موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    وزيرة التنمية المحلية: إزالة 4623 مخالفة بناء فى عدد من المحافظات    وزراء نتنياهو يهاجمون الاحتجاجات ويعتبرونها مكافأة لحماس    حركات فلسطينية مكثفة في الأمم المتحدة لدعم حل الدولتين    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    قمة إنجليزية.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض الحرارة والعظمى تسجل 31 درجة    تشكيل فريق طبي لمتابعة حالات مصابي حادث انقلاب أتوبيس نقل عام بطريق أسيوط الصحراوي الغربي    الفرح تحول إلى مأتم.. مصرع 4 شباب وإصابة 5 آخرين في زفة عروس بالأقصر    انتهاء امتحان اللغة الأجنبية الثانية الدور الثاني للثانوية العامة    إنقاذ شخص تعطل به مصعد داخل مول بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 11 مليون جنيه خلال 24 ساعة    أحمد السعدني للراحل تيمور تيمور: محظوظ أي حد عرفك    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    إصلاح الإعلام    البوصلة    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    السيسي يوجه بزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 17 أغسطس 2025    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    تدق ناقوس الخطر، دراسة تكشف تأثير تناول الباراسيتامول أثناء الحمل على الخلايا العصبية للأطفال    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    مواقيت الصلاة في محافظة أسوان اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    لأول مرة بجامعة المنيا.. إصدار 20 شهادة معايرة للأجهزة الطبية بمستشفى الكبد والجهاز الهضمي    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    تعليق مثير فليك بعد فوز برشلونة على مايوركا    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    الأردن يدين بشدة اعتداءات الاحتلال على المسيحيين في القدس    كيف تتعاملين مع الصحة النفسية للطفل ومواجهة مشكلاتها ؟    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا ما بعد الانتخابات
نشر في أخبار مصر يوم 25 - 12 - 2010

كم كنت أتمني أن أكون مخطئا فيما يخص المعركة الانتخابية ويثبت لي بالدليل والبرهان أن ما قدمته من دلائل وبراهين في مقالات سابقة قد جانبها الصواب حتي لا أفقد صحبة قراء وزملاء‏.
ولكن ما يحدث هو أن جماعة منا سدت أذنها عن الاستماع لحجج أخري‏,‏ وحجبت عن أعينها ما جري سواء لمصر خلال السنوات الماضية أو للأحزاب السياسية علي جانبي الحكم والمعارضة‏,‏ ولم يعد بمستطاعها الإجابة عن أسئلة منطقية من نوعية نسبة التجاوزات التي جرت في الانتخابات إلي حجم المقاعد المتنافس عليها‏(508)‏ أو عدد اللجان الانتخابية التي ذهب إليها الناس للانتخاب‏(44‏ ألفا‏)‏ أو البحث في التغيير الذي جري في الحزب الوطني الديمقراطي ومصر خلال السنوات الماضية‏.‏
