بدأت العواصف تحيط بسفينة الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو لم يكمل بعد عامه الأول في إدارة شئون المحروسة، ولا شك ان الرجل نفسه قد خرج من عواصف شديدة شهدها وعايشها منذ قامت ثورة يناير وأسقطت نظاما فاسدا مترهلا حاول ان يغير قواعد الزمن وسنن الحياة.. ثم أطاحت ثورة يونيه بنظام فاشل متخلف انحدر بالمصريين مئات السنين إلى الوراء في تجربة فريدة حملت معها كل مقومات الفشل والتراجع.. دخل عبد الفتاح السيسي المقاتل المصري دوامة الصراعات التي لم تكتف بالسلطة ولكنها اقتحمت بعنف الشارع المصري بكل طوائفه وفصائله ومكوناته.. فجأة أطلت علينا مصر أخرى غير تلك التي عرفناها في شعبها ولغتها ومشاكلها وانقساماتها وقبل هذا كله رغبة عارمة في تغيير كل شئ.. وقف السيسي أمام هذا الواقع الجديد وخلفه تأييد شعبي جارف في لحظة احتياج وانكسار ومحنة.. كان تأييد المصريين للسيسي خارج كل الحسابات التي اعتادت عليها حياة المصريين وأمام أمن ضائع وإرهاب يطاردنا وحشود خرجت من بيوتها وتأبى ان تعود وتيارات سياسية مريضة وقوى دينية تعيش خارج العصر والزمن وفلول تأبى ان تنسحب من الساحة ولديها استعداد ان تدمر كل شئ من أجل مصالحها.. وسط هذه العواصف الدامية جاء عبد الفتاح السيسي رئيسا.. كانت كل فصائل الدولة معه في لحظة اختيار رأت فيه الأمن والملاذ.. واختار الرجل طريقه.. لو أراد السيسي ان يقدم للمصريين اليوم كشف حساب عن عامه الأول في الحكم فلديه أوراق كثيرة يمكن ان يطرحها أمام الشعب.. وقبل ان يقدم أوراقه علينا ان نشاهد ما حدث أمامنا خلال هذا العام حتى نحكم على الرجل بمقياس عادل.. لنا ان نتصور حالة الأمن في الشارع المصري بعد ثورة يناير والمليونيات التي كانت تحتشد في الميادين كل يوم جمعة في كل عواصم مصر من السلوم إلى العريش وكيف فقدت الدولة سيطرتها على الشارع بصورة مخيفة.. في كل يوم كان فريق من الفرقاء يعلن قيام دولته ابتداء بحشود ميدان التحرير وانتهاء بحصار مدينة الإنتاج الإعلامي وذبح العجول على جدرانها مع حشود أخرى في كل المحافظات عجز الأمن في أوقات كثيرة عن ان يتعامل معها وسقط فيها مئات الضحايا الأبرياء.. كان من الطبيعي ان تتوقف السياحة تماما وان تتوقف أدوات الإنتاج وان يجلس كل مواطن في بيته خائفا على أسرته وأبنائه وخاضت قوات الجيش والشرطة معارك ضارية لتحقيق الأمن للمواطن المصري وامتدت المواجهة إلى أرض سيناء التي شهدت ومازالت حربا حقيقية مع الإرهاب.. لنا ان نتصور لو ان الجيش والشرطة لم يحققا معادلة الأمن في الشارع المصري وحال مصر الأن في ظل هذه الحشود وهذه المعارك وحالة الإنفلات التي عاشتها المحروسة.. لنا ان نتصور صورة مصر بعد 3 يوليو وسقوط نظام الإخوان وموقف العالم الخارجي مما يجري في بلادنا.. لقد تمزقت تماما علاقات مصر الخارجية أمام منظومة خاطئة