مصر التي قلبت موازين العالم في 6 أكتوبر 1973، هي مصر التي أدهشت الدنيا بثورتها في 25 يناير 1102 قدر رجال القوات المسلحة تحمل المسئولية والأمانة في هذه اللحظات من تاريخ مصر، من عبروا بمصر من الهزيمة إلى الانتصار واسترداد الأرض. ومن الذل والمهانة إلى الكرامة والعزة. ومن الانكسار ومرارته إلى أمة تزهو بالافتخار تاجا على رؤوس أبنائها. قادرون على العبور بمصر اليوم إلى الدولة الجديدة "حرية.. كرامة.. عدالة.. أمن وسلام.. ديمقراطية.." تطور علمي وصناعي ونهضة اقتصادية.. قادرون أن يعبروا بها إلى دولة قوية قادرة على الساحة الإقليمية والدولية. في 6 أكتوبر 1973 كان تلاحم الشعب والجيش وأمة امتلكت إرادتها المصممة على الحياة بكرامة وتحرير الأرض.. فكتب الله النصر لجيش مصر العظيم.. قدم أبناؤه أرواحهم الطاهرة فداء الوطن. وحرروا سيناء من دنس الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة يونيو 7691 كانت أياما قاسية بعد الهزيمة، خيم على صدورنا الإحساس بالإهانة وجرح الكبرياء. ولكن الصفحات المضيئة في تاريخ الأمم يسطرها الرجال الأقوياء الشجعان وإرادة الشعوب الأبية. فكان قرار الرئيس الراحل أنور السادات بخوض حرب الكرامة والتحرير. ووقف شعب مصر بكل طوائفه وفئاته على قلب رجل واحد خلف أبنائه بالقوات المسلحة - قادة وضباطا وجنودا - ليسطروا أنصع صفحات تاريخ مصر الحديث التي قلبت الموازين العسكرية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم. حمل رجال قواتنا المسلحة أرواحهم على أكفهم.. إما النصر أو الشهادة.. فلم يفكروا للحظة ولم يفكر الشعب وراءهم إلا في شيء واحد.. أن مصر تستحق منا التضحية بالدماء. وأن الشهادة من أجل وطن حر أحب إلى النفس من العيش في الذل لوطن محتل. فكتبوا بدمائهم أروع صفحات النصر والفخار. ارتعدت إسرائيل وتوالت بها الهزائم بعد قهر جيشها في الساعات الأربع الأولي من معارك القتال على رمال سيناء الطاهرة بعد عبور جيشنا إلى الضفة الشرقية للقناة. تعالت هتافات النصر في أيامنا المجيدة. وتعالت صرخات النجدة الإسرائيلية في أيامها السوداء. فكانت أمريكا رهن الإشارة كعادتها دائما لنجدة إسرائيل من أي مأزق. فكان جسر الإمداد الأمريكي لإسرائيل بكل أنواع السلاح إلى أرض المعارك مباشرة في سيناء. ولتبدأ بعد ذلك بحنكة الراحل أنور السادات معركة مصر الدبلوماسية لتحرير باقي الارض. منذ هذه الأيام المجيدة.. قدم الجيش المصري دروسا للعالم في الاستراتيجيات وفنون القتال تدرس بالأكاديميات العسكرية.. وأدرك العالم أن تاريخ جيشنا لم يقف عند انتصارات تحتمس ورمسيس من آلاف السنين. وأن المصريين لم يخفت وهجهم وإبداعهم المتواصل منذ عطاء الحضارة المصرية للبشرية منذ فجر التاريخ.