ولم يجد أحد أبدا الشجاعة في الفضائيات التليفزيونية أو الصحف المعارضة والمدعية الاستقلال للبحث في أسباب فشل الأحزاب في إدارة المعركة الانتخابية علي أساس أن واجب المواطن الأساسي هو انتخاب المعارضة حتي تثبت الديمقراطية وترتفع أعلامها‏.‏ أما البحث في كيفية اختيار المرشحين‏,‏ ومتي وكيف تم ذلك قبيل المعركة الانتخابية‏,‏ وأشكال الدعاية التي وضعت لهم‏,‏ وتاريخهم السياسي والاجتماعي في الدوائر التي ترشحوا فيها‏.‏ فكل ذلك تم إسقاطه من التقييم عمدا أو سهوا أو هروبا من الحقيقة والواجبات التي ترتبها في المستقبل لأن معني ذلك مراجعة كبري من جانب جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها المحظور سواء من قبل أعضائها أو المتعاطفين معها‏,‏ ومعناه أيضا أن تعيد الأحزاب بناء تنظيمها بحيث يدخل فيها عنصر الاحتراف السياسي الذي يوفر للحزب المعلومات عن الدوائر ويحللها ويضع أمام قيادة الحزب مزاياه السياسية التنافسية ووسائل الوجود الفعلي علي أرض الانتخابات وليس علي شاشات التليفزيون‏.‏
وما كان مدهشا أكثر من القراء والكتاب أن أحدا لا يريد الرجوع إلي تاريخ الانتخابات المصرية ويبحث فيها عن الأرقام التي تهدينا حول توصيف ما جري‏.‏ ولا يوجد لدينا ولا لدي العالم من تقييم لمدي نزاهة العملية الانتخابية قدر مراجعة ما حدث للطعون التي قدمها المرشحون باعتبارها في النهاية تعبر عن حجم الشكوي مما جري‏,‏ فضلا عن مدي المصداقية التي تمتعت بها هذه الاعتراضات من خلال أحكام المحاكم المختصة في هذا الشأن‏.‏ وعلي سبيل المثال وصل عدد الطعون التي قدمت في صحة عضوية عدد من النواب الفائزين في انتخابات عام‏2005‏ إلي‏482‏ طعنا‏,‏ فيما وصل عدد الطعون علي عموم انتخابات مجلس الشعب‏2005‏ التي تلقتها محكمة النقض حتي يوم‏4‏ مارس‏2006‏ إلي‏1028‏ طعنا‏.‏ ولكن الثابت أن عدد النواب الذين صدرت بحقهم تقارير من محكمة النقض تقضي ببطلان فوزهم‏,‏ بلغوا‏77‏ عضوا‏,‏ من بينهم‏58‏ ينتمون إلي الحزب الوطني‏,‏ و‏15‏ لجماعة الإخوان المسلمين‏,‏ و‏2‏ لحزب الوفد‏,‏ و‏2‏ من المستقلين‏.‏
وهنا يلاحظ أنه رغم العدد الكبير من الطعون فإن من صدر بحقهم‏-‏ وهم من أحزاب وجماعات مختلفة‏-‏ حكم لم يزد علي‏17%‏ من عدد الأعضاء وهو ما يعطي صورة عن الحجم الهائل من المبالغة في الحديث عن التزوير في الانتخابات‏,‏ فضلا عن الإشارة للطبيعة المحلية لعدد كبير من المخالفات التي تقوم استنادا إلي تركيبات اجتماعية لا تختلف فيها جماعة من المصريين عن الأخري‏.‏
المسألة الآن أن لدينا أرقاما مماثلة‏,‏ أو قريبة منها عن الانتخابات الحالية التي لم تبرد نارها بعد‏,‏ وربما كان علينا أن ننظر إليها ونتمعن فيها لكي نعرف مستقبل التجاوزات والمخالفات في هذه الانتخابات ونضعها في حجمها الصحيح‏.‏ وقد وصل العدد الإجمالي للطعون الانتخابية في صحة عضوية النواب الفائزين بالانتخابات إلي‏1150‏ طعنا‏.‏ وقد بلغ عدد الطعون في انتخابات الجولة الأولي التي أحالتها أمانة مجلس الشعب إلي محكمة النقض‏288‏ طعنا انتخابيا‏,‏ كان اللافت فيها أن من بينها‏110‏ طعون قدمها مرشحون للحزب الوطني ضد نواب من الحزب نفسه فازوا في الانتخابات‏,‏ و‏178‏ طعنا قدمت من جانب المرشحين الآخرين‏,‏ من دون جماعة الإخوان المسلمين المحظورة التي لم يتقدم مرشحوها في الانتخابات بأي طعن في النتيجة‏.‏
