أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا. ها قد وصلت حركة استعادة أمريكا من وول ستريت. ففى يوم الأربعاء المقبل، سوف تتسع صفوف المنضمين إلى حركة «احتلوا وول ستريت» مع انضمام أعضاء حركة «موف أون دوت أورج»، ونشطاء نقابيين، والمواطنين العاديين الساخطين إلى التظاهرة ضد سوء حكم القطاع المالى فى اقتصادنا الأمريكى. والأكثر من ذلك، تشهد التظاهرات ضد البنوك فى المدن الكبرى، التى تم التخطيط لها منذ مدة طويلة، تزايدا هذا الأسبوع بما يفوق أعز آمال منظميها، مع اندلاع حركة الاحتجاح فى وول ستريت. وقد ظلت حملة الاحتجاج ضد البنوك تنتشر منذ سنوات، وكما أطلق الروائى الإيطالى إجنازى سيلونى على اليسار البطىء فى الوصول، كانت «بذرة تحت الجليد». وتعتبر الاعتصامات والخطب ومظاهرات الشوارع، المتفجرة فى شوارع بوسطن، وشيكاغو، وسياتل، وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، من عمل ائتلاف من جماعات المجتمع التى تم حشدها معا فى الآونة الأخيرة، باعتبارها خط القاع الجديد. وركز العديد من هذه الجماعات على أهداف مباشرة مثل منع بنوك معينة من وقف تمويل المساكن الجديدة. وقد تظاهرت هذه الجماعات فى وول ستريت مرات عديدة، منذ الأزمة المالية فى 2008. ولكن الآن فحسب، بينما جذبت حركة احتلوا وول ستريت التى لم ينشئوها خيال الجماهير فى الأسابيع القليلة الماضية، تقوم هذه الجماعات بعمليات تعبئة لا تعد ولا تحصى، من أجل جذب انتباه الإعلام.
ويقول ستيفن ليرنر المنظم منذ فترة طويلة للاتحاد الدولى لخدمة الموظفين، الذى كان يقود سابقا حملة الاتحاد الناجحة لتنظيم حراس المدن الكبرى، وهو الآن يساعد مرشدى المجموعات فى خط القاع الجديد. «نحن نعزز بعضنا البعض، وسنتحرك كرا وفرا».
●●●
وتأتى المجموعات معا سواء كان مخططا لها أم لا. وربما ينجم عن الاختلاط الوشيك بين محتلى وول ستريت ومعظمهم من الشباب مختلفى الثقافة، وبين النقابيين الأكثر حنكة وصلابة، والليبراليين من الطبقة المتوسطة، بعض الصدامات المميزة، غير أن غضبهم المشترك إزاء ما فعلته البنوك معهم ومعنا جميعا سيكون كافيا لتعزيز هذا الائتلاف الناشئ. وينبغى أن يكون كذلك.
وفى اللحظة الحالية، تتشعب هذه الحركة الوليدة إلى نطاق واسع من المطالب.حيث تتجه حركة احتلوا وول ستريت نحو وجهة غير متبلورة، لتعرب عن غضب عام إزاء التفاوت الاقتصادى والسيطرة المالية. وقد زادت جماعات خط القاع الجديد، وخبراء اليسار المناهض للبنوك من صلابة المطالب، ومن ضمنها تعديلات وإلغاءات لديون الطلاب والإسكان، وفرض ضرائب على التعاملات المالية، وإعادة فرض قانون ستيجال للزجاج لعام 1032 (ومن شأنه أن يجعل الأعمال المصرفية المتنوعة أكثر أمانا وأقل مضاربة، عبر إعادة الفصل بين التعاملات المصرفية التجارية والاستثمارية.
ويمكن تفهم تلك الإصلاحات المقترحة بالكامل، نظرا لضخامة حجم المشكلة. ومع تزايد مساحة التمويل ضمن الاقتصاد الأمريكى فى العقود الأخيرة، تزايد الخلل فى الاقتصاد الأمريكى أكثر فأكثر. وبدافع من وول ستريت، تم تخفيف القيود على تمويل الصفقات الجديدة فى الثمانينيات والتسعينيات، مما مكن البنوك من النمو بصورة هائلة عبر المضاربة بأموال أشخاص آخرين، وعبر إعادة هيكلة الاقتصاد بحيث يقوم على الائتمان والدين.
●●●
وفى 2009، سجل سيمون جونسون، الخبيرالاقتصادى الكبير السابق فى صندوق النقد الدولى، أن البنوك الأمريكية لم تحصل على أكثر من 16 فى المائة من أرباح الشركات المحلية. وبحلول منتصف عام 2000، ارتفع هذا الرقم إلى 41 فى المائة. وعلى غرار ما جرى مع الأرباح، ارتفعت الأجور، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود من 1948 حتى 1982، تراوحت مستويات الأجور فى قطاع التمويل من 99 فى المائة إلى 108 فى المائة من متوسط أجور القطاع الخاص. وبحلول 2007، كانت قد وصلت إلى 181 فى المائة.
وبعد أن كانت الصيرفة خادمة للصناعة من قبل، صارت صناعتنا المهيمنة. ولم تعد تخدمنا، بل نحن من يخدمها، وعندما قاربت على الهلع عام 2008، قامت الحكومة الفيدرالية بإنقاذها، بافتراض من أولئك الذين أجازوا برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة بحيث تستخدم البنوك هذه التمويلات لإنقاذ مجتمعنا الأوسع نطاقا. وبدلا من ذلك، أخذوا المال وجلسوا فوقه. ولم يتعاف الإقراض للشركات الصغيرة بالتحديد.
ولا تنبع جميع مشكلات نموذج الرأسمالية الأمريكى الحالى من البنوك، غير أن نمو وول ستريت يأتى على حساب المشروعات الإنتاجية، ويؤدى إلى تحول الأموال والمواهب عن نشاط صنع السلع. غير أن احتلال وول ستريت لا يحقق نتائج كافية. فنحن بحاجة إلى تقليص التمويل عبر اللوائح التى يمكن أن تجعل اقتصادنا أكثر أمانا وأكثر انتاجية على حد سواء. ونحن نأمل أن تحتشد الجماعات المختلفة من المتظاهرين معا، وتتزايد وتستمر فى الشوارع. وسوف يتطلب الأمر حركة احتجاج واسعة وقوية من أجل وضع نهاية تأخرت لتلعبه أمريكا لوول ستريت.