تحت عنوان "إسرائيل اختارت الطريق إلى الفصل العنصري " نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية مقال للصحفي و المراسل الامريكي المخضرم"جيمس بيسير James Besser " ، الذي افتتح مقاله بالتاكيد على انه في وقت ما كان يمكن القول أن سياسات إسرائيل لا تشبه سياسات الفصل العنصري من حيث هدفها المعلن، ويرجع هذا نتيجه عدم انهائها الاحتلال. ولكن بعد إعادة انتخاب نتنياهو، لم يعد هذا هو الحال. ويقول انه طوال فترة عمله كمراسل للصحف اليهودية الامريكية على مدار ربع القرن كثيرا ما دافع عن إسرائيل ضد اتهامات بأنها قد خلقت نظام الفصل العنصري في الضفة الغربية. ولكن انتخابات هذا الأسبوع، ومع استعداد بنيامين نتنياهو للخدمة لفترة حكم جديدة مع تحالف أكثر تشددا، يعني أن الفصل العنصري هو المسار الذي اختاره الناخبين الإسرائيليين. وسوف تشمل النتائج الحتمية لهذا المسار، عزلة دولية أكبر للدولة اليهودية، وسيعطى هذا دفعة كبيرة للجهود الرامية إلى تطبيق المقاطعة والعقوبات، وسيتضاءل الدعم من اليهود الأمريكيين، مع توقع توسع دوائر العنف الذي لا نهاية له. منذ بدء عملية السلام في مدريد في عام 1991، كان من الممكن – على الرغم من الصعوبة الكبيرة – القول بأن إسرائيل أرادت أن تجد ثمة طريق إلى تحقيق تسوية مع الفلسطينيين. بالتأكيد، كانت هناك عقبات هائلة يجب التغلب عليها، من بينها وليس أقلها كان قصر نظر القيادة الفلسطينية المتقلبة، والناخبين العصبيين في إسرائيل. لكن على الأقل كانت الحكومات وراء بعضها كانت تنادي بالشىء الصحيح، وهو ضرورة إنشاء دولة فلسطينية وتقديم تنازلات مؤلمة، حتى لو كان مجرد كلمات بلا تنفيذ او اجراءات. وكان من الممكن قبول أطروحة الصحفي "جرشوم جورنبرج" حينما قال ان الاحتلال ماهو الا "إمبراطورية بالصدفة"، واستمرار الاحتلال نتيجة سياسات مصممة من قبل الجمود والجبن السياسي. وكان مروعا مشاهدة الحكومات التقدمية تتذلل أمام حركة المستوطنين العدوانية، ولكنه كان مفهوما، وخاصة بالنسبة للأميركيين الذين اعتادوا على خجل قادتنا في مواجهة المتطرفين العدوانيين. ولكن الان فكرة الفصل العنصري تحمل نية لجعل الانفصال وعدم المساواة في المعاملة امر دائم، وفي الماضي كان من الممكن الجدال حول توسيع المستوطنات وان إسرائيل لا تزال تبحث عن سبل لإنهاء الاحتلال. ولكن الخوف مع اللحظة الأخيرة من ارتفاع نسب التصويت لقائمة الاتحاد الصهيوني في التصويت، دفع نتنياهو ليفصح بشكل لا لبس فيه ما كان النقاد يرونه منذ فترة طويلة بانه أيديولوجيته الأساسية: بانه لا دولة فلسطينية، ولا تنازلات إقليمية/ وأي شيء. . وكانت النتبجة ان الناخبين في إسرائيل اعادوه الى منصبه مرة اخرى، في ما تردد على نطاق واسع باعتباره انتصارا باهرا. أعيد إلى السلطة من جديد على الرغم من محاولته حشد الدعم ليمينه السياسي المقبل، عبر قدومه الى واشنطن والقائه لخطابه امام الكونجرس رغم عدم ترحيب الادارة الامريكية، مما ادى لتقويض العلاقة مع الولاياتالمتحدة، حليف إسرائيل الأكثر أهمية، بإعطائه دفعة قوية لجهود الجمهوريين لجعل الدعم لإسرائيل قضية حزبية سياسية بدلا من ان تكون قضية الحزبين الجمهوري والديمقراطي كما كانت دائما. أعيد إلى السلطة على الرغم من محاولته القبيحة لتخويف الناخبين مع شبح الحضورا الكبير لعرب إسرائيل. أعيد إلى السلطة بعد أن اعلن بوضوح الشمس رفضه لقيام الدولة الفلسطينية والتسوية الاقليمية التي يعتبرها معظم دول العالم السبيل الوحيد لضمان مستقبل سلمي لدولة يهودية ديمقراطية. وكانت هناك تقارير هذا الاسبوع ان نتنياهو كان يحاول التراجع للوراء عن هذه التعليقات، ولكن مصداقيته في مسألة قيام دولة فلسطينية، اصبحت غير ذات قوة أبدا، بل غير متوفرة. وفي غياب أي استعداد للعمل نحو اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، فان المستقبل الواضح: سيكون استمرار الاحتلال مع عدم بذل أي جهد لايجاد وسيلة لوضع حد له، وسيتم تسريع بناء المستوطنات ويستمر التصلب في السياسات تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية. وبعبارة أخرى، انه الفصل العنصري. ان الجماعات اليهودية عندما تسمع مصطلح "الفصل العنصرى" يصابون بالصدمة والغضب بسبب ما ينطوي عليه هذا المصطلح: فهو اشارة لسياسة رسمية للظلم العميق، وتجعل العالم المنقسم يتوحد ضد اسرائيل، مع وجود خطر فرض العقوبات والمقاطعة ويصبح مرتكبيها منبوذين. لذا اذا كان يمكننا ان نقول ان سياسات اسرائيل كانت لا تشبه سياسات الفصل العنصري، الا انه الان ومع إعادة انتخاب نتانياهو من جديد، يجعل هذا من الواضح أن الناخبين الإسرائيليين، على بينة من نوايا نتنياهو من أي وقت مضى، فقد اختار طريق الفصل العنصري، وسيكون عليهم الآن العيش مع عواقبه. لقد كانت الجماعات اليهودية الأمريكية، ضمن اللاعبين الرئيسيين في التحالف ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، و سيلجئون الان الى المغلطات اللفظية للتاكيد على ان سياسات اسرائيل ليست هي نفسها سياسات نظام الفصل العنصري لجنوب افريقيا. أو أنهم سوف يستخدمون ببساطة حيلة مريحة باستغلال التصريحات والقرارات السيئة التي أدلى بها القادة الفلسطينيين على مر السنين. ولكن عندما يندلع العنف الذي لا مفر منه، وعندما يتُرك الفلسطينيون، بلا أي خيارات أخرى، سيواصلون اندفاعها بادانة إسرائيل في الهيئات الدولية، ولن تجد الدولة اليهودية من يدافع عنها ، وستدعى أنها تلقى معاملة غير عادلة من قبل عالم معاد لها. لذا يجب ان تعى اسرائيل واليهود ان الفصل العنصري سيظل هو الفصل العنصري، وهذا هو بالضبط ما اختاره الناخبون الإسرائيليون هذا الأسبوع كسياق ستسير عليه أمتهم.