صورتها أطراف كثيرة بأن ما حدث في مصر كان إنقلابا ولم يكن ثورة.. ووقفت مصر وحيدة أمام هذه الجحافل الرافضة شرقا وغربا ولم يؤيد مصر في محنتها غير مجموعة من الدول العربية بقيادة السعودية والإمارات والكويت والأردن والبحرين.. وصمت الجميع.. كان من الواضح ان هناك أطرافا دولية أقامت حساباتها مع الإخوان في ظل مستقبل آخر لمصر فيه الكثير من الحسابات والتنازلات والخطط المشبوهة.. خلال عام واحد نجح عبد الفتاح السيسي في ان يعيد مصر إلى مكانها ومكانتها.. كانت نقطة البداية رحلاته الأولى إلى دول افريقيا التي أخرجناها يوما من كل حساباتنا ثم انطلقت مصر إلى العمق الأفريقي وكانت نقطة الإلتقاء الأساسية مع إثيوبيا وقضية مياه النيل ثم كان دعم السودان وعادت المياه إلى مجاريها بين مصر ودول افريقيا.. وكانت رحلة الصين وروسيا انطلاقة أخرى في علاقات مصر الخارجية ثم ايطاليا واليونان وقبرص واسبانيا وفرنسا وفي كل محطة من هذه المحطات كانت هناك اتفاقيات ومصالح.. على طريق آخر كانت مسيرة العلاقات مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات والكويت وهذه المواقف التاريخية التي لن ينساها المصريون في يوم من الأيام.. وجاء مؤتمر شرم الشيخ لدعم الإقتصاد المصري صورة حضارية أكدت للعالم ان مصر عادت إلى موقعها ومكانتها.. وكانت القمة العربية في شرم الشيخ وما ترتب عليها من قرارات محاولة ناجحة لإنقاذ هذه الأمة من مؤامرات التقسيم والفتن.. على جانب آخر اخذت العلاقات المصرية الأمريكية مسارا آخر يقوم على الندية واحترام إرادة الشعوب.. كيف تمت كل هذه الإنجازات في فترة زمنية قصيرة وكيف عادت مصر تتصدر المشهد العربي وتستعيد مكانتها في افريقيا وتقيم علاقات متوازنة مع كل دول العالم. حين انطلق مشروع قناة السويس الجديدة وهذه العملية الضخمة في أهم مجرى ملاحي عالمي تساءل الكثيرون عن جدوى مثل هذا المشروع في هذه الظروف الصعبة، وكان الرد ليس من المنطقي ان يكون هذا حال قناة السويس منذ انشائها وافتتاحها في عهد الخديو إسماعيل، هل من المعقول ان يتوقف كل النشاط الإقتصادي على هذه المساحة الرهيبة وهذا الموقع الفريد على مرور السفن وتحصيل الرسوم ولدينا مساحة على ضفتي القناة يمكن ان تكون أكبر سوق حرة في العالم انتاجا وتصديرا وخدمات، وبعد شهور قليلة تدخل قناة السويس مرحلة جديدة في تاريخ الإقتصاد المصري والملاحة العالمية حين قدم المصريون لهذا المشروع 65 مليار جنيه في أسبوع واحد كان ذلك تأكيدا لوعي هذا الشعب وثقته في مشواره مع المستقبل.. ولا شك ان حكومة محلب تقوم بجهد كبير في مجالات كثيرة ولكن البيروقراطية المصرية العريقة وحالة الترهل التي أصابت مواقع العمل والإنتاج تحول دون أشياء كثيرة يحلم بها الإنسان المصري، هناك مشروعات الطرق وهي ثورة حقيقية في النشاط الإقتصادي على ربوع مصر وهناك