وليس معلوما بعد العدد الذي سوف تصل إليه الطعون الانتخابية التي لا يمكن تقدير مدي جديتها وحكمها علي الانتخابات ونزاهتها ما لم نر أحكام المحاكم بشأنها‏.‏ أعلم أن هناك من سيطرح بأن مثل هذه الأحكام ليست حاكمة بصحة العضوية في النهاية‏,‏ ولكن ذلك في النهاية ينقلنا إلي المجال الدستوري وأحكامه وهي تستحق بالفعل مناقشات أخري‏,‏ ولكن لا يوجد لدينا معيار آخر نحكم به‏,‏ وغير ذلك لا يوجد فيه إلا حالة من التفكير الجماعي ترفض رؤية الفجر عند ظهوره‏,‏ وتظن النور لا يظهر إلا إذا الديك صاح‏.‏
بعض من هذا العمي عن الحقيقة يجري تغذيته بدأب شديد وفي نوافذ إعلامية عدة‏,‏ وكلها تدفع في اتجاه تجاهل ما يجري فوق أرض الوطن‏.‏ فبعد الحكم علي زيف الانتخابات‏,‏ جري حكم آخر بأن مصر بحر جاف لا ماء فيه ولا حياة بعد أن نضبت فيها كل المنابع ولم يبق هناك سوي حفرة كبيرة‏,‏ فلم يعد بمقدور أحد أن يعبر إلي الضفة الأخري‏,‏ لا فوق ظهر سفينة ولا سباحة ولا حتي غوصا‏.‏ الواقع علي عكس ذلك يشهد‏,‏ فمصر بحر متلاطم يموج فيه تغيرات وتحولات كبري في الجغرافيا والديموغرافيا والتكنولوجيا والاستثمار والإعلام والفكر والاتصال بالعالم علي الاتجاهات كافة‏.‏
لقد طرحنا في هذا المكان وغيره من قبل حجم المياه المتدفقة إلي البحر المصري سواء ما تعلق منها بمضاعفة مساحة الأرض المأهولة بالسكان‏,‏ أو تلك الزيادة في مساحة الأرض الزراعية‏-‏ فضلا عن المساحة المحصولية‏-‏ بعد عقود طويلة كان ما يضاف فيها من أرض زراعية يساوي بالكاد ما تم تجريفه إلي حضر‏.‏ كما طرحنا في هذا المكان وغيره وبالأرقام المدققة ما تم من تغير في سياسات الإسكان وبناء الحضر الجديد في مصر سواء كانت في مجموعة من المقالات تحت عنوان رسالة العمران وأخري تحت عنوان أقاليم التنمية الدفاعية‏,‏ ومنذ أيام نشر الأهرام تعليقا مهما ومطولا من الأستاذ الدكتور عثمان محمد عثمان أشار فيه إلي أقاليم التنمية المصرية التي وإن اختلفت في تفاصيل كثيرة‏,‏ إلا أنها تمضي في نفس الرؤية المستقبلية التي تضع مصر كلها علي طريق العمران والتنمية‏.‏ هذا الطريق ليس نوعا من الأماني الوردية ولكن أصوله موجودة بالفعل في‏23‏ مدينة حديثة يبلغ عدد سكانها حاليا أربعة ملايين نسمة‏,‏ ومعها شبكات من الطرق الحديثة التي تربط الوادي بالبحر‏,‏ والصحراء بالماء‏,‏ وعلي الضفاف كلها توجد مشروعات‏44‏ مدينة جديدة ممتلئة بحياة ومياه عذبة جديدة‏.‏
وربما لا يدل علي تلاطم أمواج البحر المصري قدر ذلك الحوار والنقاش حول التعامل مع الأرض المصرية التي لم تكن حتي وقت قريب موضوعا من موضوعات السياسة المصرية‏.‏ وربما كان آخر المرات التي طرح فيها الموضوع بشدة علي الفكر المصري خلال عقد الثمانينيات حينما اشتدت نوبات تجريف الأرض الزراعية نتيجة جهل أجيال بعد أجيال أن مساحة مصر الكلية تزيد علي مليون كيلومتر مربع يمكنها أن تستوعب كل احتياجات المصريين‏.‏ وخلال العامين الأخيرين دار نقاش موسع حول خيارات عديدة للتعامل مع الأرض المصرية‏,‏ تتمثل في‏:‏
