعبة يساعدنا على ذلك أن العدد الأكبر من لصوص العهد البائد مازالوا بين أيدينا وحتى الهاربين منهم نترك شأنهم للجاليات المصرية في الخارج يطاردونهم في البنوك والمحاكم والأعمال.. وهنا اقترح: أولا: تحديد أسماء رموز النظام السابق من الأثرياء الذين حصلوا على مساحات رهيبة من الأراضي وتاجروا فيها وأقاموا المنتجعات وباعوها بالاف الملايين في صورة تقسيمات ومنتجعات ومنشآت والتفاوض معهم حول استرداد حق الشعب.. ثانيا: تحديد المشروعات التي تم بيعها في برامج الخصخصة بما في ذلك المصانع والوحدات الإنتاجية وشركات الخدمات والبنوك والعقارات وكشف التجاوزات في هذه الصفقات ومحاولة استرداد حق المواطن المصري.. ثالثا: التفاوض مع مجموعة سكان منتجعات طرة وهم وحدهم يملكون نصف ديون مصر والسعي لاسترداد مال الشعب.. رابعا: فتح صفحة للتفاهم مع الرئيس السابق وأسرته وأصهاره الذين جمعوا الاف الملايين طوال عهده وطرح حلول عملية لاسترداد الأموال بعيدا عن المحاكم والإجراءات القانونية التي قد تطول. خامسا: إذا استحالت كل هذه الإجراءات فلا مانع أبدا من استخدام أساليب تقليدية تعرفها أجهزة الأمن لإعادة هذه الأموال المنهوبة.. .. ويبقى الشعر ماذا أقول أمام نورك سيدي وبأي وجه تحتفي كلماتي بالعدل.. بالإيمان.. بالهمم التي شيدتها في حكمة وثبات ؟ أم بالرجال الصامدين علي الهدي بالحق.. والأخلاق.. والصلوات ؟ أم إنه زهد القلوب وسعيها لله دون مغانم وهبات ؟ أم أنه صدق العقيدة عندما تعلو النفوس سماحة النيات ؟ أم أنه الإنسان حين يحيطه نبل الجلال وعفة الغايات؟ أم انه حب الشهادة عندما يخبو بريق المال والشهوات ؟ أم أنه زهد الرجال إذا علت فينا النفوس علي ندا الحاجات ؟ أم إنه العزم الجليل وقد مضي فوق الضلال وخسة الرغبات ؟ بل إنه القرآن وحي محمد ودليلنا في كل عصر آت.. يا سيد الدنيا.. وتاج ضميرها أشفع لنا في ساحة العثرات أنا يا حبيب الله ضاق بي المدي وتعثرت في رهبة نبضاتي وصفوك قبلي فوق كل صفات نور الضمير وفجر كل حياة بشر ولكن في الضمير ترفع فاق الوجود.. وفاق أي صفات وصفوك قبلي فانزوت أبياتي وخجلت من شعري ومن كلماتي ماذا أقول أمام بابك سيدي سكت الكلام وفاض في عبراتي يارب فلتجعل نهاية رحلتي عند الحبيب وأن يراه رفاتي يوما حلمت بأن أراه حقيقة ياليتني القاه عند مماتي.. "من قصيدة على باب المصطفى 2010" نقلا عن جريدة الأهرام