تؤكد المشاركة العربية في مؤتمر المصالحة الصومالية أخيرا بالعاصمة مقديشو استمرار الدور العربي في مساندة جهود الحل علي المستوي السياسي, إلي جانب مساهمة الجامعة والدول العربية في عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية علي مدي سنوات الأزمة. فبناء علي استجلاء طبيعة الموقف الأمني بمقديشو بالقدر الذي يسمح بالمشاركة جاء حضور السفير سالم الخصيبي مبعوث الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي مؤتمر المصالحة بصفة مراقب. وقد تبدو هذه المشاركة محدودة لكن مغزاها أكبر من ذلك فهي, تشكل نوعا من الاعتراف بالأمن النسبي في مقديشو, ومحاولة لتشجيع أطراف دولية أخري علي حضور المؤتمر الذي لم يشارك في افتتاحه من غير الصوماليين سوي ممثلي كينيا واثيوبيا في حين عاد مبعوث الاتحاد الإفريقي إلي نيروبي في نفس يوم الافتتاح. كما ان مشاركة الجامعة تنهي اتهامات صومالية غير حقيقية للجامعة بأنها تساند المحاكم الإسلامية المعارضة, فلا يمكن أن تساند الجامعة العربية المرتبطة اساسا بالحكومات المحاكم, فمعظم الهجمات علي القوات الحكومية والقوات الاثيوبية المساندة لها وتستهدف تعطيل مؤتمر يحمل عنوان المصالحة تنسب لميليشيا المحاكم في الوقت الذي تساند فيه الجامعة المصالحة الشاملة. والمعروف أن سبب الهجمات هو عدم تمثيل المحاكم في المؤتمر كمؤسسة موازية للحكومة الصومالية, فضلا عن أن المحاكم تعرف من واقع الخبرة الصومالية مع مؤتمرات المصالحة أن نتائج المؤتمر ستتأثر بالجهة المسيطرة أمنيا علي مكان انعقاده, وهي في هذه الحالة الحكومة الصومالية والقوات الاثيوبية, والأخيرة ترمز لمزيج من علاقات الاستجارة والجوار التي شهدت تحول اثيوبيا لمأوي للصوماليين الفارين من الحرب الداخلية وملاذ لمؤتمرات مصالحة جزئية واداة للسيطرة علي بعض الصوماليين الاعداء لصالح حلفاء أديس أبابا ومن ثم الدخول في حروب مستمرة. وهكذا تخلصت الجامعة بمشاركتها في المؤتمر من محاولة اتهامها بأنها ضد التمثيل الحالي للاطراف التي كان يجب أن تشارك في مؤتمر المصالحة بالرغم من أن الاطراف المشاركة في المؤتمر لا تشمل اطرافا تعلن مقاطعتها له, ومثال علي ذلك إلي جانب المحاكم الإسلامية سياسيون منشقون عن الحكومة والبرلمان وجناح معارض من قبيلة الهوية التي لها دور أساسي في منطقة العاصمة التي يعد عدم الاستقرار فيها مؤشرا علي أن قلب المشكلة الصومالية مازال متوترا وأن الحل السياسي لم يكتمل. وهذه المقاطعة لا تختلف عما كان يحدث في الكثير من مؤتمرات سابقة للمصالحة وكان يترتب عليها أن قرارات المصالحة تتحول إلي حبر علي ورق ويصبح من الضروري عقد مؤتمر جديد للمصالحة. وبالنظر إلي الظروف التي سبقت المؤتمر يمكن القول إن الاطراف التي اجمعت علي غياب تمثيل المحاكم الإسلامية هي صاحبة أجندة خاصة بها لا تعمل لصالح الصومال المستقر, وصحيح أن هذه الاطراف تعمل لصالح الحكومة الصومالية المؤقتة, وهي القوة الرئيسية بالصومال حاليا لكن صانع القرار فيها أي الحكومة يتأثر بذلك الماضي الممزوج بالصراع مع قيادات المحاكم. كما أن وجود القوات الاثيوبية يعني وجود قوات تشبه قوات الاحتلال مما يجعل التجربة الصومالية قريبة من التجربة العراقية التي تعاني من مشكلات منها: وجود مقاومة للقوات الأجنبية والقوات الحكومية المنسقة معها, مما يترتب عليه الاضطراب الأمني ويدخل في هذا الإطار ضعف القوات الحكومية وعدم قدرتها بمفردها علي تحقيق الاستقرار والسيطرة علي الشارع. ويرتبط بذلك غياب مشروع سياسي واقعي يستوعب كل القوي السياسية بمن فيهم من يسمون بالمتطرفين الإسلاميين فالواقع الصومالي يختلف عن واقع الدول المستقرة في المنطقة حيث إن امتلاك تلك الدول قوة أمنية رادعة يمكنها من التخلص من أية معارضة تطمع في الحكم. أما في الصومال فإن المجاعات والاضطرابات والحروب وفقرها ساهمت في اتخاذ التدين ملاذا بل والمغالاة فيه احيانا, الأمر الذي انعكس في تعاليم لا تتحملها شريحة واسعة من المجتمع الصومالي. ووجدت هذه المغالاة معارضة من قيادات حكومية متأثرة بأيام الرئيس الصومالي الراحل سياد بري ومحاولته اضعاف التدين واللجوء إلي القوي الخارجية لحل المشكلات الداخلية عسكريا. وساهم تصادم الجانبين في وصول الصومال إلي ما وصلت إليه من تفكك. وهذا التناقض الجزئي بين جانب من المجتمع الصومالي وبين جانب من القيادات الحكومية وجد من يستغله اقليميا ودوليا لأسباب سياسية فأصبحت اثيوبيا تقف مع الطرف الحكومي المعتدل المناهض للتيار المتشدد بالصومال وتساندها في ذلك الولاياتالمتحدة التي تعرضت لضربات موجعة من نشطاء استفادوا من رفاقهم بالصومال في مقابل قوي أخري معارضة مثل إريتريا. وإذا كان هذا التنسيق الاثيوبي الأمريكي أدي إلي هزيمة ميليشيا المحاكم ولجوئها إلي حرب العصابات فإن ما تلاه من استبعاد التنظيم في مؤتمر المصالحة أكد أن من ينتصر عسكريا يفرض كيفية التسوية السياسية. ومن هنا فإن ميليشيا المحاكم تواصل عملياتها التي توصف بأنها إرهابية من أجل فرض رؤيتها للتسوية السياسية وبناء علي التناقض الداخلي بين الحكومة وبين المحاكم كتنظيم, وكذلك بين القوي المتصارعة في القرن الإفريقي خصوصا اثيوبيا واريتريا فإن مؤتمر المصالحة الحالي لن يكون سوي أحد مؤتمرات المصالحة لأنه لا يمثل كل القوي السياسية في المجتمع الصومالي. وعلي هذا الاساس فان مشاركة الجامعة العربية في مؤتمر المصالحة هي نوع من الحضور في مشكلة تعد من المشكلات التي يهتم بها العمل العربي المشترك وأنها يجب أن تستعد لمؤتمر أو مؤتمرات جديدة تحت عنوان المصالحة مع اضافة عبارة علي الطريقة الصومالية. ولهذا سيكون دور الجامعة العربية محل انتقاد شعبي عربي بالرغم من مساهماتها في تقديم مساعدات طبية للصومال, وكذلك تحويلها مليون دولار لقوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال, فيبدو أن الرأي العام يعول علي الجامعة بما هو أكبر من طاقتها, دون الأخذ في الاعتبار أن هناك أطرافا اقليمية وعالمية ومصالح متضاربة تؤثر في المشكلة الصومالية التي لن يحلها سوي توافق الصوماليين علي الحل.