مباحث أمن الدولة أقلعت عن الانضمام المباشر لأحزاب المعارضة واستقال ضباطها ليحل محلهم أعضاء مدنيون هناك أصوات تستنكر الطابع المباحثي للأحزاب المصرية وكأن إخواننا رجال المباحث سبة في جبين الوطن لماذا لا نحترم أحزاب المباحث ونعترف بحقوقها؟ استهلكت أحزاب المعارضة المصرية الكثير من الوقت والجهد في استنكار وإنكار ومطاردة العناصر المباحثية المنخرطة في صفوفها، وظل الهاجس المباحثي يمثل صداعاً في رأس أي حزب يساري كالتجمع، أو شبه يساري كالناصري، أو استثماري كالأحرار، أو محظور كالإخوان، إلي أن أقلعت مباحث أمن الدولة عن الانضمام المباشر لأحزاب المعارضة، واستقال ضباطها ومخبروها من عضوية هذه الأحزاب، وحل محلهم أعضاء مدنيون من طائفة «أصدقاء الشرطة»، وأبلت هذه العناصر خير البلاء إلي أن صارت الغالبية العظمي من عضوية الأحزاب المصرية الحالية ينتمون بإرادتهم الحرة شإلي طائفة أصدقاء الشرطة أو المرشدين التطوعيين في صفوف المباحث. رغم هذه التطورات النوعية الاستراتيجية في العلاقة بين الأحزاب والمباحث، مازالت هناك أصوات وأقلام تستنكر الطابع المباحثي للأحزاب المصرية وكأن إخواننا رجال المباحث سبة في جبين الوطن، يتناسي هؤلاء المستنكرون الدور العملاق الذي يلعبه رجال الشرطة في الحفاظ علي أمن الوطن، وينكرون عليهم حقهم في ممارسة الهامش الديمقراطي المتاح في البلاد ولو من خلال أصدقاء وزملاء هواة نظراً لوجود موانع قانونية أمام انخراط رجال الشرطة بأنفسهم وبأسمائهم الحقيقية في صفوف الأحزاب السياسية. خلال الأسبوع الماضي اجتمعت غالبية الأحزاب المصرية - المعارضة - وقررت رفع عدة دعاوي قضائية ضد المواطن المصري الدكتور محمد البرادعي، وقيل في بيان الأحزاب المذكورة إن البرادعي ارتكب عدداً كبيراً من الجرائم السياسية والعسكرية في حق مصر والوطن العربي، وإنه يحاول الآن ارتكاب جرائم أخري داخل البلاد بعد كل الجرائم التي ارتكبها في أثناء عمله بالخارج، وقالوا في التفاصيل إن البرادعي هو المسئول الأول - وربما الأخير - عن إشعال حرب العراق وإقناع الأمريكان بغزوها وتخريبها وقتل زعيمها، وإن البرادعي هو المسئول عن حرمان مصر من امتلاك أسلحة نووية، وإن البرادعي المسئول عن عربدة إسرائيل وضربها للشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، فضلا عن احتلالها قطعة غالية من الأراضي السورية الشقيقة، وإن البرادعي هو المسئول عن ظهور إيران النووي والسياسي والعسكري وتهديدها لمصر الوديعة الطيبة المطيعة لكل قرارات وتوجهات وأوامر ونواهي وأحلام وآمال الشرعية الدولية، وإن البرادعي هو صاحب كل المؤامرات الدولية والإقليمية والعربية ضد جمهورية مصر العربية طوال الثلاثين عاماً الماضية، وإن البرادعي يحاول الآن «زعزعة» الاستقرار السياسي والاقتصادي والدستوري الذي تنعم به مصر، ويسعي لحرمان الشعب المصري من التقدم والازدهار والرخاء الذي تحقق في عهد الزعيم محمد حسني مبارك وحكوماته وحزبه الوطني الديمقراطي العظيم. هذه الاتهامات التي أعلنتها تسعة أو عشرة من الأحزاب المصرية لم تعجب كثيرين من المشتغلين بالسياسة والصحافة والشأن العام، ولم يعجبهم أيضا ما أعلنه السيد الأستاذ رئيس جمعية أو حركة «مصريين ضد الغباء» قائلا: إنه قد تفضل برفع دعوي قضائية - أخري - ضد السيد اللواء حبيب العادلي - وزير الداخلية - يتهمه فيها بالتقاعس عن اعتقال كل المواطنين المصريين المؤيدين لحق البرادعي في المطالبة بتعديل الدستور المصري! أنصار الدكتور البرادعي اتهموا الأحزاب المصرية المناهضة لسيادته بأنها «أحزاب مباحثية» وقالوا الشيء نفسه عن السيد رئيس «حركة الغباء» الذي طلب من وزير الداخلية اعتقال مؤيدي البرادعي حتي لوكانوا أكثر من مليون مواطن، أنصار الدكتور البرادعي يطالبون بالديمقراطية ولكنهم في الوقت نفسه ينكرون علي الأطياف الأخري حقوقهم الديمقراطية. أليست المباحث قطاعاً من أبناء هذا الوطن؟ أليس من حقها التعبير عن مصالحها العامة والخاصة؟ أليس من حق المباحث أن يكون لها أصدقاء وزملاء وعملاء ومرشدون داخل كل حزب من الأحزاب عوضا عن ضياع حقها في الانضمام المباشر لهذه الأحزاب؟ ألم تنجح المباحث في ممارسة العمل السياسي كأرقي ما يكون ووصل رجالها إلي عضوية مجلسي الشعب والشوري والمحليات ورئاسة الصحف القومية والحزبية والمستقلة وتقديم البرامج التليفزيونية وإدارة المشاريع الاستثمارية، فضلا عن وصول بعضهم إلي منصب الوزير؟ ألم يسفر العقد المباحثي في الأحزاب المصرية عن وصول العديد من أعضاء هذه الأحزاب إلي عضوية البرلمان بأصوات مهداة بالكامل من مخازن ومصانع ومستودعات مباحث أمن الدولة؟ ألم يتحول غالبية العصاة والمتمردين والثورجية في شتي الأحزاب المصرية إلي مواطنين أسوياء غاية في الوداعة والطاعة والتعاون وبحبوحة العيش بفضل العلاقات المستحدثة والمستدامة بين المعارضة والمباحث؟