أولها‏,‏ ترك هذه الأرض لتكون صحراوية جرداء‏,‏ وقد نتج عن هذا الإهمال تزايد ظاهرة الاعتداء علي الأراضي الزراعية في غالبية المحافظات المصرية‏,‏ فيما يطلق عليه في وسائل الإعلام ب مافيا الأراضي‏.‏ وعلي الرغم من الإجراءات الصارمة والعقوبات المقررة علي مخالفات التعديات بالبناء علي الأراضي الزراعية‏,‏ إلا أنها مازالت قائمة‏,‏ سواء في الحضر أو الريف‏,‏ ولكنها تتزايد في الريف‏.‏
ثانيها‏,‏ ازدياد المناطق العشوائية‏,‏ التي تعد تجمعات سكانية نشأت في غياب التخطيط العام‏,‏ وخروجا عن القانون‏,‏ وتعديا علي أملاك الدولة‏.‏ لكن هناك بعض التجارب المضيئة في مواجهة بعض المناطق العشوائية في مصر مثل تطوير منطقة زينهم في حي السيدة زينب‏.‏ ومؤخرا أصبح هناك تركيز كبير علي معالجة القضية حتي باتت مصر تعد من أفضل‏20‏ دولة من حيث جهود تحسين أوضاع العشوائيات في العالم‏,‏ وحصلت علي المرتبة الخامسة في مؤشر انخفاض نسبة سكان الحضر الذين يعيشون في العشوائيات بعد إندونيسيا والمغرب والأرجنتين وكولومبيا‏.‏
ثالثها‏,‏ استغلال هذه الأرض‏,‏ سواء من خلال القطاع الخاص المصري أو المستثمر الأجنبي‏,‏ حتي يتم استكمال الاتجاه نحو إنشاء مدن صغيرة متكاملة‏,‏ تمتزج فيها السياحة الأجنبية والمحلية بالترفيه والسكن‏,‏ ويقف الكل علي أبواب مرحلة جديدة تدخل إلي عمق الصحراء في مدن مليونية كبيرة تمس البحر وتقع في الصحراء‏,‏ وتمتزج فيها الزراعة بالصناعة والسكن والعمران‏.‏
موقفنا من معالجة قضية الأرض في مصر تم تسجيله من قبل‏,‏ ولكن ما يهمنا أنه في زمن آخر لم يزد الاهتمام بالأرض المصرية أكثر من مشروع مديرية التحرير‏,‏ وربما وضع الرئيس السادات بذرة التطور في استغلال الأرض عندما طرح مشروعات المدن الجديدة‏,‏ ولكن التاريخ الحالي لم يشهد فقط ازدهار هذه المدن بل وقوعها ضمن البحر الكبير لعملية التنمية في مصر كلها‏.‏
والمدن في بحر الأوطان ليست مساكن صماء‏,‏ وإنما هي تعبير عن الظهور الواضح للطبقات الاجتماعية خاصة زيادة حجم الطبقة الوسطي الذي أخذت في الاتساع طوال العقود الثلاثة الماضية حتي باتت تحصل علي‏62%‏ من إجمالي الدخل القومي للبلاد‏.‏ وما ساعد علي بروزها في تلك المرحلة أنه قد طرأت متغيرات عدة تتعلق بتكنولوجيا المعلومات وتطور الاتصالات والاندماج في السوق العالمي وتطبيق سياسات الخصخصة والإصلاح الاقتصادي ونشأة الجامعات الأجنبية‏,‏ بما انعكس علي الشرائح المجتمعية المكونة لها‏.‏
ومن هنا‏,‏ حدث تغير في طبيعة الوظائف التي يشغلها الجيل الجديد من المصريين‏,‏ حيث صارت نوعية الشاب المصري تتحدث عن حجم دخلها‏income‏ وليس مفردات مرتبها‏salary,‏ الناتج عن العمل في أماكن متعددة وربما تخصصات مختلفة‏,‏ في حين يوجد مصدر واحد للمرتب‏,‏ وهو الوظيفة الحكومية التقليدية‏.‏ وقد صار هناك شباب حديثو التخرج في الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة يفضلون العمل الخاص عن العمل الحكومي‏,‏ وخاصة في قطاعات البنوك والمصارف والبورصة والشركات الاستثمارية الأجنبية والسياحة وشركات التليفون المحمول والتكنولوجيا‏(IT).