هذا التشابه الذى وصل إلى حد التطابق بين ما حدث فى نفس المكان والزمان ( أقصد شارع محمد محمود ) هذا العام والعام الذى سبقه كفيل بأن يصعد من حدة التساؤلات التى قد تطرأ على زهنك عزيزى القارىء حول مدى إلتزام جماعة الإخوان المسلمين أو حتى مجرد إهتمامهم بتحقيق ولو جزء ضئيل من أهداف الثورة، أو على أقل تقدير القصاص مِن مَن قتلوا شهداءها قبل 25 يناير 2011 وبعده . فالعقلية السياسية التى تدير البلاد الأن لم تختلف كثيراً عن العقلية السياسية التى كانت تدير شئون البلاد أيضاً خلال المرحلة الإنتقالية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع التظاهرات السلمية، ومدى الصمت الذى كان يهبط فجأة على من بيده مقاليد الأمور برغم من سقوط شهداء ومصابون كل يوم أمام أعينهم، بما يوحى أن صمتهم هذا يكون حينها بمثابة الضوء الأخطر لضباط وجنود الداخلية للتعامل بوحشية مع تلك المظاهرات التى خرجت تندد بتلك القيادة السياسية البائسة وتقاعسها عن تنفيذ وعودها فى القصاص لدماء الشهداء اللذين سقطوا خلال أحداث الثورة وما بعدها .
أما عن العقيدة الأمنية التى تظهر جلية فى التعامل مع هؤلاء المتظاهرين الأن توضح أن قيادات وزارة الداخلية لم تصبح لديها ما تقدمه أكثر مما شاهدنا جميعاً وشاهد العالم كله من ضرب وسحل وخرطوش وتنكيل بكل من يجرؤ على المعارضة أو التنديد بالقيادة السياسية التى أتت بهم على رأس هذا الجهاز الغاشم .
فى جميع دول العامل المحترم ( وأقصد بالمحترم هنا تلك الدول التى تحترم المواطن وتعلى من شأنه أكثر من أن تعلى من شأن مبنى هنا أو وزارة هناك ) نجد أن التعامل مع التظاهرات التى تخرج إلى الشارع بغض النظر عن ما تحمل من مطالب يتسم فى أغلب الأحيان بالإحترافية بحيث لا يخل بقوانين حقوق الإنسان، أو على الأقل لا يتسبب فى سقوط قتلى وجرحى بالمئات كما هو معتاد فى بلادنا.. فعلى سبيل المثال، وبالأمس خرجت مظاهرة حاشدة فى وسط العاصمة البريطانية لندن نظمتها الإتحادات الطلابية قدرت بنحو عشرة ألاف طالب لمطالبة نائب رئيس الوزراء البريطانى نيك كليج أيضاً ( ويالها من مفارقة ) بتحقيق وعوده الإنتخابية، وبإعادة خفض مصاريف الدراسة فى الجامعة حتى يستطيع الطلبة اللذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة وما هو أقل الإلتحاق بالجامعة وإتمام دراستهم، أما ما لفت إنتباهى هو تعامل الشرطة مع تلك المظاهرة الضخمة وهو ما أو ضح أن الشرطة البريطانية قد تعلمت الدرس جراء ما حدث فى الإحتجاجات الأخيرة العام الماضى بسبب تعدى ضباطها على مواطن أسود حتى الموت، وقد نجحت نتيجة لذلك فى حماية المشاركين فى التظاهرة وحماية المنشأت الحيوية أيضاً نتيجة للأسلوب العلمى الذى إتبعته فى محاولة إبعاد المتظاهرين عن المناطق التى تقع حول تلك المؤسسات والمبانى الحساسة، وهو ما ساعد فى النهاية على خروج التظاهرة السلمية على أكمل وجه .
كذلك نجد أن تعامل شرطة ولاية نيويوركالأمريكية مع نشطاء حركة "إحتلوا وول ستريت" فى تظاهراتهم يتسم بقليل من العنف فى بعض الأحيان نتيجة محاولة هؤلاء التعدى على مؤسسات حيوية فى شارع وول ستريت الذى يحوى مؤسسات مالية بالغة الحساسية من الممكن أن ينهار بسبب التعدى عليها أو تدميرها الإقتصاد الأمريكى وسوق المال العالمى بأكمله، ولكننا لم نسمع من قبل عن سقوط قتيل أو تعدى عدد الجرحى لعُشر ما ينتج عن أقل إحتكاك بين الشرطة وأية مظاهرة تتكون من بضعة مئات من المتظاهرين فى مصر .
إن ما حدث فى شارع محمد محمود ومازال يحدث يحتم على الرئيس مرسى أن يتحرك بخطى سريعة نحو إتخاذ إجراءات فاعلة ومركزة تكون كافية لإنهاء حالة الإحتقان التى تسبب فيها هذا التعامل الأمنى المفرط، وكذلك التصريحات الصادرة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة والتى أقل ما توصف بها بأنها تصريحات طائشة تهدف فقط إلى تهييج الرأى العام وإثارة مشاعر الملايين وإصابتهم بحالة إحباط أكثر من تلك التى يعيشون فيها منذ أن تولى الإخوان مقاليد الأمور .
أول تلك الإجراءات هى إقالة حكومة دكتور هشام قنديل التى فشلت تماماً حتى الأن ليس فى النهوض بإقتصاد البلاد أو وضعها على الخريطة العالمية للدول التى بدأت فى النهوض، ولكنها قد فشلت حتى فى وضع تصور لإدارة المرحلة الحالية أو إستراتيجية واضحة الملامح يمكن الإعتماد عليها فى المستقبل القريب. وثانى تلك الإجراءات هو الحرص على تولى وزارة الداخلية فى الحكومة الجديدة شخصية مدنية قانونية تحظى بالتوافق بين كافة القوى السياسية تكون مهمتها الأولى هو إعادة فك وتركيب وزارة الداخلية بأكملها بما يتناسب مع ما يتطلبه تحقيق أهداف الثورة من إجراءات.
أما ثالثها، فهو كبح جماح قيادات الجماعة والتشديد عليهم بالكف عن تلك التراهات والسفاهات التى يلقونها علينا بين الحين والأخر، والتى تعتبر هى السبب الرئيسى فى حالة الإحتقان التى يعيش المجتمع المصرى فيها الأن. ناهيك عن المطلب الرئيسى الذى بُحت أصوات جميع القوى السياسية وفئات الشعب المصرى المتعددة جراء المطالبة المستمرة به وهو قيام الرئيس بحل تلك الجمعية التأسيسية "الخرفانة" وتشكيل أخرى تجمع بداخلها جميع أطياف الشعب المصرى ومؤسساته وقوى مجتمعه المدنى .
أما إن أصر الرئيس على تجاهل تلك المطالب التى أصبحت ملحة الأن، فقد يؤدى ذلك إلى حدوث إنفجار مجتمعى وسياسى قد يطيح بحكم الإخوان المسلمين وبالرئيس نفسه لأن الإنفجار وقتها سوف يأخذ منحاً أخرى مغاير تماماً للسلمية التى شاهدناها فى ثورة الخامس والعشرين من يناير، أما النتيجة فسوف تكون واحدة وحينئذ سوف يصبح الرئيس الحالى هو الوجه الأخر للرئيس السابق، وسوف تكون نفس الأسباب والمطالب التى أطاحت بالرئيس محمد حسنى مبارك هى تلك الأسباب والمطالب التى قد تطيح بالرئيس محمد مرسى مبارك.