كان عمر كريمة 8 سنوات عندما قررت عدم الذهاب إلي المدرسة والبقاء في البيت. قضت ثلاث سنوات تذهب يومياً إلي المدرسة. وفي نهاية العام الثالث كانت «سنة ثالثة شهادة». امتحانات وأرقام جلوس ووزارة ومنطقة فكريمة لا تعرف حتي كيف تكتب اسمها. كل بنات وأولاد الفصل يتعلمون في الدرس الخصوصي أو المجموعة أو في البيت. هي وحدها التي لا تملك أمها ثمن الدروس ولا اشتراك المجموعة ولا تعرف القراءة ولا الكتابة لتعلمها في البيت. حصلت كريمة علي صفر كبير ومكرر. أم كريمة تعمل طوال النهار كل يوم في بيت مختلف. كل أمنيتها أم كريمة أن تجد بيتاً واحداً تعمل فيه يومياً وتحصل علي راتب يكفيها ويوفر جهد كل يوم. أم كريمة تكسب مبلغاً يجعلها تعيش فُلّة وتوفر لكريمة ومحمد كل ما يحتاجانه. أقل يوم تحصل علي خمسين جنيهاً، وتصل إلي مائة في بعض الأيام. أبو كريمة «سعيد النجار» كان يعمل في ورشة عم خليل أكبر ورشة في الشرابية، حتي تزوج أم كريمة زوجة ثانية بعدما فشلت سعدية زوجته الأولي في إنجاب ولد، وأنجبت أربع بنات. فجأة تدهورت صحة أبوكريمة، ترك العمل في الورشة، أصيب بفشل كلوي، وأصبح عمله الوحيد، الذهاب إلي مركز الغسيل وتدخين السجائر والمخدرات. تدفع أم كريمة مصاريف العلاج وثمن السجائر والمخدرات، وتنفق علي الزوجة الأولي وبناتها.. وأخيراً علي ابنها وابنتها. حمل ثقيل لا يقوي عليه الرجال الأشداء. أم كريمة تحمد الله علي نعمة الصحة والستر، لكنها شعرت بقهر وظلم وغضب بلا حدود عندما أصرت كريمة علي ألا تذهب إلي المدرسة ثانية. وعادت وأصابها نفس الشعور، بل تضاعف عندما تركت كريمة العمل في محل الكوافير الذي اختارته لها أمها لتتعلم صنعة تحميها من السؤال. قالت لها صاحبة الكوافير «بنتك حرامية وأنا كنت راضية بيها علي عيبها، وقال رضينا بالهم». «لا مدرسة ولا صنعة وكمان حرامية ليه كده ياكريمة». كان عمر كريمة 13 سنة عندما اصطحبتها أمها معها إلي بيت الدكتورة سهير لتورثها مهنتها. الغريب أن كريمة استسلمت تماماً وأظهرت مهارة وقدرة علي التعلم. جاءت الدكتورة سهير في آخر النهار وقالت: بنتك أشطر منك خليها عندنا علي طول بدل اللف في البيوت.