‏ كما أن أحد مظاهر التوسع بل التغير الذي طال الطبقة الوسطي المصرية هو بروز شريحة من صغار‏(‏ شباب‏)‏ رجال الأعمال ويقدر عددهم بنحو أربعة ملايين نسمة‏,‏ وتتراوح أعمارهم ما بين‏25‏ و‏45‏ عاما‏,‏ ويمثلون مختلف قطاعات الأعمال‏.‏ وقد أسهم الصندوق الاجتماعي للتنمية في ذلك‏,‏ من خلال تقديم قروض ميسرة لأكبر عدد من المستفيدين وتدريب صغار المستثمرين علي إقامة المشروعات الصغيرة وإدارتها‏.‏ وهناك قصص نجاح بارزة في التعامل مع الصندوق‏,‏ ليس هنا المجال للخوض فيها‏.‏
البحر ممتلئ حتي آخره بالمياه‏,‏ وأمواجه متلاطمة بالحراك السياسي وأكثر منه الحراك الاقتصادي والاجتماعي‏.‏ واليوم ينعقد مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي ويقع علي عاتقه إعادة التحالف المدني السياسي إلي سابق عهده قبل الانتخابات وجروحها‏.‏ ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو المضي قدما في الإبحار نحو آفاق جديدة للتقدم والتغيير في مصر انطلاقا من نقطة أساسية هي الاستثمار الذي يطلق عنان الطبقة الوسطي وقدراتها الخلاقة لبناء البلاد وتعميرها كوحدة واحدة لا فارق فيها بين بر وبحر‏,‏ ولا يابسة وماء‏.‏
والمهمة هنا ليست سهلة بالمرة‏,‏ والعقبة ليست موجودة فقط في جماعة البحار الجافة التي تحارب كل رياح التغيير في مصر‏,‏ ثم بعد ذلك لا يوجد لديها إلا الشكوي من الركود‏,‏ ولكنها موجودة في أكثر من ناحية‏.‏ فمن جانب يواجه المستثمر المصري مجموعات من المخاطر التي يواجهها كل المستثمرين في العالم والقادمة من الهيكل والنظام الاقتصادي‏,‏ وتؤثر علي المستثمرين بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة‏,‏ ولا تقتصر علي قطاع محدد أو نشاط معين‏.‏ ويندرج تحت هذا النوع من المخاطر ما يتعلق بتقلبات الدورة الاقتصادية من رواج وكساد وتذبذبات العرض والطلب وكذلك ارتفاع وانخفاض أسعار الفائدة والقيمة الشرائية والتضخم وهو ما يعني تدني القيمة الحقيقية للأموال والتقلبات في سوق الأوراق المالية‏,‏ ويدخل فيها أيضا بعض الأحداث الداخلية التي تؤثر علي الوضع الاقتصادي في هذه الدولة أو تلك‏,‏ فضلا عن تأثير السوق الخارجية‏.‏
ومن جانب آخر توجد مخاطر غير منتظمة مثل مخاطر الصناعة التي تنتج عن أوضاع خاصة بهذا القطاع الحيوي‏,‏ فضلا عن مخاطر الدورة التجارية‏,‏ وارتفاع أسعار المواد الأولية مثل البنزين والسولار‏,‏ فضلا عن اعتبار المنافسة السوقية ودخول منافسين جدد في نفس النشاط‏,‏ والتغيرات التي تطرأ علي أذواق المستهلكين‏,‏ فضلا عن الأزمات المالية والاقتصادية غير الدورية‏,‏ والتوقف عن سداد الالتزامات‏.‏ وهناك ما يسمي مخاطر إعادة الاستثمار‏,‏ التي تنشأ عند قيام المستثمر باسترداد أمواله المستثمرة‏,‏ بهدف استثمارها في فرص استثمارية أخري ذات عوائد يفترض أنها كبيرة من وجهة نظره مقارنة بالعائد المنتظر في الاستثمار السابق‏.‏
