"لن نسمح بتطبيق النموذج المصري في باكستان وهذه الفترة الانتقالية ستتم إدارتها بالمشاورة مع المعارضة " تلك كانت كلمات الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في الذكرى الخامسة لمقتل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو , ويا لها من طلقات مدوية تخترق الآذان وتعتصر لها قلوب المصريين الذين كانوا يحلمون بوطن يكسو أرضه جمال كالجمال الأندلسي , وعدل لأبنائه كالعدل العُمَري , وعصراً من العزة كالعصر الأيوبي , ولكن ويا للأسف تتحطم احلام هذا الشعب الطيب على صخرة الحكم الأخواني الظالم لأبناءه , السارق لأقواته , القاتل لفلذات أكباده , الخائن لثورته ونضاله . تذكرت وانا أقرأ تلك الكلمات القاتلة أيام عزة وكرامة عشناها بالماضي القريب , كان رؤساء وملوك وقادة العالم يحنون جباههم قبل ان يتحدثوا عن مصر , فهذا يُشهد الزمان على ما فعله المصريون , وآخر يصف المصريين بأنهم أعظم شعوب الأرض , وذاك يريد أن يُربيِ أبناء بلدِه ليُصبحوا كمصريين , وفي ايام معدودة يتحول كل هذا الى كابوس مظلم مخيف , وتتحول مصر القدوة الى مصر العبرة , ويتحول الربيع المشرق المزهر المثمر الى خريف أغبر مُقفر . تذكرت اشد أيام الثورة بؤس عندما ظننت اننا نتجه نحو الوضع الباكستاني المؤلم الذي يسيطر فيه العسكر على مقاليد الحكم وتقبع القوى المتأسلمة في البرلمان تشيع في الناس الجهل والظلام , فإذا بباكستان تتبرأ منا , وتتنكر لحالِنا البأس المُخجل الذي كان الفضل فيه لعصابة خونة المسلمين الذين يهون بأرض الكنانة الشامخة الى احط منازل الدول , ويحتل شبه الرئيس شبه المنتخب في سرعة البرق المركز الخامس في قائمة اسوء رؤساء العالم .
ان ابشع ما في حديث الرئيس الباكستاني انه يعبر عن الحقيقة , الحقيقة التي لن يستطيع ان يخبئها ببغاوات المرشد , ولن تبررها تلك المهاترات التي يملؤن بها الشوارع والطرقات والفضائيات والجرائد والمجلات عن المؤامرات الدولية و الخطط الكونية لإفشال حكمهم , ولكن الحقيقة المؤلمة اننا وقعنا في شرك عصابة متغطرسة , لا تسمع الا صوت راعيها , ولا ترى ابعد من موضع قدميها , حزب حاكم بطموحات وافكار وخطط جماعة محظورة مخبولة , لا تملك فكراً ولا برنامجاً ولا كوادر , شرعت من أول يوم لتقزيم وتصغير مصر حتى تناسب حجم احلامها , فصنعت دستوراً معيباً لا يليق سوى بجزيرة مهجورة لعصر حجري بائس .
لقد اراد هذا الرئيس الحكيم ان يجمع شتات قومه وان يشرك معارضوه في ادارة مرحلة يراها صعبة حرصاً على مستقبل بلده , وكان اختياره للكلمات يدل على مدى حكمته كما يدل على الوضع المخجل الذي وصلنا اليه من فرقة واستقطاب وجهل وشتات , لقد تحولت مصر من نموذج للتحضر والرقي الى عبرة يخوف بها الرؤساء ابناء دولهم , ولكني اتمنى من الله ان يجعل من تلك الكلمات شرارة تضئ لنا نوراً في دربنا المظلم , وأن تكون هذه بداية اليقظة من هذا الكابوس مرعب .