السكة الحديد: إنهاء خدمة مشرف قطار لتغيبه عن العمل وتعطيل القطار نصف ساعة بالمنوفية    الحوثي: نسعى لدراسة خيارات تصعيدية بسبب المأساة في غزة    ويتكوف: رد حماس يظهر عدم رغبة في التوصل لوقف في إطلاق النار    روسيا تنظر إلى إعلان الكنيست بسط السيادة على الضفة الغربية على أنه سلبي للغاية    الزمالك يواصل تدريباته في معسكره المغلق استعدادا للموسم الجديد    بايرن ميونخ يجهز عرضا جديد من أجل دياز    أشرف نصار يجتمع بلاعبي البنك الأهلي في معسكر برج العرب    لهيب الحرائق يلاحق أرواح المصريين.. 400 حادث كل 3 أيام (تحقيق مدفوع بالبيانات)    إشغالات 100% هروبا من الحر الشديد.. إقبال كثيف من المصطافين على شواطئ الإسكندرية    مصرع شخصين إثر حادث تصادم أعلى الطريق الإقليمي في الشرقية    كورال أطفال بورسعيد يحيي ذكرى ثورة يوليو ضمن فعاليات معرض الكتاب الثامن    «الشاطر» يواصل صدارة شباك التذاكر.. و«أحمد وأحمد» يلاحقه    اجتماع موسع بمستشفيات قنا الجامعية لبحث تعزيز الجودة ومكافحة العدوى    "كان نفسي أقرأ في المصحف".. سيدة أسوانية تودع الأمية في ال 76 من عمرها    الزيارة الثانية خلال يوليو.. الباخرة السياحية "AROYA" ترسو بميناء الإسكندرية -صور    وزير البترول : إرسال طائرتى هليكوبتر من مصر لقبرص لإخماد حرائق غابات ليماسول    "ابن أصول".. الغندور يعلق على رحيل مصطفى شلبي عن الزمالك    وفاة المصارع الأمريكي هوجان    أبو تريكة قدوتي.. أول تعليق لإبراهيم عادل بعد انضمامه للجزيرة الإماراتي    جمال الكشكى: دعوة الوطنية للانتخابات تعكس استقرار الدولة وجدية مؤسساتها    موعد انطلاق المرحلة الأولى من تنسيق الجامعات 2025    "المشاط" تدعو الشركات السويسرية لاستكشاف الإصلاحات وزيادة استثماراتها في مصر    الداخلية تضبط 599 قائد دراجة نارية خالفوا ارتداء الخوذة    الأمن يضبط 4 ملايين جنيه من تجار العملة    أول صورة للزوجة ضحية الميراث في الفيوم.. شقيق ينهي حياة أخيه وزوجته    قالت إن "زوجته وُلدت رجلا وستموت رجلا".. ماكرون يقاضي ناشطة أمريكية    إعلام فلسطيني: استشهاد 19 ألف طفل خلال الحرب على قطاع غزة    منة عرفة تتألق بعدة إطلالات جريئة في المالديف    بعد فتحها مجانًا.. إقبال على المواقع الأثرية في عيد الإسكندرية (صور)    "لوك كاجوال".. بشرى بإطلالة شاطئية جريئة ومبهجة عبر انستجرام    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    ما كفارة التهرب من دفع تذكرة القطار أو المترو؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يحاسب الإنسان على المحتوى المنشور على السوشيال ميديا؟ أمين الفتوى يجيب    الرئيس الإيراني: نواجه أزمة مياه خانقة في طهران    "الصحة" تتخذ خطوات للحد من التكدس في المستشفيات    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي ال17 لمناظير المخ والعمود الفقري (INC 2025)    لعلاج الأرق- تناول هذه العصائر قبل النوم    «خطافة رجالة».. غفران تكشف كواليس مشاركتها في مسلسل فات الميعاد    مصرع شخصين فى تصادم سيارة ودراجة بخارية بالشرقية    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: «التأمين الصحى» تبحث تطبيق المنظومة.. و40 طريقة صوفية تحيي الليلة الختامية ل«المرسى أبوالعباس»    «هجرة» و«ملكة القطن» و«رقية».. ثلاثة أفلام عربية تشارك في مهرجان فينيسيا السينمائي بدورته ال82    رفع 50 طن نواتج تطهير من ترع صنصفط والحامول بمنوف    شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    تشغيل كامل لمجمع مواقف بني سويف الجديد أسفل محور عدلي منصور    وزيرة التضامن تثمن جهود النيابة العامة وزياراتها لدور الرعاية بالجمهورية    وزير الخارجية والهجرة يلتقي رئيس جمهورية مالي ويسلم رسالة خطية من فخامة رئيس الجمهورية    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    أمين الفتوى: لا يجوز التصرف في اللقطة المحرّمة.. وتسليمها للجهات المختصة واجب شرعي    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عمّار علي حسن: صحوة الأزهر... خطوة طال انتظارها
نشر في أخبار مصر يوم 30 - 09 - 2011

كان الأزهر نائماً واستصرخناه ليستيقظ. كان تائهاً وبحثنا عنه طويلاً ليعود. كان مستكيناً في زاوية النسيان، فاتحاً ذراعيه لأي عابر وكأنه تكية طال زمانها واتسعت أبوابها فباتت مقصداً لكل الدراويش، بينما هجرها العلماء، إلا ما ندر.
كان الأزهر دوار شمس، أينما تسير السلطة يسير، إن اتجهت يميناً فهو معها، وإن سارت في الطريق المقابل أسرع الخطى ليواكبها. الأزهر مطبعة لإصدار بيانات رخيصة، تبرر الاستبداد، وتتواطأ في الفساد، وإن قيل له "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" قال: صُمت أذني وكف بصري، فلا شيء يعنيني، ولا كلام يضنيني.
الأزهر كان صفراً على الشمال. قشة في مهب الريح. كان صرحاً من علم وأدب، من فقه وفكر، فهوى في جحيم السلطة، ونار المطامع العابرة، فركب ظهره عيال حفظوا سطوراً من الكتب الصفراء، وراحوا يرددونها كالببغاوات، رواية لا دراية، وحفظاً من غير فهم، وتبديداً لا تجديداً. وراح هؤلاء الحفظة يتيهون على الناس بصفحاتهم القديمة، ويشككون في الأزهر، ويقولون: خرج من التاريخ، بينما أتباعهم من صغار العقول والنفوس يقولون عنهم: هؤلاء هم العلماء.
أحد هؤلاء كان يعيش في قريتي، ذهب ذات مرة إلى القاهرة، حاملًا في جيبه مبلغاً جيداً من المال جمعه من "التجارة بالدين" وعاد مستبدلًا النقود بحمل بعير من الكتب القديمة. صنع لها دولاباً في بيته. حفظ الفهارس، وبعض سطور كان يزين بها خطبه الزاعقة الناعقة التي لا تغادر سقماً. وكان كلما قلت له الأزهر، قهقه حتى كاد يسقط على قفاه، وهو يشير إلى الدولاب، ويقول: أزهر، أي أزهر، هذا هو الأزهر، هنا في بيتي.
كان هذا الرجل كغيره من الذين استضعفوا الأزهر واستهانوا به، واستخفوا بمكانته، واستبدلوه بفقهاء البادية، الذين ترعى الريح في رؤوسهم، ويقولون ما لا يفعلون. باعوا الأزهر بحفنة من كلام مسجوع مرقوع، لا يستجيب لحاجة ولا يسد نقصاً. كلام لا ينتمي إلى زماننا، ولا يفيد ديننا العظيم، الصالح لكل زمان ومكان. كلام يتقدس به رجال من الزمن الغابر، وما لهم في الإسلام من قداسة.
