يتعرض السودان حالياً لأسوأ فيضانات في تاريخه جرفت المياه الغزيرة عشرات المنازل ودمرت العديد من القري في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات. وفي الوقت الذي يهدد فيه النيلان الأزرق والأبيض اللذان يلتقيان في العاصمة السودانية القصر الرئاسي ومباني الوزارات والمصالح الحكومية حيث ارتفع منسوب المياه في الخرطوم الي متر تقريباً تحت مستوي شارع النيل مقر المباني الرئيسية الحكومية. أكدت وزارة الداخلية السودانية في تقرير لها ان الفيضانات دمرت 5524 منزلاً بالكامل و4017 منزلاً لحقت بها أضرار جسيمة وأشار التقرير الي ان منسوب نهر النيل وصل الي أعلي مستوياته هذا العام مقارنة بعامي 1946 و1988 اللذين شهدا أسوأ فيضانات علي مدي القرن الأخير في السودان. وأوضح التقرير ان منسوب النيل وصل الي 70. 16 متر في عام 1988 ومات العشرات وفقد الآلاف من السودانيين منازلهم أما الآن فقد وصل الي 16. 94 متر مما يهدد بكارثة بيئية وصحية. ومع ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات المجنونة التي تضرب شرق السودان بسبب فيضان نهر القاش المعروف النهر المجنون والذي ينبع من الأراضي الأريترية. ودمر أجزاء واسعة من مدينة كسلا. وشرد الآلاف الذين بلغت تقديراتهم حتي الآن بأكثر من 250ألف سوداني. كما شهدت ولاية شمال كردفان غرب السودان هطول أمطار غزيرة خلفت كميات هائلة من الدمار في مختلف القطاعات. وسط كل ذلك ومع ارتفاع الأزمة الصحية بسبب انتشار وباء الكوليرا تقف حكومة السودان وحدها لمواجهة هذا الظرف الطبيعي السيئ يضاف الي الملفات المعقدة التي تواجهها بسبب ملف دارفور. ولقد اعترفت حكومة الرئيس عمر حسن البشير بعجزها عن مواجهة هذه الأزمة الطبيعية وأطلقت عشرات النداءات الي جانب دعوات المنظمات الدولية وعلي رأسها الأممالمتحدة. أطلقت حكومة جنوب نداء دولياً لمساعدتها في تخطي ما سمته بالمرحلة الحرجة وأعلنت الجنوب منطقة كوارث. وجاءت الاستجابة أقل بكثير مما يحتاجه السودانيون في هذه الظروف الانسانية العصيبة واقتصرت علي تقديم الأممالمتحدة 5 ملايين دولار خصصتها لمساعدة المنكوبين في المناطق المدمرة وجميعهم في حاجة ماسة للغذاء والخيام والدواء. وأعلنت مارجرتا واهلستون نائب منسق المساعدات الطارئة في المنظمة الدولية عن أسفها من التركيز علي عملية القوات المختلطة في دارفور في الوقت الذي تجتاح فيه الفيضانات معظم أنحاء السودان كما قدم الاتحاد الأوروبي 2 مليون يورو بما يعادل 7.2 مليون دولار للمساعدة في جهود الاغاثة من آثار الفيضانات العارمة هناك. وبالقياس جاءت المساعدات العربية ضئيلة ولا نبالغ اذا قلنا انها معدومة ولم تقم القاهرة بالدور المطلوب منها نظراً للعلاقة التاريخية والسياسية مع السودان والتي من المفترض ان ما يحدث في الخرطوم ينعكس بشكل سريع علي القاهرة. الا ان المسئولين في حكومتنا الرشيدة رفعوا راية الاطمئنان عبر تصريحات جاءت كمهدئات من المخاوف من تأثير الفيضانات في السودان وما ينتج عنها من أوبئة وغيرها وكأن الخرطوم انتقلت بملفاتها الي قارة أخري غير التي تقع فيها مصر!!. وقدمت الكويت جسراً جويا محلمات بعدد من الطائرات علي متنها 10 أطنان من المواد الغذائية والخيام. ولا تزال السيول والفيضانات تهدد العشرات والآلاف من السودانيين مما يشير الي انها ستحل محل الحرب التي من الممكن ان تندلع بسبب الملف السياسي لدارفور. فالسيول والأمطار الغزيرة تواصل طريقها باجتياح وتدمير كل ما يعترض طريقها وحذر خبراء المياه من اهمال الاوضاع. وأكد كمال كميلاوي خبير المياه السوداني من عدم وجود مصارف لمياه الأمطار في غالبية المدن السودانية والقري بما فيها العاصمة الخرطوم وحذر كميلاوي من أن يؤدي سوء التخطيط والاهمال الي كارثة حقيقية في السودان. وقال عمر محمد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم ان مشكلات المياه في بلاده لم تعط الأولوية التي تستحقها وأضاف ان الاتفاقيات التي وقعتها الخرطوم مع بعض دول الجوار بشأن مياه النيل هي التي قيدت حريتها في بناء السدود والخزانات لمنع الكوارث التي تهدد السودان من وقت لآخر.