من الحقائق المعروفة أن أمريكا طورت في نهاية القرن الماضي نظاما يسمي بجلوبال هوك، وهو نظام يتيح برمجة وإعادة برمجة أجهزة الملاحة الجوية للطائرة بعلم أو بدون علم الطيار لتطير في المسار الذي تريده هي واستطاعت بهذا البرنامج إرسال طائرة من طراز بوينج 747 لتطير من بوسطن إلي سيدني في أستراليا، والعودة إلي بوسطن دون طيار، مما مكنها من تطوير طائرات دون طيار للتجسس، لشن غارات لتتبع المجاهدين وقتلهم في باكستان وفلسطين. واستخدمت لاحقا هذه التكنولوجيا في الصناعات العسكرية والمدنية، فالآن يتم التحكم في أي شيء يتحرك، سيارة( جميع السيارات مثل مرسيدس ورولزرويس مجهزة بطريقة يحدد بها مصنعها مكانها ويوقفها عن الحركة تماما، وحصل هذا لصديق لي)، دبابة، طائرة، سفينة، بحيث يتم وقت الضرورة التحكم في حركتها وسيرها، إيقافها أو تدميرها، وينطبق هذا علي الصناعات العسكرية الأمريكية ومبيعاتها للدول الصديقة التي يستطيع مصممها الأمريكي التحكم فيها، بواسطة فيروس مزروع في أنظمة البرمجة يطلق وقت الضرورة، ليحول هذه الآلة إما إلي مصيدة موت لأصحابها أو تغيير مسارها، عن طريق الأقمار الصناعية، ويزيد الأمر خطورة إذا علمنا أن برمجة كثير من الأجهزة الحساسة مثل الاتصالات، بل وأجهزة الشفرة للجيش والبنوك، يتحكم بها المصنع. واكتشفت إيران ان أجهزة الشفرة التي تشتريها من دولة أوروبية مصممة بحيث تمكن الدولة المصدرة أو من تتعاون معها بفك شفرتها للتو واللحظة فقبضت علي مدير الشركة في طهران، وبدأت تصنع الأجهزة بنفسها. والأمر الذي ربما لا يعرفه الجميع أن الاستخبارات الأمريكية قبضت علي كثير من المطلوبين عبر كاميرات مراقبة مثبتة بالمطارات العربية متصلة بمركز تابع لها. ومن بينهم اللبناني زياد الجراح، الذي زار باكستان وأفغانستان بعد تعرفها علي صورته من مطار عربي، حيث تعرفت منه علي نيات بعض العرب في تأجير طائرات في أمريكا وإلقاء قنابل منها علي أهداف. بعد التوقيع علي اتفاقية كامب ديفيد المشئومة، اتفق مع مصر علي إخراج الأسلحة الروسية من الخدمة، وأوقف برنامج الصواريخ العربي الذي ضم مصر والعراق وسوريا والأرجنتين، بتمويل خليجي لتصنيع صاروخ كوندور. واحتاطت أمريكا ووصلت أسلحتها لمصر مع كمية محدودة جدا من قطع الغيار، ولقد أخبرني المرحوم نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الراحل، أنه لما حاول تغيير المعاهدات العسكرية الكثيرة مع إسرائيل والتي بموجبها لا يحق للمهندسين الأتراك تصنيع قطع الغيار أو استيرادها أو الاطلاع علي أسرار مكوناتها، أثاروا عليه بعض الجنرالات وسجنوه. فالأسلحة التي تباع للدول العربية والإسلامية، هي فقط للاستعراضات العسكرية. وكلنا نعلم اشتراط إسرائيل عدم تمركز طائرات إف 15 وإف 16 التي اشترتها السعودية من الولاياتالمتحدة في مطار تبوك شمال المملكة. وكلنا نتذكر أزمة الصواريخ الصينية سيلك وورم التي اشترتها المملكة سرا من الصين أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وكيف حطمت سرا في نهاية الأمر رغم تمركزها في جنوب المملكة. علي الجانب الآخر، كثيرا ما نقضت روسيا عهودها مع الدول العربية نتيجة ضغوط أمريكية صهيونية، أو مساومات غربية، كما حصل في صفقة الصواريخ لسوريا، والامتناع عن توريد صواريخ إس 300 وإس 400 لإيران. وفطنت دول إسلامية لهذا الخلل، وأولاها كانت باكستان فبدأت تصنيع القنبلة النووية، وبرامج صواريخ مع الصين وكوريا الشمالية، بل إنها بالتعاون مع الصين طورت طائرة مقاتلة تفوق قدراتها المقاتلة إف 16. الدولة الثانية التي وعت تماما هذا الدرس عدم الاعتماد علي أسلحة مستوردة كانت إيران، فتمكنت من إنتاج أسلحة متطورة تجعل العدوان عليها إما مستحيلا أو مكلفا للغاية للمعتدي. وأنتجت اليورانيوم المخصب حتي درجة 20% الذي يمكنها من صنع القنابل النووية بعد تسرب هذه التكنولوجيا التي طورها الروس. الآن وبعد ربيع الثورات العربية، لابد للدول العربية والإسلامية أن تبدأ برنامجا للتسليح يؤمن استقلالها. وأعتقد أن دولا مثل مصر وتركيا وباكستانوإيران وإندونيسيا تستطيع التعاون في هذا الصدد. إن هناك إمكانية هائلة للتصنيع العسكري لهذه الدول مجتمعة، فهي تملك المواد الخام مئات الآلاف من العلماء المغتربين. ويمكنها في ظرف عقدين أن تكون قوة عسكرية كبري خاصة في ظل تعاون اقتصادي. لقد استطاعت حماس وهي تحت الحصار تطوير صواريخ دمرت أسطورة الدبابة الإسرائيلية ميركافا، واستطاع حزب الله أن يوجد توازن الرعب مع إسرائيل، فكيف إذا اتحدت هذه الدول لتطوير إمكاناتها العسكرية!! نقلا عن جريدة الأهرام