مع تزايد ضغوط جماعة المحافظين الجدد وجماعات حقوق الانسان اعلن الرئيس بوش الاسبوع الماضي ان واشنطن قررت تشديد العقوبات الاقتصادية الانفرادية التي وقعتها الولاياتالمتحدة علي السودان بخصوص ازمة دارفور وقال الرئيس الامريكي ان بلاده ستسعي من خلال مجلس الامن الي الحصول علي موقف دولي داعم للموقف الامريكي بدعوي ان السودان يرفض التعاون في وضع قوة دولية مختلطة مشكلة من قوات افريقية وقوات دولية للسيطرة علي العنف في دارفور.. ومن المعروف ان التحرك الامريكي يجري في وقت ركز فيه الامريكيون علي مواقف المرشحين للرئاسة من بعض القضايا الدولية.. ومن المؤسف ان تحتل قضية دارفور اهتماما خاصا من جانب وسائل الاعلام الامريكية في الوقت الذي تغفل فيه الممارسات الاسرائيلية المستمرة علي مدي خمسين عاما والتي ادت الي تشريد شعب بأكمله وتهديد استقرار منطقة حيوية بل وتهديد أمن العالم كله. وقد كانت الولاياتالمتحدة هي اول دولة تطلق علي ما يجري في دارفور اسم 'ابادة' وعلي الرغم من ان تعبير 'ابادة' في مفهوم القيادات اليهودية الامريكية له اهمية خاصة لانهم يرون ان اليهود فقط دون اي من الجماعات تعرضوا للابادة.. ولزيادة حملة الضغط الامريكية تصاعدت ضغوط الجماعات الانسانية واشهرها جماعة 'انقذوا دارفور' التي تعقد الندوات وتقف وراء تركيز الاضواء علي من يريد تبني هذه الحملة من الرياضيين والنجوم وان كانت هذه الجماعة لم تتمكن حتي الان من ضم السود الامريكيين الي صفوفها علي الرغم من اشارتها مؤخرا إلي تحقيق يجري بشأن عودة مسألة العبودية في دارفور. المهم ان الرئيس بوش عندما اعلن تشديد العقوبات الاقتصادية علي الحكومة السودانية اعلن ان قضية دارفور قضية تضغط علي الضمير العالمي وان واشنطن قد قبلت في الاشهر الماضية الموافقة علي طلب بان كي مون سكرتير عام الاممالمتحدة منحه مزيدا من الوقت للتوصل الي اتفاق مع الحكومة السودانية بشأن نشر القوات المختلطة الا ان الولاياتالمتحدة لا تستطيع ان تصبر اكثر من ذلك بعد ان اتضح لها ان حكومة الرئيس البشير تناور وتستخدم الوقت لصالحها. وبخلاف الاساليب الدبلوماسية جاء هذا الاعلان بصورة مسرحية وعقب اجازة عيد المحاربين.. وعندما سئل السكرتير العام عن موقفه من اعلان الرئيس بوش تشديد العقوبات علي السودان جاء رده صريحا وواضحا: 'ان هذا هو الموقف الامريكي واعتقد ان المجتمع الدولي سيستمر في التعامل مع قضية دارفور من خلال القنوات الدبلوماسية حيث انها مازالت نشطة....'. وعلي الرغم من التقدم البطيء ومحاولات التغلب علي المخاوف السودانية بمشاركة مصر فإن الملف لم يغلق وبالتالي لا يريد سكرتير عام الاممالمتحدة تصعيد الموقف استجابة لمطالب سياسية امريكية داخلية.. وقد أعلنت واشنطن ان الادارة تريد الضغط علي الاقتصاد السوداني بمنع بعض الشركات السودانية الكبيرة من التعامل مع الجهاز المصرفي الامريكي والحد من تعاملها بالدولار وذلك حتي يقوم الرئيس السوداني عمر البشير بوقف عمليات العنف في دارفور ولكن هذه العقوبات لن تؤثر علي انتاج السودان للبترول وتصديره وهي قضية تهم واشنطون في الوقت الحالي خاصة علي ضوء زيادة سعر البترول في السوق العالمي. وقد أعلن اندرو نتسيوس المبعوث الامريكي للسودان ان بلاده لا تريد السعي إلي العقوبات بل تريد ان تبعث برسالة عاجلة للسودان لتسوية قضية دارفور. وعلي الرغم من ان الاتحاد الاوروبي قد ابدي استعداده للتمادي مع واشنطون في عملية الضغط الاقتصادي علي السودان فإن الصين وروسيا تعارضان هذا التوجه ومن المعروف ان انتاج السودان من البترول قد تزايد في السنوات الاخيرة بمساعدة شركات حكومية من الصين والهند وماليزيا.. وقد وصل انتاج السودان من البترول الي 500 الف برميل يوميا مما ساعد علي تحقيق نمو اقتصادي وطفرة واضحة في مجال التعمير والاسكان. وتستهدف العقوبات الامريكية الاخيرة حوالي 30 شركة سودانية حكومية منها خمس من الشركات العاملة في مجال البتروكيماويات وشركة الاتصالات التليفونية وقد وضعت هذه الشركات ضمن القائمة السوداء التي تضم حاليا اكثر من مائة شركة سودانية... ومن هذه الشركات شركة النيل العظيم للبترول وهي شركة سودانية صينية. ومن المعروف ان واشنطن تسعي الي فرض حظر علي تصدير السلاح للسودان وفرض حظر طيران فوق اقليم دارفور وهو امر لا يمكن ان يتم لمعارضة الصين وتلويحها الصريح باستخدام الفيتو.