وفي 25 يناير كانت ثورة شباب مصر، التف حولها الشعب وحمتها قواته المسلحة التي تحملت إدارة أمور البلاد في لحظات حرجة فارقة في تاريخها، تحمل قادتها في المجلس العسكري أمانة المسئولية لفترة انتقالية يعبرون بها إلى بر الأمان والاستقرار، بتسليم البلد إلى قيادة يختارها الشعب لأول مرة في تاريخه. للانطلاق إلى دولة مدنية حديثة.. ترسي الديمقراطية الحقيقية منهاجا لها.. ويتمتع فيها الشعب بالحرية والحياة الكريمة واقعا ملموسا. العبور الجديد يتلهف عليه الشعب اليوم في ظل وضع راهن يحيطه خوف على أهداف ثورة قد تضل الطريق.. وطن قد يضيع بتأثير مجهول لمؤامرات تحاك به. وطن كل أبنائه ينشدون للثورة النجاح وللوطن التقدم والازدهار. ولكن حسن النية ببعض الجدل والسلوكيات التي تمارسها بعض القوى السياسية قد تؤدي إلى غير ما نصبو إليه. وعدم الحذر من أياد خفية قد يجعل المطالب الفئوية سببا في انحراف المسار. فليس من المنطق أن نغمض العين عن حالة الاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وليس من قبيل الصدفة أن تتلازم وتتواكب الاعتصامات وتتواصل الاضرابات الفئوية كما هو الحال. فما نكاد نصل إلى حل بفض اعتصام العاملين بقناة السويس، حتى تبدأ اضرابات النقل العام.. وفي يوم الاتفاق مع العاملين على استئناف العمل، نفاجأ باضراب العاملين بمطار القاهرة.. وكذا الحال باستمرار مظاهرات عمال المصانع والشركات ووزارات وهيئات الخدمات.. الثورة لم تحدث لحل مشكلة فرد أو فئة ولكن لتغيير شامل لمجتمع بأكمله. والتغيير المنشود للأفضل يحتاج إلى الوقت والموارد وتحديد الأولويات. كل فئات المجتمع تعاني والفساد ضارب في الجذور ونقص الخدمات وضعف المرتبات والدخول كلها قضايا مهمة لا ينكرها أحد. وليست غائبة عن ذهن الجميع حكاما ومحكومين. ولكن ألا يحتاج ذلك إلى تدبير الأموال؟! وكيف نوفرها دون انتاج واستثمار وسياحة وفرص عمل جديدة. وهي الطامة الكبرى.. فإذا كانت كل هذه الاحتجاجات والوقفات من أجل تحسين المرتبات وأوضاع المعيشة. فكيف سيكون حال ملايين العاطلين الصامتين؟! لا يمكن أن تكون محاولات نهش مصر من طبقات كادحة في وقفات تلقائية احتجاجا على أوضاعهم. لابد من وجود أصابع خفية وعقول مدبرة تستغل معاناة الناس وحسن نيتهم في اشعال الاعتصامات. وهو ما يجب أن نحذر منه جميعا.. وأن ننتبه أن الأسوأ وارد باللعب على وتر الفتنة الطائفية لأتفه الأسباب. ومحاولة ضرب شعار الثورة "الشعب والجيش إيد واحدة" وهز الثقة وإضعاف عزيمة وإرادة الشعب في مساندة قواته المسلحة وقادتها أعضاء المجلس العسكري. لم تكن لثورة شباب مصر أن تنجح لولا مساندة الشعب وحماية الجيش. وهو الأمر الذي لا يقبل المزايدة من بعض شخصيات الأحزاب والتيارات والقوى السياسية. والتي انشغلت طوال الشهور الماضية بقضايا لا يمكن الوصول إلى الحلول المثلى لها. في ظل اختلاف التوجهات وتعارض الأهداف أو المصالح. فالاصلاح السياسي الشامل سوف يستغرق سنوات. والقوانين والدساتير كما قلت الأسبوع الماضي ليست كتبا سماوية مقدسة. ولكنها تخضع للتعديل والتغيير. وما يهمنا الآن أن نعبر المرحلة الانتقالية الحرجة إلى الأمان وأن نتخلص من عادة التشكيك وافتراض سوء النية. ولتكن لدينا القناعة بصدق نوايا الجميع. فالحكومة التي جاء أعضاؤها من صفوف ثوار ميدان التحرير. والمجلس العسكري الذي لبى أعضاؤه نداء الشباب والشعب وانحازوا للمطالب الشرعية للثورة لا ناقة لهم ولا جمل، ويشاركون الجميع هدف الانطلاق بمصر الثورة إلى الدولة الجديدة العصرية. من يتولى المسئولية بشر يخطئ ويصيب ومن له مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية حق ينشده الجميع. ولكن في إطار من الثقة المتبادلة ووضع مصلحة مصر فوق كل اعتبار. فماذا يبقي إذا وصلنا إلى حافة الانهيار بافلاس مصر، التي تنفق من الاحتياطي النقدي المتناقص يوما بعد يوم؟!. لن تنفعنا لحظتها، انتخابات برلمانية أو رئاسية.. بالقائمة أو فردية.. دستور قبل رئاسية أو بعدها.. دائم أو مؤقت. ولن يجد المطالبون باصلاح أوضاعهم قوت يومهم. وتدخل مصر في النفق المظلم الذي يريده أعداؤها. ظل مبارك ووزراؤه 30 عاما يقولون حققنا العبور الثاني إلى التطور والتنمية. بينما الواقع الملموس للمواطن المصري أننا عدنا 50 عاما إلى الوراء. وكل هذا يؤكد حاجتنا اليوم لتلاحم الشعب مع قواته المسلحة التي أصبح قدرها أن تعبر بنا من المأزق الراهن في المرحلة الانتقالية.. بوادر الاطمئنان تدعونا للتفاؤل الكبير مع بدء جولات المشير حسين طنطاوي الميدانية وافتتاح مشروعات خدمية. ومع تلاحم الشعب في احتفالات مصر بنصر أكتوبر وهتاف الجماهير بميدان التحرير بإرادة قوية صادقة "الشعب والجيش إيد واحدة" فقد كان شباب الثورة يقظا لتفويت الفرصة على بعض أصحاب الدعوات الخبيثة لتنظيم مليونية احتجاجية في 6 أكتوبر يوم مصر المجيد. نقلا عن جريدة أخبار اليوم