محاولات انتشال سيناء من سياسات حكومات سابقة فشلت في تنمية هذا الجزء العزيز من الوطن وهناك خطط لإنشاء عاصمة جديدة وزراعة مليون فدان وانقاذ المصانع المتوقفة عن العمل.. نحن أمام منظومة من التخلف التاريخي في العمل والإنتاج والإدارة والأولويات وليس من العدل ان نحاسب أحدا على ثلاثين عاما من النهب والتحايل والفساد في ظل أجهزة ومؤسسات ترهلت وقامت على سياسات وبرامج لخدمة مصالح وأهداف مجموعة من البشر وليس مستقبل وطن وشعب. في ظل هذا كله لا أحد ينكر الدور الذي يقوم به الجيش المصري والشرطة المصرية في تطهير سيناء من الإرهاب هذه اللعنة التي حلت بأرض الأنبياء وشوهت حياة الناس ودخلت بنا إلى طريق من العنف لا يتناسب مع سماحة أهل سيناء وترابها المقدس.. وبجانب هذا فإن الجيش يتحمل مسئولياته في حماية حدود مصر من كل اتجاه وهو قادر على ان يصون تراب هذا الوطن.. ان شهداء الجيش والشرطة الذين يسقطون كل يوم على تراب مصر يجسدون المعنى الحقيقي للشهادة والتضحية والفداء.. بعد عام واحد يمكن ان نقف أمام انجازات كثيرة واضحة وصريحة في فترة حكم عبد الفتاح السيسي لا شك ان أحلام الناس تتجاوز كل الإنجازات ولو كان لدى السيسي الموارد والإمكانيات ما بخل بها ولكن هذه حالة وطن منهوب خرج من محنتين وكارثتين ونجاه الله من حرب أهلية محققة. يبقى أمامي نقطتان لا بد ان أتوقف عندهما وهما الإعلام ورجال الأعمال وفلول العهد البائد.. لا أدري ما هو المبرر لدى الزملاء الإعلاميين في هجومهم على الرئيس السيسي وهم يعلمون انني لا أدافع عن شخص ولكن أدافع عن مستقبل وطن.. معظم هؤلاء الزملاء كانوا منذ شهور قليلة يشيدون بالرجل ومواقفه وقد وضع قلبه على يده في محنة شهدها الجميع كانت تهدد مصر أمنا واستقرارا ومستقبلا.. ما الذي تغير.. ان عبد الفتاح السيسي هو نفس الشخص.. فلماذا كل هذا الهجوم.. على جانب آخر مازال موقف رجال الأعمال يتسم بالغموض الشديد.. هل كانوا يطمعون في مكاسب ومصالح جديدة ولم تتوافر لهم الفرصة كما اتاحتها سنوات النهب والفساد، ان رجال الأعمال يتابعون المشهد من بعيد وصورتهم ومواقفهم تدعو للإرتياب وإذا كانوا يتحصنون في الفضائيات وبرامجهم التافهة فهم بذلك يفرطون في مسئوليتهم تجاه مصر والمصريين.. وإذا كانوا قد انفقوا أموالا كثيرة على الإعلام وجاءت السنوات العجاف التي يتصورون ان الدولة يمكن ان تقدم لهم الدعم المالي لإنقاذ هذه الفضائيات المغرضة فهم واهمون ولن يغضب أحد إذا أغلقت كل هذه الفضائيات أبوابها لأنها لم تضف شيئا إلى عقل مصر وثقافتها.. اما إذا كانت لديهم أوهام مريضة بأن الماضي يمكن ان يعود فإن الماضي الأن في رحاب التاريخ وسوف يلقى محاكمة عادلة بماله وما عليه، على فلول الماضي ان تغلق صفحاتها وتنتظر كلمة التاريخ. بقيت عندي كلمة أخيرة انني على يقين ان مصر كل مصر في حاجة لأن