مضي رمضان سريعاً كعادته كل عام وهكذا العمر دون ان نشعر بانقضاء الأيام، ولرمضان دروس عظيمة، تترسخ في حياة المسلم والمسلمة يوماً بعد يوم، وعام بعد عام. والهدف الأسمي للصيام كما قال الله تعالي هو "التقوي" »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون« (البقرة: 381) وهذه الوقفة مع دروس رمضان في يوم العيد، يوم الفرح والسرور يوم الجائزة، يوم فرح الصائم بفطره، وفرح المسكين بصدقة الفطر، وفرح الصائمين بصلاة العيد في أول لقاء لهم في الساحات عقب ثورة مصر العظيمة وتونس الخضراء، وليبيا المجاهدة. يوم العيد هذا العام يأتينا مع إحساس كبير بالمسئولية عن تحقيق أهداف ثوراتنا العربية، ويمكن لنا تلخيص هذه الثورات في كلمة واحدة هي "التغيير" كما هتفنا جميعاً ملايين عربية في الميادين العربية "الشعب يريد إسقاط النظام" أي الشعب يريد تغيير النظام.الشعب يريد تغيير النظام في كل شيئ، علي المستوي المحلي، علي المستوي الوطني، علي المستوي القومي، علي المستوي العالمي. التغيير لا يقف عند حدود ، والله تعالي وضع قانوناً نتلوه في رمضان وغير رمضان في قوله تعالي »إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ« (الرعد 11) وقوله تعالي { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَي قَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم« (الانفال: 35) وضرب الله لنا مثلاً في التغيير الفعلي في سورة النحل »وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون« (النحل: 211) وأول دروس رمضان هو " التغيير" والإقلاع عن العادات والمألوفات وهذا تغيير انقلابي في حياة الفرد، يمنعه الطعام والشراب الحلال ليتعود علي ترك الحرام، يمنعه من النوم الطويل ليقوم متضرعاً إلي الله في جوف الليل البهيم، يمنعه من الشهوة الحلال ليحذر الاقتراب من الفواحش المحرمة. رمضان يغيّر سلوك الإنسان، من عبدٍ شهوانّي إلي عبدٍ ربّاني ، من أسير عادات التدخين وغيرها، إلي إنسان حرّ يتسامي فوق المألوفات والمكروهات. ودرس رمضان الثاني هو " المساواة" ، فهو شهر يتساوي فيه كل المؤمنين، يصومون في ميقات واحد، ويتضرعون إلي رب واحد، ويتسامحون فيما بينهم، الكل جوعي، ولا فضل لغنيٍ علي فقير، فهنا يشعر الغني بحرمان الفقير طول العام عندما يشعر بالجوع والعطش في شهر رمضان. ومن دروس رمضان " وحدة الأمة الإسلامية"، فلا أعلم في تاريخ الأديان ولا في عاصر الأزمان، ملايين تزيد عن نصف مليار من الرجال والنساء والشباب وبعض الأطفال يصومون جميعاً، في عبادة واحدة مشتركين في قدر كبير من النهار من أندونسيا والفلبين إلي العراق البيضاء والرباط، بل يشاركهم أيضاً بعض النهار أو جل النهار ممن يصومون في أوربا وأمريكا وأفريقيا وجنوب الصحراء، فزمن الصيام في هذه البلاد الشاسعة يشترك علي الأقل في عشر ساعات، وجميعهم استجابوا لنداء رب واحد، وإله قدير عظيم، أمر فيطاع، ولذلك يوحّد الصيام الأمة كلها علي معني واحد ، قال الله لنا »إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ« (الأنبياء: 29) وكررها تعالي »وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ« (المؤمنون: 25) والهدف من إخراج هذه الأمة للوجود كان في قول الله تعالي في سورة البقرة »كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا« (البقرة: 143( ومن دروس رمضان "امتلاك الإرادة "، فالصوم حرمان إرادي ينبع من داخل الإنسان لا يقهره أحد، ولا يراقبه إلا الله، الذي قال في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). إرادة الصيام وإرادة القيام، عندما تذهب إلي فراشك لتهنأ بسويعات قد تقل في هذا الصيف عن ثلاث ساعات، لتقوم منتعشاً مستبشراً واقفاً بين يدي مولاك، في جوف الليل وثلثه الأخير، حيث ينزل ربنا بجلاله، نزولاً يليق بكماله يسأل : هل من داعٍ فأستجيب له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هذه الملاين التي وقفت متضرعة هذا العام أن يعم علي مصر والعرب والمسلمين الأمن والأمان، هذه الملايين عليها أن تدرك أن الله تعالي قال وسط آيات الصيام »وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون« (البقرة: 681) وقد وضع الله قاعدة أنه يستجيب دعاء المتضرعين في الوقت الذي يريد، وبالأسلوب الذي يختار، وليس وفق مشيئة الإنسان، لأن الله أعلم به وحده، وبما يصلحه، لذلك علينا مع الدعاء والإلحاح في الدعاء أن نعمل عملاً سريعاً لتحقيق ما نريد، متوكلين علي الله تعالي الذي ييسر الأمور كلها، ويسهل الصحاب. ومن أهم دروس رمضان "انقضاء العمر" وقرب نهايته، فمع انقضاء شهر رمضان تشعر أيها المسلم أن عمرك ينقضي ، وأنك لست إلا تكرار الليل والنهار، كلما مضي يوم وأظلم ليل مضي من عمرك ساعات وأيام، وأنك تقترب من لقاء الله جل في علاه، فهل استعددت لذلك. قال أحد السلف الصالحين : " ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي منادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلي عملك شهيد، فاغتنمي فإني لا أعود إلي يوم القيامة" وها أنت اليوم تودع رمضان، ومع تودّع جزءاً من العمر، لعلك بفضل الله قضيته في طاعة وإقبال، فهل تتخلي عن تلك الطاعات وهذه الفرائض، وهذه النوافل في غير رمضان؟ هل تترك صلاة الجماعات في المساجد العامرة ؟ هل تترك صوم النوافل في غير رمضان ؟ أم أنك تستعد بعد قليل لصيام الستة من شوال؟ هل تترك تلاوة القرآن وقد أدركت وذقت حلاوة حديث الله إليك؟ أم أنك تودع القيام والتهجد إلي رمضان القادم ؟ وهل تدري أنك إذا جاء رمضان من قابل تكون من أهل الدنيا؟ وفي صحة وعافية ، وفي ستر وإقبال علي الله ؟ أم تغيّرك الأيام وتقلباتها؟ دروس رمضان عديدة وكثيرة، ولسنا في صدد تعدادها، الأهم هو أن تشعر أيها المسلم أنك خرجت من رمضان أكثر قرباً من الله، وأكثر قدرة علي التغيير في داخل نفسك، وفي المحيط حولك، وأكثر إصراراً علي المضي في الطريق الطويل، الطريق إلي الله. كل عام وأنتم بخير ، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام واستجاب لنا الدعاء، وأعتق رقابنا من النار. نقلا عن صحيفة الاخبار