كل هذا كان يتم بينما الأزهر يغط في سبات عميق، وشخيره يصل إلى أسماع أرباع الفقهاء، بل أثمانهم، فتجلجل ضحكاتهم في الصحاري المفتوحة على الغلظة والجلافة والغطرسة، أو في الوديان الخضر فتسقط لها الأزاهير والرياحين وتهرب الفراشات. ينحنون على الأرض فليتقطون أحجاراً وحصى يقذفون بها الأزهر، ولا تأخذهم به شفقة ولا رأفة، ولا يعملون فيه تلك النصيحة الغالية: ارحموا عزيز قوم ذل.
الآن الأزهر يحاول أن يستيقظ، يتمطى في سريره التاريخي ويجلس على مهل استعداداً للوقوف. فها هو يرمي بسهم في الجدل الدائر حول وضع قواعد البيت المصري الجديد، وها هو يسعى إلى أن يقطع الطريق على أدعياء الفقه وتجار الدين، وكأن شيخه، الفيلسوف الفقيه والفقيه الفيلسوف، يكفر عن سيئات انضمامه إلى "الحزب الوطني" الفاسد البائد، والسلطة الغادرة الفاجرة، التي نهبت أموال الناس وقهرتهم سنين، وكأنه يريد أن يغسل يديه، ويطهر قلبه من رجس الصمت والسكوت على ما كان يجري، وكأنه يريد أن يمحي استئذانه ذات يوم للانصراف من الهيئة العليا للحزب الحاكم المستحكم بعد أن تم تعيين فضيلته شيخاً للأزهر، جامعاً وجامعة.
الآن يستيقظ الأزهر، وهذا كلام لا مجاملة فيه، فحين يشرف شاب من خيرة العلماء هو الدكتور أسامة الأزهر صاحب السفر الرائع "أسانيد المصريين" على سلسلة تخرج عن الأزهر وتستهدف الشباب وغيرهم ليقفوا على صحيح الدين، فهذا معناه أن هناك خطوة أزهرية في الطريق السليم. فقد جاءني قبل أيام الباحث النابه الأستاذ حسين الشطوري، ومعه بعض من مطبوعات هذه السلسلة، فراق لي منظرها ومخبرها، ورأيت فيها وسيلة مهمة ليمارس الأزهر دوره في دعوة الناس إلى العبادة ومكارم الأخلاق، من أجل روح ممتلئة بحب الله، ومعاملة متوافقة مع روح الإسلام ونهجه.
نريد الأزهر أن يؤدي دوره، وأن يحمل على أكتافه العبء الثقيل الذي نلقيه عليه، وأن يلبي طموحاتنا التي طالما راودتنا، ويحقق آمالنا التي داعبتنا طويلًا، في أن تكون في بلادنا مؤسسة دينية وسطية معتدلة، تجعل من التفكير المتواصل فريضة، ومن الاجتهاد الدائم فرض عين، ومن التجديد المستمر وسيلة مثلى لتحقيق ما يصبو إليه الناس في دينهم، وما يرجونه من عقيدتهم.
إن الأزهر لن يستعيد دوره إلا إذا استقل عن السلطة، وهذا الاستقلال لن يتم إلا بقانون جديد يلغي ذلك المعمول به الآن، والذي ألحقه بالسلطان، وجعله مطية لأهوائه ونزواته، إلا قليلاً. ولن يستعيد الأزهر دوره إلا إذا استحضر مصداقيته التي جرحت في العقود الأخيرة، فيثق به الناس، ويقصدونه في طلب العلم والمعرفة والفتوى. ولن يستعيد الأزهر دوره إلا إذا غيَّر الكثير من مناهج الدراسات الدينية، فجددها وربطها أكثر بعصرنا الذي نحيا فيه. ولن يستعيد الأزهر دوره إلا إذا أعطى كل ذي حق حقه من بين علمائه، فيرفع المجتهدين المجددين منهم، ويأخذ بيد التقليديين ويحثهم على الدراية قبل الرواية، ويفتح الأفق أمام الطلاب ليتزودوا من الآراء المستنيرة، والتصورات الحديثة المرتبطة بدراسة الدين، من كافة جوانبه، وليس فقط حبسه في كتب بشرية عتيقة، مكان الكثير منها المتحف إلى جانب الفأس البرونزية والنورج.
نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.