في أهم مجال من المجالات الحيوية للبلاد المتصلة بالعلاقات مع دول حوض نهر النيل، تكتلت دول المنبع ضد مصر والسودان، وذلك برفض طلباتهما في الاتفاقية الإطارية المراد إبرامها بين كل دول مجري نهر النيل، خاصة الدول الحاكمة لمنابع النهر مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وتنزانيا لدرجة دفعت الدكتور نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري للقول إن مصر تواجه تكتلاً من دول المنبع ضد حصتنا التاريخية من مياه النيل التي تبلغ خمسة وخمسين ونصف مليار متر مكعب من المياه.. بل وردت أنباء بأن دول المجري الأعلي للنيل قد وقعت وبشكل سري علي الاتفاقية الإطارية الحاكمة لنهر النيل في اجتماعها المنفرد في العاصمة الأوغندية كمبالا دون أي اعتبار لمصر والسودان، مما يعني رفض الطلبات المصرية السودانية التي تدور حول الحقوق المكتسبة للدولتين في مياه النهر وضرورة إخطارهما بأي مشروعات في أعمال النيل كالسدود وغيرها، مما يقلل من كميات المياه وجريانها نحو مصر والسودان، فضلاً عن اشتراط مصر والسودان بأن تصدر القرارات في مثل هذه الشئون بالإجماع.. ولو صح ذلك الخبر لكان أكبر إعلان عن فشل الدبلوماسية المصرية في القارة الأفريقية، وهو ما أقرته لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب عند اجتماعها بالدكتور علام، إذ اتهم أعضاء اللجنة الحكومة بعدم الحفاظ علي المكانة التاريخية لمصر في دول حوض النيل وعدم الاهتمام بحق دول الحوض في التنمية، وتجاهل مساعدات الدول الأخري مثل إسرائيل وتركيا والصين لدول الحوض في إقامة مشروعات في أعالي النيل يمكنها التأثير في حصة مصر. وأضافت مصادر مسئولة في وزارة الخارجية أن توقيع دول حوض النيل علي الاتفاقية الإطارية دون اشتمالها علي البنود التي تطالب بها مصر والسودان سيمكن دول المنابع من إعادة تقسيم مياه النيل بين دول الحوض من جديد، وكذلك إنشاء عدد من السدود، مما يجعل أمن مصر المائي في خطر حقيقي. وقد تحقق الخطر بالفعل بانحسار دور مصر ونفوذها التاريخي في أفريقيا، وحلول دول أخري محلها، وفي مقدمتها إسرائيل التي قامت بتمويل مشروع لإزالة الحشائش المائية في أوغندا بتكلفة مائة مليون دولار، وما خفي كان أخطر في جولات القيادات الإسرائيلية في إثيوبيا وغيرها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، فضلاً عن الإضرار بمصر في أهم شرايين حياتها وهو نهر النيل. ويتحمل نظام الحكم في مصر وزر ومسئولية ما وصلت إليه علاقات مصر بدول حوض نهر النيل منذ أن أعلن الرئيس السادت مشروعه الخطير بتحويل نهر النيل لإسرائيل في زيارته لمدينة «حيفا» في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1979 بأن يعتزم توصيل مياه النيل التي ستروي سيناء إلي صحراء النقب في إطار التعاون مع إسرائيل كدليل علي حسن الجوار.. ولم يتأخر الرئيس كثيراً في تنفيذ ذلك المشروع الخطير، إذ ذهب إلي فارسكور بمحافظة الدقهلية يوم الثلاثاء 27 من نوفمبر 1979، وأعطي إشارة البدء في حفر ترعة السلام لتتجه تحت قناة السويس إلي سيناء.. وقد أثار ذلك ثائرة جميع دول حوض النيل بما فيها السودان، وهددت إثيوبيا مصر تهديدات خطيرة بإقامة سدود، من شأنها أن تقلل من جريان المياه نحو مصر، وأعلن الاتحاد السوفيتي مساعدته لإثيوبيا في هذا الاتجاه نكاية في الرئيس السادات.. ورد الرئيس السادات علي تهديد إثيوبيا بسلاح الطيران المصري إذا ما أقدمت علي مثل تلك المشروعات وكان التهديد المصري يحمل نفس المعني الخطير لدول منابع النهر الأخري، مما أساء أبلغ إساءة للعلاقات التاريخية الطيبة بين مصر وتلك الدول.. وزاد في توتر العلاقات وترديها للمستويات الدنيا عدم انتباه الدبلوماسية المصرية لحساسية عدم حضور الرئيس مبارك لمؤتمرات القمة الأفريقية، رغم كثرة سفره للخارج واستقباله لقادة إسرائيل علي نحو يُفهم منه التقليل من قيمة رؤساء الدول الأفريقية، وهو ما انعكس في تكتلها الواضح ضد مصالح مصر في نهر النيل، كما صرح بذلك وزير الري المصري ذاته، حيث ورد في أخبار الصحف بما لا يدع مجالاً للشك في فشل الدبلوماسية المصرية فشلاً ذريعاً أسهم فيه تفكير سطحي غريب بأننا نتلقي خمسة وخمسين مليار متر مكعب من المياه جائزة جغرافية طبيعية ولا فضل لدول المنبع التي تعاني معاناة شديدة من هطول الأمطار الغزيرة عليها دون أن تتحرك مصر بالقدر الكافي لمساعدة تلك الدول علي كوارث النهر من ناحية، وعلي معاونها علي التنمية الاقتصادية، مما جعلنا ننشر العديد من المقالات، لعل أكثرها صراحة ذلك الذي نشرناه في أغسطس 2001 بعنوان «الغُرم بالغُنم في نهر النيل» أي أننا نغنم غنيمة سخية من نهر النيل، ولا نلتفت للسودان وإثيوبيا وغيرهما من دول المنبع بعونهما علي مواجهة كوارث النهر والأخذ بأيديها في المجالات الاقتصادية، وذلك بشراء منتجاتها من الحبوب واللحوم كي نفيد ونستفيد إلي جانب المشاريع المشتركة الكبري كتلك التي تم اقتراحها للانفتاح المصري السوداني في شتي المجالات المشتركة، التي كتبنا عنها، كما كتب غيرنا أيضا في صورة سوق مشتركة أو منطقة تجارة حرة.. ولكن لا حياة لمن تنادي، مما أوصل علاقات مصر بدول حوض النيل إلي ما وصلت إليه بالأزمة الحالية التي شكا منها وزير الري المصري قائلاً: إن مصر تواجه تكتلاً من دول المنبع ضد حصتنا التاريخية في مياه النيل، كما ورد بجريدة «المصري اليوم» في 2 من مارس، و«الدستور» في 9 من مارس. يقول أساتذة القانون الدولي إن الدبلوماسية تعني تصريف السياسة الخارجية للدول بفطنة وذكاء لتحقيق أفضل النتائج لمصالحها.. فهل سارت الدبلوماسية المصرية علي ذلك النهج؟ أين هي الفطنة والذكاء؟ وأين هي أفضل النتائج للمصالح المصرية في نهر النيل شريان الحياة لمصر الذي تجول وتصول إسرائيل وأمريكا في منابعه حتي وصلنا لهذه الأزمة وما يستجد من أزمات أكثر خطورة؟! وحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم.