كثير من حكام الأنظمة الديكتاتورية يحكمون بمنطق فرعون "فاستخف قومه فأطاعوه"، ويجعلون من أنفسهم آلهة "لا أريكم إلا ما أرى"، ولا يقبلون أن يُساءلهم أحداً "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون"، لذا فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ولكن هل هناك مقومات أو خصائص نفسية ينبغي أن تتوافر في الحاكم حتى لا يضر شعبه؟ فعندما تلقي نظرة على معظم الأنظمة العربية الديكتاتورية لا بد أن تتساءل: هل يمكن أن يكون هؤلاء القادة والزعماء أسوياء؟ وهل نستطيع أن نتبين سلامة الرئيس النفسية والعقلية قبل توليه منصبه واستفراده بشعبه لعقود، وممارسة عُقده وأمراضه عليه كعادة معظم الأنظمة العربية إن لم تكن كلها؟ فعندما تحدث القذافي من قبل في خطابه الكوميدي التاريخي (زنجة..زنجة) حاولت أن أستعيد بعض ما قاله في ذلك الخطاب فوجدت أن الرجل قد أشار إلى نفسه بالضمير أنا - القذافي - الزعيم - قائد الثورة - القائد.. أكثر من 75 مرة في أول 20 دقيقة من الخطاب، وبعد ذلك تعبت من العد، فهويصف نفسه قائلاً: القذافي قائد – تاريخ - مقاومة – تحرر – مجد – ثورة ... إذن نحن أمام شخصية نرجسية مصابة بداء العظمة والتوحد مع السلطة والكرسى والذات، والالتصاق بالحكم على أساس أنه المنقذ الوحيد للبلاد من الفوضى والضياع. وعلى الرغم من وجود بعض الفوارق بين هؤلاء الحكام الذين يحكمون دولنا العربية إلا أن بينهم أشياء مشتركة في شخصياتهم منها: 1- الطموح الزائد مهما كان الثمن.2- اعتماد كبير على الاعجاب الخارجى وتصديق هتافات الاستحسان من أمثلة "بالروح بالدم نفديك يا زعيم" 3- الرغبه المستمره فى البحث عن الألمعيه والقوة والشهرة 4- حسد شديد للآخرين ومحاولة إخفاء هذا الحسد بتحقيره للاخرين، وهذا التحقير يثبت عقدته بالنقص 5- يعطى النرجسى قيمه عاليه لافعاله ، فالقذافى مثلاً يعطى قيمه كبيره للكتاب الاخضر ويعتبره كتاب مقدس ، وكذلك اختزل مبارك ملحمة حرب أكتوبر في الضربة الجوية التي قام بها فقط 6- يلاحظ انشغاله بأوهام النجاح والشو الإعلامي 7- يميل النرجسى إلى الاستعراضية وحب الظهور 8- نقص القدرات الفكرية التي تدفع الشخص للإنغلاق على رأيه وعدم الثقة بقدرات الآخرين. ومع سيادة نمط مثل هذه الشخصية في مجتمع فإنه سرعان ما يتحول لمجتمع من القطيع الذي تحكمه علاقة التابع والمتبوع دون إعمال للفكر أو المعارضة. ولعل سفر الرئيس السابق حسني مبارك للعلاج مرتين تم الإعلان عنهما، وكثيراً من المرات التي لم يعلن عنها، وإعلانه في سفرته الأخيرة أنه أجرى عملية استئصال للمرارة، في الوقت الذي كان مصاباً فيه بسرطان البنكرياس، لدليل على أننا لا نعرف شيئاً عن الملف الصحي للحاكم - سواء من الناحية العضوية أو النفسية - في مصر أو الدول العربية، ولكن ماذا لو اقتنع الناخبون بشخص غير سوي من الناحية النفسية أو العضوية بحيث لا يستطيع الناخب العادي أن يكتشف هذا الخلل إلا من خلال طبيب أو مجموعة من الأطباء المتخصصين؟ ربما لو نظرنا قليلا إلى الماضي لوجدنا أن كثيراً من الزعماء الذين أبهروا العالم بزعاماتهم ومن يطلقون عليهم "أصحاب الكاريزما" إنما هم في الحقيقة مرضى بأمراض نفسية أو عصبية يمكن أن تؤثر على قراراتهم المصيرية التي تؤثر بالتالي على شعوبهم، فنابليون وجوليوس قيصر كانا مصابان بالصرع، وشخصية كل من موسوليني وهتلر كانت شخصية هستيرية وكان كل منهما يعشق ذاته ولديه أعراض فصام وبارانويا (جنون عظمة) أدت إلى تدمير بلادهما وقتل أكثر من 40 مليون شخص حول العالم. ومعظم الذين أتيح لهم مقابلة الرئيس السابق مبارك يعلمون أن حاشيته وعلى رأسها زكريا عزمي كانوا يحذرونهم قبل الدخول إليه: "إوعى تقول له أي أخبار تزعله"! وهكذا تم عزل الرئيس بواسطة زوجته وابنه ورئيس ديوانه. والغريب أن "أمريكا" التي تتبنى هذا الرأي، وترى أن الملف الصحي للرئيس لا يخصه وحده، بل يخص كل أفراد شعبه، هي نفسها التي انتخبت الرئيس الراحل "رونالد ريجان" وهو في السبعين من عمره لفترتين متتاليتين، وكان خلال الفترة الثانية من ولايته يعاني من بداية أعراض مرض "الزهايمر" الذي يمكن بالتأكيد أن يؤثر على ذاكرته وقدرته على اتخاذ قرارته بصورة سليمة، وتقييمه للأمور والقرارات الهامة بصورة صحيحة، ومع ذلك فالرئيس ريجان ليس وحده من كان يعاني من مرض نفسي أو عصبي يمكن أن يؤثر على قراراته، ففي بحث نشر في يناير 2006 في مجلة الأمراض النفسية والعصبية Journal of Nervous and mental diseases ، تمت دراسة ومراجعة الملفات الصحية ل37 رئيس أمريكي منذ عام 1776 وحتى عام 1974 - خاصة من الناحية النفسية والعقلية - وكانت النتيجة أن 18 رئيسا من بين ال37 ( 49% ) لديهم مشاكل نفسية لكنها لا ترقى لتكون مرضية، وأن هناك عشرة رؤساء من بين 37 ( 27% ) كان لديهم أعراضا وأمراضا نفسية أثناء فترة رئاستهم كان يمكن أن تؤثر على قراراتهم وأدائهم، ويضيف الباحث قائلاً : الحمد لله أن لم تحدث كوارث أو قرارات مصيرية نتيجة لذلك. ومن بين الرؤساء الأمريكيين الذين أشارت الدراسة إلى أنهم كانوا مصابين بأمراض نفسية: جيمس ماديسون – جون كونيس آدم – فرانكلين بيرس، حيث كانوا يعانون من حالات اكتئاب عظمي، أما " تيودور روزفلت " و"ليندون جونسون" فقد كانا يعانيان من حالات "اكتئاب مزدوج" أو "هوس اكتئابي" وهو أخطر بكثير من الاكتئاب العادي، وهناك من كان لديهم الاستعداد لظهور المرض النفسي إذا تعرضوا للضغط النفسي والعصبي في الازمات الكبرى مثلما حدث مع الرئيسين "كوليدج" و"بيرس" اللذين فقدا أحد أبنائهما أثناء توليهما المنصب، وفقدا معهما قدرتهما ولياقتهما النفسية والعقلية على ممارسة المهام الرئاسية بنفس الكفاءة التي كانا عليها قبل فقدهما. وللأسف الشديد فهذه الدراسة القيمة لم تقيم الأداء النفسي والعقلي للرؤساء بعد الرئيس "نيكسون"، فلم تتناول مثلا أداء الرئيس ريجان بعد بدء إصابته "بألزهايمر" أثناء وجوده في البيت الأبيض، ولم تتناول أيضا تأثير إدمان الخمر (الكحول) على الرئيس بوش الإبن الذي ظل مدمنا حتى بلغ الأربعين من عمره، وبالطبع لم تتناول الملف النفسي للرئيس كلينتون الذي كان في غاية الضعف أمام رغباته ونزواته الجنسية التي انتهت بفضيحة "مونيكا" التي كادت أن تعصف به من على كرسي الرئاسة، وحتى "أوباما" فقد نشر عنه أنه أصبح لا ينام الآن إلا بالحبوب المهدئة.