بعد تردد طويل وحسابات شديدة التعقيد, أتصور أن فلسطين والسلام الحقيقي العادل بريئان منهما( التردد والحسابات), أعلنت ماتسمى بلجنة المبادرة العربية ماظلت متلعثمة في النطق به طيلة الأشهر, وربما السنوات الماضية من عمر عملية السلام ردا على الفشل الأمريكي في إجبار إسرائيل على تجميد الاستيطان في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية المحتلتين كشرط لاستمرار المفاوضات المباشرة. ففي اجتماعات بمقر جامعة الدول العربية يوم الأربعاء الماضي5 ديسمبر الحالي قررت هذه اللجنة التوجه إلى مجلس الأمن لطلب وقف الاستيطان, كما قررت عدم استئناف المفاوضات قبل تقديم واشنطن عرضا جديا يوضح مرجعيات التفاوض وأسسه. هذا الموقف جاء في عقب اعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية بعطل دائم للمفاوضات المباشرة التي كانت فرضتها الإدارة الأمريكية على العرب قبل أربعة أشهر تقريبا بديلا لمفاوضات أخرى غير مباشرة استجابة لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو, والتي كانت هذه الإدارة قد تنبأت بأن تسفر هذه المفاوضات المباشرة عن اتفاق سلام حول حل الدولتين بحلول سبتمبر2011. وبررت الوزيرة الأمريكية قرار التخلي عن خيار المفاوضات المباشرة بأن الإطراف في هذا الصراع كانوا, في أحيان كثيرة غير مستعدين لاتخاذ الخطوات اللازمة. معنى هذا أن وقف المفاوضات المباشرة جاء بمبادرة أمريكية وليس بمبادرة عربية, وأن الأمريكيين, وليس العرب, هم من قرروا التخلي عما سبق أن فرضوه لعجزهم عن إجبار حكومة إسرائيل على القبول بصفقة إغراءات غير مسبوقة مقابل تجميد الاستيطان ثلاثة أشهر غير قابل للتمديد, ورغبتهم في فرض خيار آخر بديل عن هذه المفاوضات المباشرة لتفادي عقبة تجميد الاستيطان, هو ما أفصح عنه المبعوث الأمريكي لعملية التسوية جورج ميتشل في لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن. ويتلخص في أن تلعب واشنطن دورالوسيط في مفاوضات يرفض هو تسميتها بمفاوضات التقريب, وأطلق عليها مسئول أمريكي آخر اسم مفاوضات موازية بمعنى أن يكون الدور الأمريكي الجديد هو التنقل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحمل أفكارهم وتصوراتهم وردود فعلهم في محاولة هدفها ايجاد الفرصة لتقريب مواقف الطرفين دون مرجعية سياسية ودون تصور لحل ما. على هذا النحو نستطيع أن نقول أننا أمام مشاهد ثلاثة تستحق التأمل: المشهد الأول هو المشهد الإسرائيلي الذي تمسك بموقفه المبدئي الرافض للمساومة على سياسة الاستيطان أيا كانت الإغراءات وحتى لو كانت الصفقة الأمريكية شديدة الإغراء التي تضمنت وعودا سياسية وتعهدات أمنية ومساعدات عسكرية غير مسبوقة لإسرائيل مقابل مجرد تجميد سياسة الاستيطان ثلاثة أشهر فقط لإقناع الفلسطينيين والعرب باستئناف المفاوضات المباشرة التي توقفت في سبتمبر الماضي مع انتهاء مهلة تجميد الاستيطان السابقة. الإسرائيليون رفضوا هذه الصفقة لسببين: أولهما أنهم لايقبلون أي مساومة بما يعتبرونه بحق الاستيطان في الضفة الغربية, أما الاستيطان في القدسالشرقية فإنهم يرفضون أي إشارة أو تلميح يتحدث عن تشكيك في أن القدسالشرقية هي من القدسالغربية عاصمة موحدة لدولة إسرائيل, وليس من حق أي أحد أن يتعرض من قريب أو بعيد لما يراه الإسرائيليون حقوقا سيادية في عاصمتهم. أما السبب الثاني فهو لصيق بالسبب الأول وهو أنهم ليسوا مع خيار حل الدولتين وليسوا مع التسرع بحل دائم, لأنهم أولا وأخيرا لايريدون السلام الذي يتحدث عنه العرب, وبالتحديد من يسمونهم بالعرب المعتدلين( مبدأ الأرض مقابل السلام والانسحاب إلى حدود عام1967). فهذا السلام ليس خيارا إسرائيليا, هم يتحدثون عن السلام مقابل الأمن ولايفكرون في الانسحاب من أي أرض, وهدفهم هو تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية خالية من كل العرب, والحل عندهم هو البحث عن وطن بديل للفلسطينيين. ومن هنا يجيء تسويف دعوة حل الدولتين إما عن طريق الحديث عن حل مرحلي على غرار مقترح الجنرال شاؤول موفاز رئيس الأركان الأسبق رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست وداني أيالون نائب وزير الخارجية, أي حل مؤقت لدولة فلسطينية مؤقتة على حدود 60% من أرض الضفة الغربية وقطاع غزة وإرجاء قضايا الحل النهائي لسنوات قد تمتد طويلا. وأما عن طريق حل الدول الثلاث الذي جاء على لسان جون بولتون أحد أبرز الصقور الأمريكية الصهاينة الذي يدعو إلى الاعتراف بإعادة قطاع غزة للمصريين, وإعادة الضفة الغربية للأردن إضافة الى إسرائيل وماتريده من ضم لمستوطناتها من أرض الضفة. وإما من خلال تجديد دعوة السيطرة الإسرائيلية على كل أراضي فلسطين وجعل الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين على نحو مايسعى الآن حزب هتيلغاه الصهيوني اليميني برئاسة عضو الكنيست أرييه الداد الذي نظم منذ أيام مؤتمرا في إسرائيل لهذا الغرض تحت عنوان الوطن البديل حضره النائب اليميني المتطرف من حزب الحرية الهولندي جير فيلدرز. أما المشهد الثاني فهو المشهد الأمريكي وهو مشهد جديد أكده التراجع الأمريكي عن التمسك بوقف الاستيطان كشرط للمفاوضات المباشرة, وفرضته النتائج الأخيرة لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي جاءت في غير صالح الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحزبه الديمقراطي وفرضت سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الكونجرس, وفوز الصقور الجمهوريين برئاسة اللجان الأساسية. فعلي مايبدو أن الرئيس أوباما قد استوعب الدرس جيدا بعد هذه الانتخابات وتأكد ان الانحياز المطلق لإسرائيل, وليس لأي شيء آخر هو أهم ضمانات الفوز في الانتخابات, وأنه بات مطالبا بالانقلاب على نفسه وعلى وعوده وقناعاته كي يضمن التجديد لفترة رئاسية ثانية ويصحح في الفترة المقبلة ما أفسدته سياساته في العامين الماضيين التي جرى تفسيرها بأنها تعمل في الاتجاه الذي لاترضى عنه إسرائيل. موقف الإدارة الأمريكية الجديد من المفاوضات هو مجرد خطوة أولى في طريق تراجع الإدارة الأمريكية ورئيسها, تراجعات قد تصل الى مرحلة غير متوقعة من التطرف في دعم إسرائيل في محاولة للمزايدة على المنافسين المرجح دخولهم في سباق انتخاب الرئاسة المقبلة بعد عامين فقط وعلى رأسهم جون بولتون صاحب دعوة حل الدول الثلاث الذي أشرنا إليه والداعي إلى وقف التوجه الأمريكي نحو التركيز على ملف تسوية ما يسمى الآن بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني( الاسم البديل للصراع العربي الصهيوني) والتركيز على الملف النووي الإيراني واللجوء إلى الخيار العسكري لإنهاء خطر إيران النووي. يأتي المشهد الثالث الذي يفضل أن يسمى بالمشهد المأساوي أي المشهد العربي, الذي لم يستطع أن يقول كلمة حق أمام الفشل الكامل لما يسمى بعملية التسوية وتداعي جدارة ونزاهة الشريك الأمريكي, وجاء موقفه متخاذلا محاصرا ومحددا في اللجوء إلى مجلس الأمن ليس من أجل البحث عن بدائل جديدة لهذه العملية التي تديرها أمريكيا بل اللجوء إلى مجلس الأمن فقط من أجل البحث عن حل لمشكلة الاستيطان. هذا الموقف ليس جديدا لاغريبا فالنظام العربي دخل هذه المفاوضات مضطرا وخاضعا للضغوط الأمريكية دون أي أفق لأي بديل في حال فشل هذه المفاوضات, لذلك سيبقى السؤال يفرض نفسه. ماذا سيفعل العرب إذا استخدم الصديق الأمريكي الفيتو وهذا أمر مؤكد في حالة طرح العرب مشروعا يطالب إسرائيل بوقف سائر الاستيطان؟ منذ أيام قليلة, وفي تصريحات مشتركة مع وزير الخارجية الإسترالي كيفن راد في القاهرة قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إن مصر ستستمع إلى الرؤية الأمريكية بالنسبة لوضع عملية السلام الراهن وسنتفهم منحى التفكير الأمريكي في هذا الشأن مع قدوم السيناتور جورج ميتشل وتابع: لعل الجانب الأمريكي الآن توصل إلى نتيجة أننا يجب ان نركز على مايسمى بنهاية اللعبة. وجاء ميتشل وكشف عن أوراق إدارته ورحل وليس في ذهنه أي نهاية للعبة يراها الإسرائيليون والأمريكيون فرصتهم التاريخية لتحقيق طموحات تاريخية لتبقى اللعبة دون أن تجد من يعلن نهايتها. نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية