محافظ الأقصر يعلن إطلاق مبادرة وزارة الأوقاف "صحح مفاهيمك".. الأحد المقبل    مجلس الوزراء يكرم الأمين العام السابق للمجلس ويهنئ علاء قاسم بتوليه المسئولية    الأعلى للإعلام يستدعي مسئولي صفحات خالد الغندور وأبو المعاطي زكي وبدرية طلبة    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء جامعة خاصة بمدينة سوهاج الجديدة    ندوة عن مياه النيل والتحديات المعاصرة بالحزب العربي الناصرى غدا    محافظ بني سويف يواصل جولاته لمتابعة جاهزية المدارس للعام الدراسي الجديد    غلق وتشميع 18 منشأة مخالفة في دمياط الجديدة (صور)    المفوضية الأوروبية تدرج بن غفير وسموتيرش في قوائم العقوبات الأوروبية    الإصابة تبعد أرنولد عن مباريات مهمة ل ريال مدريد، تعرف عليها    وفاة اللواء حسن السوهاجي رئيس مصلحة السجون الأسبق    لعدم حضور الدفاع.. تأجيل محاكمة طفل المرور وآخرين بتهمة البلطجة    تأجيل محاكمة 32 متهما بخلية الهرم الجديدة    دار الإفتاء تشارك في تدريب قضاة شرعيين من ماليزيا    صوت هند رجب يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد فوزه بالأسد الفضي في فينيسيا    النظام الغذائي الصارم يكشف الفارق بين عقلية محمد صلاح وإمام عاشور (فيديو)    المفوضية الأوروبية تقترح فرض عقوبات واسعة النطاق على إسرائيل    ڤاليو تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقاً باستخدام رخصة التكنولوجيا المالية عبر منصة نون    "أسماء بارزة من البريميرليج".. قائمة مختصرة لخليفة روبن أموريم في مانشستر يونايتد    ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة أرنولد    أسباب استبعاد أورس فيشر من قائمة المرشحين لتدريب الأهلي    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    مدبولي: موقف الدولة المصرية الثابت حيال أوضاع المنطقة عبر عنه الرئيس في القمة العربية الإسلامية    النائب أيمن محسب: العملية العسكرية الإسرائيلية فى غزة جريمة حرب مكتملة    تأجيل أولى جلسات محاكمة ميدو بتهمة سب وقذف الحكم محمود البنا    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    صفقة "إنقاذ" تيك توك تتضح: مستثمرون أمريكيون يسيطرون على 80% من المنصة    أسطول الصمود المغاربي: 12 سفينة انطلقت من تونس إلى غزة من أصل 23    الملك تشارلز يصطحب ترامب فى جولة فى قصر وندسور بعربة ملكية.. صور    صفحة وزارة الأوقاف تحيى ذكرى ميلاد رائد التلاوة الشيخ محمود خليل الحصرى    فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى يشهد الظهور الأخير للفنان سليمان عيد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    سكرتير مجلس الأمن الروسي يؤكد استعداد بلاده لإرسال أسلحة حديثة ومعدات عسكرية إلى العراق    نائب وزير الصحة: 20% من المواليد حمل غير مخطط ونسعى لخفض الولادات القيصرية    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    «سكك حديد مصر» تتعاقد مع «APD» الكندية لإعادة تأهيل 180 جرارًا    أكثر من 1648 منشأ حماية من السيول تم تنفيذها.. «التنمية المحلية» تستعد لموسم الأمطار والسيول خلال عام 2025-2026    محافظ شمال سيناء يفتتح مهرجان الهجن بالعريش    محافظ الإسكندرية وسفيرة الولايات المتحدة يبحثان تعزيز التعاون في قطاع النقل البحري    مدبولي: الحكومة ماضية في نهج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    عالم أزهري يكشف لماذا تأخر دفن النبي بعد موته وماذا جرى بين الصحابة وقت ذلك    خلال تصوير برنامجها.. ندى بسيوني توثق لحظة رفع علم فلسطين في هولندا    "عليهم أن يكونوا رجالًا".. هاني رمزي يفتح النار على لاعبي الأهلي عقب تراجع النتائج    الأكاديمية العربية تختتم فعاليات ريادة الأعمال بفرعها الجديد في مدينة العلمين    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    بايرن ميونخ يتأهب للحفاظ على رقم مميز ضد تشيلسي في دوري أبطال أوروبا    «عبداللطيف» يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك في مجالي التعليم العام والفني    وزارة الشباب والرياضة تستقبل بعثة ناشئات السلة بعد التتويج التاريخي ببطولة الأفروباسكت    بإطلالة جريئة.. هيفاء وهبي تخطف الأنظار في أحدث ظهور.. شاهد    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    «تتغلبوا ماشي».. مراد مكرم يوجه رسالة إلى إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عمّار علي حسن: صحوة الأزهر... خطوة طال انتظارها
نشر في أخبار مصر يوم 30 - 09 - 2011

كان الأزهر نائماً واستصرخناه ليستيقظ. كان تائهاً وبحثنا عنه طويلاً ليعود. كان مستكيناً في زاوية النسيان، فاتحاً ذراعيه لأي عابر وكأنه تكية طال زمانها واتسعت أبوابها فباتت مقصداً لكل الدراويش، بينما هجرها العلماء، إلا ما ندر.
كان الأزهر دوار شمس، أينما تسير السلطة يسير، إن اتجهت يميناً فهو معها، وإن سارت في الطريق المقابل أسرع الخطى ليواكبها. الأزهر مطبعة لإصدار بيانات رخيصة، تبرر الاستبداد، وتتواطأ في الفساد، وإن قيل له "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" قال: صُمت أذني وكف بصري، فلا شيء يعنيني، ولا كلام يضنيني.
الأزهر كان صفراً على الشمال. قشة في مهب الريح. كان صرحاً من علم وأدب، من فقه وفكر، فهوى في جحيم السلطة، ونار المطامع العابرة، فركب ظهره عيال حفظوا سطوراً من الكتب الصفراء، وراحوا يرددونها كالببغاوات، رواية لا دراية، وحفظاً من غير فهم، وتبديداً لا تجديداً. وراح هؤلاء الحفظة يتيهون على الناس بصفحاتهم القديمة، ويشككون في الأزهر، ويقولون: خرج من التاريخ، بينما أتباعهم من صغار العقول والنفوس يقولون عنهم: هؤلاء هم العلماء.
أحد هؤلاء كان يعيش في قريتي، ذهب ذات مرة إلى القاهرة، حاملًا في جيبه مبلغاً جيداً من المال جمعه من "التجارة بالدين" وعاد مستبدلًا النقود بحمل بعير من الكتب القديمة. صنع لها دولاباً في بيته. حفظ الفهارس، وبعض سطور كان يزين بها خطبه الزاعقة الناعقة التي لا تغادر سقماً. وكان كلما قلت له الأزهر، قهقه حتى كاد يسقط على قفاه، وهو يشير إلى الدولاب، ويقول: أزهر، أي أزهر، هذا هو الأزهر، هنا في بيتي.
كان هذا الرجل كغيره من الذين استضعفوا الأزهر واستهانوا به، واستخفوا بمكانته، واستبدلوه بفقهاء البادية، الذين ترعى الريح في رؤوسهم، ويقولون ما لا يفعلون. باعوا الأزهر بحفنة من كلام مسجوع مرقوع، لا يستجيب لحاجة ولا يسد نقصاً. كلام لا ينتمي إلى زماننا، ولا يفيد ديننا العظيم، الصالح لكل زمان ومكان. كلام يتقدس به رجال من الزمن الغابر، وما لهم في الإسلام من قداسة.
كل هذا كان يتم بينما الأزهر يغط في سبات عميق، وشخيره يصل إلى أسماع أرباع الفقهاء، بل أثمانهم، فتجلجل ضحكاتهم في الصحاري المفتوحة على الغلظة والجلافة والغطرسة، أو في الوديان الخضر فتسقط لها الأزاهير والرياحين وتهرب الفراشات. ينحنون على الأرض فليتقطون أحجاراً وحصى يقذفون بها الأزهر، ولا تأخذهم به شفقة ولا رأفة، ولا يعملون فيه تلك النصيحة الغالية: ارحموا عزيز قوم ذل.
الآن الأزهر يحاول أن يستيقظ، يتمطى في سريره التاريخي ويجلس على مهل استعداداً للوقوف. فها هو يرمي بسهم في الجدل الدائر حول وضع قواعد البيت المصري الجديد، وها هو يسعى إلى أن يقطع الطريق على أدعياء الفقه وتجار الدين، وكأن شيخه، الفيلسوف الفقيه والفقيه الفيلسوف، يكفر عن سيئات انضمامه إلى "الحزب الوطني" الفاسد البائد، والسلطة الغادرة الفاجرة، التي نهبت أموال الناس وقهرتهم سنين، وكأنه يريد أن يغسل يديه، ويطهر قلبه من رجس الصمت والسكوت على ما كان يجري، وكأنه يريد أن يمحي استئذانه ذات يوم للانصراف من الهيئة العليا للحزب الحاكم المستحكم بعد أن تم تعيين فضيلته شيخاً للأزهر، جامعاً وجامعة.
الآن يستيقظ الأزهر، وهذا كلام لا مجاملة فيه، فحين يشرف شاب من خيرة العلماء هو الدكتور أسامة الأزهر صاحب السفر الرائع "أسانيد المصريين" على سلسلة تخرج عن الأزهر وتستهدف الشباب وغيرهم ليقفوا على صحيح الدين، فهذا معناه أن هناك خطوة أزهرية في الطريق السليم. فقد جاءني قبل أيام الباحث النابه الأستاذ حسين الشطوري، ومعه بعض من مطبوعات هذه السلسلة، فراق لي منظرها ومخبرها، ورأيت فيها وسيلة مهمة ليمارس الأزهر دوره في دعوة الناس إلى العبادة ومكارم الأخلاق، من أجل روح ممتلئة بحب الله، ومعاملة متوافقة مع روح الإسلام ونهجه.
نريد الأزهر أن يؤدي دوره، وأن يحمل على أكتافه العبء الثقيل الذي نلقيه عليه، وأن يلبي طموحاتنا التي طالما راودتنا، ويحقق آمالنا التي داعبتنا طويلًا، في أن تكون في بلادنا مؤسسة دينية وسطية معتدلة، تجعل من التفكير المتواصل فريضة، ومن الاجتهاد الدائم فرض عين، ومن التجديد المستمر وسيلة مثلى لتحقيق ما يصبو إليه الناس في دينهم، وما يرجونه من عقيدتهم.
إن الأزهر لن يستعيد دوره إلا إذا استقل عن السلطة، وهذا الاستقلال لن يتم إلا بقانون جديد يلغي ذلك المعمول به الآن، والذي ألحقه بالسلطان، وجعله مطية لأهوائه ونزواته، إلا قليلاً. ولن يستعيد الأزهر دوره إلا إذا استحضر مصداقيته التي جرحت في العقود الأخيرة، فيثق به الناس، ويقصدونه في طلب العلم والمعرفة والفتوى. ولن يستعيد الأزهر دوره إلا إذا غيَّر الكثير من مناهج الدراسات الدينية، فجددها وربطها أكثر بعصرنا الذي نحيا فيه. ولن يستعيد الأزهر دوره إلا إذا أعطى كل ذي حق حقه من بين علمائه، فيرفع المجتهدين المجددين منهم، ويأخذ بيد التقليديين ويحثهم على الدراية قبل الرواية، ويفتح الأفق أمام الطلاب ليتزودوا من الآراء المستنيرة، والتصورات الحديثة المرتبطة بدراسة الدين، من كافة جوانبه، وليس فقط حبسه في كتب بشرية عتيقة، مكان الكثير منها المتحف إلى جانب الفأس البرونزية والنورج.
نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.