تلقى بعيدا عفن سنوات مضت وصراعات مريضة ومعارك وهمية وان نتخلص كشعب من كل ادران الماضي لكي نبني معا مصر الجديدة.. رجال الأعمال في منظومة جديدة تكون أكثر حرصا وأكثر ولاء لهذا الوطن والنخبة لكي تأخذ دورها الحقيقي في بناء وترشيد العقل المصري فكرا وسلوكا وتدينا.. والإعلام المصري صاحب الدور والرسالة والمسئولية وليس صاحب الدعم المالي الخارجي المشبوه.. ان انتقاد الدولة المصرية في أي مجال حق مشروع لكل مواطن وكل إعلامي وكل صاحب موقف أو رأي ولكن القاء الحجارة لا يصلح للبناء، وتشويه الحقائق إفساد للعقول والسعي إلى الباطل مذبحة للضمائر. من الخطأ الجسيم ان تبدو الدولة ضعيفة أمام سطوة رأس المال مهما كانت حاجتها له أو ان تفقد هيبتها أمام الإعلام أو ان تفتح أبوابا لإنقسامات جديدة تهدد أمن مصر واستقرارها. القضية ليست عبد الفتاح السيسي الرئيس ولكنها قضية مصر الأمن والإستقرار والبناء. فلنتق الله في هذا الوطن ونفتح قلوبنا لزمان جديد تستعيد فيه مصر هيبتها ودورها ومكانتها التي شيدتها في كل العصور. ..ويبقى الشعر وحين نظرتُ فى عينيكِ. لاح الجرحُ. والأشواقُ والذكرى تعانقْنا. تعاتْبنا وثار الشوقُ فى الأعماق ِ. شلالا ً تفجر فى جوانحنا فأصبح شوقُنَا نهرا زمانٌ ضاع من يدنا. ولم نعرف له أثرا تباعدْنا. تشردْنا فلم نعرف لنا زمنًا ولم نعرف لنا وطنا تُرى ما بالُنا نبكى؟ وطيفُ القُربِ يجمعنا وما يُبكيكِ. يُبكينى وما يُضنيكِ. يُضنينى تحسستُ الجراحَ. رأيت جُرحًا بقلبكِ عاش من زمن ٍ بعيدْ وآخرَ فى عيونكِ ظل يُدمى يُلطّخ وجنتيْكِ. ولا يريدْ وأثقل ما يراه المرءُ جُرحًا يعلُّ عليه. فى أيام عيدْ وجُرحك كلَّ يوم ٍ كان يصحو ويكبرُ ثم يكبرُ . فى ضلوعى دماءُ الجرح ِ تصرخ بين أعماقى وتنزفها . دموعى لأنكِ عشتِ فى دَمِنا. ولن ننساكِ رغمَ البعدِ. كنتِ أنيسَ وَحدتنا وكنتِ زمانَ عفِّتنا وأعيادًا تجددُ فى ليالى الحزن ِ. فرحَتَنا ونهرًا من ظلال ِالغيبِ يَروينا. يُطهِّرنا وكنت شموخَ قامَتنا نسيناكِ! وكيف. وأنتِ رغم البعدِ كنتِ غرامَنَا الأولْ؟ وكنتِ العشقَ فى زمن. نسينا فيه طعمَ الحب. والأشواق. والنجوَى وكنتِ الأمنَ حين نصيرُ أغرابًا. بلا مأوى؟! وحينَ نظرتُ فى عينيكِ.. عاد اللحنُ فى سمعى يذكّرنى.. يحاصرنى .. ويسألنى يجيب سؤالَه.. دمعى تذكرنا أغانينَا وقد عاشت على الطُّرقاتِ مصلوبهْ تذكرنا أمانينَا وقد سقطت مع الأيام ِ.. مغلوبهْ تلاقْينا.. وكل الناس قد عرفوا حكايتنا وكل الأرض قد فرحت.. بعودتِنَا ولكن بيننا جُرحٌ.. فهذا الجرحُ فى عينيكِ شىء لا تُداريهْ وجُرحى.. آهِ من جُرحى قضيْتُ العمرَ يؤلمنى.. وأخفيهْ تعالىْ .. بيننا شوق طويلٌ .. تعالىْ .. كى ألملمَ فيكِ بعضى أسافرُ ما أردتُ وفيك قبرى.. ولا أرضَى بأرض ٍ.. غير أرضى من قصيدة "لأنك عشت في دمنا" سنة 1983 نقلا عن جريدة الأهرام