ولكن كل ذلك هو ما يعتاده المستثمرون في العالم‏,‏ ولكن داخل مصر توجد مخاطر خاصة آن أوان التخلص منها حيث يواجه رجال الأعمال والمستثمرون تعقيدات إدارية تعترض طريق تحويل وتنفيذ الأفكار إلي مشروعات‏,‏ وهو ما يرجع إلي العقلية البيروقراطية والتوجيهات المركزية والإجراءات الروتينية الموجودة في مكاتب موظفي الدولة في جميع المجالات‏.‏ فالمستثمر يواجه معوقات عدة تتعلق بالتراخيص والموافقات والاتصالات وغيرها وأساليب ووسائل دخول السوق والخروج منها‏.‏
كما تتمثل مشكلات المستثمرين في نقص الأراضي الصناعية وضعف شبكات النقل وتدهور الطرق وندرة العمالة المدربة وإغراق المنتجات الأجنبية وخاصة الصينية للأسواق المصرية‏.‏ وتتطلب المرحلة المقبلة المضي قدما في تحسين الإجراءات السابق ذكرها‏,‏ لأن عدم الالتزام بها يعني تراجع فرص الاستثمار وضعف فرص العمل وزيادة معدلات البطالة‏,‏ مع المحاربة الدورية للإجراءات البيروقراطية التي تعوق النمو الاقتصادي لمصر‏,‏ فضلا عن إنجاز المشروعات التي من شأنها جعل القطاع الخاص شريكا أساسيا في التنمية‏.‏ كما حدثت زيادة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي مصر‏.‏ ورغم ذلك كله علي أهميته نحتاج إلي تحقيق المزيد من الاستثمارات ومجاراة الدول التي تسعي مثلنا إلي الخروج من دائرة الفقر إلي عالم الغني‏,‏ وهو ما يستلزم دورا بارزا للقطاع الخاص‏.‏
ولعل أخطر ما يواجهه المستثمر المصري هو المناخ المعادي لفكرة الاستثمار ذاتها‏,‏ ورغم أنه لا تخلو مقالة أو برنامج تليفزيوني أو ندوة أو مؤتمر من الإشادة بالتجارب التنموية في ماليزيا وتركيا ومؤخرا البرازيل وجنوب أفريقيا والمكسيك‏;‏ فإن أحدا بعد ذلك ليس علي استعداد لتبني وسائل تقدمها وقدرتها علي جذب الاستثمارات الأجنبية التي هي في النهاية الوسيلة لربط مصر بالسوق العالمية‏,‏ ورفع القدرات الاستثمارية المحلية إلي آفاق عالمية‏.‏ وبصراحة تحتاج مصر خلال الأعوام الخمسة المقبلة إلي‏100‏ مليار جنيه لتطوير وتحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب وغيرها من المشروعات المتعلقة بالبنية الأساسية للدولة‏,‏ وسوف توفر الموازنة العامة للدولة ما بين‏30‏ إلي‏40%‏ فقط من هذه الاحتياجات وسيسهم القطاع الخاص بالنسبة المتبقية‏.‏
ولكن ما تحتاجه مصر كلها أكثر من ذلك لكي يتم استيعاب جميع الأقاليم التنموية ودفعها إلي الأمام وهو ما لن يتأتي إلا بإجمالي استثمارات تتجاوز التريليون جنيه مصري لا يمكن الحصول عليها إلا بتعبئة أفضل للموارد المحلية الخاصة‏,‏ واستخدام أحسن حالا للأصول العامة‏,‏ وقدرة أعظم علي جذب رأس المال الأجنبي بحيث يزيد علي مثلي ما حدث خلال السنوات الخمس السابقة‏.‏
هذا هو ما يتوقعه المواطن المصري من الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ بل من باقي الأحزاب المدنية المصرية‏,‏ أن يكون التفكير والتدبير‏,‏ والسياسة في عمومها‏,‏ ليست صياحا يكتشف بعضنا خواءه في ساعات متأخرة‏,‏ وإنما هي دعوة كبري للبناء والتغيير‏.‏
*نقلا عن صحيفة الاهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.