يتعين علي فرسان القضاء أن ينتفضوا جماعات وأفراداً ضد قرار منع اعتلاء المرأة منصة القضاء تاريخ القضاء المصري حافل وعامر بمواقف رفض فيها الخضوع أو الخنوع أمام السلطة محكمة النقض أرست قاعدة تؤكد أنه لايجوز تسليط قضاء علي قضاء فاروق سلطان يجدر القول بادئ ذي بدء أن المحكمة الدستورية العليا هي درة القضاء.. بل قل هي تاج علي رأس العدالة أو بالأصح سدرة المنتهي لجميع الجهات القضائية كيف لا ومقامها.. مكانها مكانتها.. قدرها.. قدرتها.. اقتدارها وقدرتها أنها تضطلع برسالة رفيعة المقام لأنها تتفرد.. تتفرد بأنها تتبوأ مكاناً عالياً قمة القضاء.. كيف لا وهي القضاء تتفرد وحدها دون غيرها تقبض بيد من حديد رسالة ترسيخ العدل بين سلطة الحكم وحرية المواطن هي التي تملك ويحق أن تتحدي، تواجه وتنتفض رافعة مطرقة تدق بها ليس علي منصة الجلوس حتي لا يرتفع صوت يعلو علي صوتها.. بل إنها تشهر سيف حماية الدستور تهش به أصوات الذين يتجاسرون علي المساس بالدستور أبو القانون.. قانون القوانين.. القانون الأسمي حتي إنه إذا أعلت صوتها وأعلنت أن نصاً منه أو مادة فيه تتنافي أو تتجافي.. تتناقض أو حتي تتعارض مع مبادئه وأحكامه.. تضحي كلمتها هي العليا.. وقطعت جهيزة قول كل خطيب ذلك بأن رسالتها تحتم أن لها القول الفصل.. ولا تعقيب علي تفسير تصدره أو تعييب للخضوع لرأي تبديه.. فهي الجهة القضائية الوحيدة التي لا يخضع ما يصدر عنها لأي إرجاء أو تسويف.. إنها لكذلك لأنها تنعقد لها الصدارة عن إباء وشموخ وجدارة، ولعل أحداً يقف ليسأل.. ويتوقف ليتساءل ولم هذا القول.. وماذا جد أو استجد والمعروف لا يعرف. بيد أننا.. نصرخ في وجهه بأن المحكمة الدستورية العليا تواجه يوم الأحد القادم سابقة غير مسبوقة.. تعالت فيها الأصوات بالصراخ والنواح ولطم الخدود وشق الجيوب تمازجت سلطة الدولة ممثلة في الحكومة القائمة التي اتسم موقفها بالخضوع والخنوع لعاصفة عاتية ورياح عالية لقضية ارتأت جهة من جهات القضاء رأياً وهي هي عدم تولية المرأة لمنصة القضاء العالية التي تشرئب لها الأعناق هي مجلس الدولة، ومادام الحديث متصلاً بالجهات القضائية فإنه غني عن البيان أن للعدالة في مصر أركانها.. سنادها وركازها وعمادها أن المشرع عدد في الفصل الرابع من الدستور وحدد الجهات القضائية التي أفرد لكل منها حدود ولايته القضائية تحديداً جامعاً.. مانعاً.. قاطعاً.. ساطعاً، وأطلق عليها الولاية القضائية مما يرسخ التزام كل منها بالحدود والقيود المنصوص عليها في الدستور. ولعل المبادئ التي أوردها عن الجهات القضائية حاصلها في المادة «165» السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها ويعقب ذلك ما أوردته المادة «172» مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوي التأديبية ويحدد القانون اختصاصاتها الأخري. ثم يفرد المشرع الدستوري في الفصل الخامس أربعة نصوص من بينها المادة «174» بأن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها.. وفي المادة «175» تتولي المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح وتتولي تفسير النصوص التشريعية وذلك كله علي الوجه المبين في القانون. وإذا سئلت ثم ماذا؟ نبادر بالقول بأن قاعدة من القواعد الجوهرية.. مقطع النزاع.. جوهر الدفاع.. واسطة العقد.. رمانة الميزان أرستها المحكمة العليا محكمة النقض بأنه «لا يجوز تسليط قضاء علي قضاء». نعم أن القضية التي يتعين علي فرسان القضاء أن ينتفضوا وينتصبوا جماعات وأفراداً في وجه رئيس مجلس الوزراء الذي أحال قرار الجمعية العمومية والمجلس الخاص لجهة قضائية وهي مجلس الدولة بمعارضته تعيين الخريجات من السيدات والآنسات أعضاء بالمجلس.. أحال هذا الرأي السيادي للمجلس استناداً لأحكام تنظيمية وكيانه وبنيانه.. إلي المحكمة الدستورية العليا للنظر في هذا القرار، سواء بتفسيره أو تأويله بقاء أو انقضاء مما يعد وبحق سابقة غير مسبوقة في تاريخ القضاء المصري لأن هذا الإجراء الذي اتخذه رئيس مجلس الوزراء هو ذروة وقمة ما حظره.. نبذه.. وحذر من آفاته وتوابع الزلزال «تسليط قضاء علي قضاء». إن ما اتخذه رئيس مجلس الوزراء هو ذنب لا يغتفر.. بل قل هو استعداء قضاء علي قضاء بما يشي.. يرشح أنها ضربة في مقتل لتاريخ قضاء مصر الشامخ. يا أيها السادة أحسب أننا لا نجادل أو نجافي الحقيقة بالقول بأنه ولئن كان صحيحاً أن الدستور المصري دق الأجراس فيما استنه في المادة «40» منه «المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».. وأيضاً.. فإننا جميعاً علي كلمة سواء بأن المرأة هي نصف المجتمع هي المدرسة التي إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق ولا أحد منا يقدم بل ولا حتي يجسر أو يمر بخاطره الإقلال من شأنها إننا جميعنا نعرف دور المرأة المصرية في ثورة 1919، حين خرجن بعد أن أزحن عن وجههن «البرقع» وأسهمن مع الأبطال من الرجال في صيحة طلب الاستقلال رافعين رايات وأعلام زعيم الأمة سعد باشا زغلول.. إن من الرجال من نادي في فجر تاريخ النداء بحق المرأة هو القاضي العظيم قاسم أمين وألقوا عليه بالطين والحجارة والطوب بيد أنه ظل رافعاً راية تحرير المرأة. ولكن.. كلنا نعلم أنه حدث خلال الحرب العالمية الثانية وفي مرحلة كانت تئن فيها بريطانيا العظمي من الضربات الموجعة لها، أن رفع وزير العدل يشكو لرئيس مجلس الوزراء بأن أحد المطارات يقع إلي جانب محكمة مما يعطل سير العدالة، فأمر الرئيس تشرشل بنقل المطار إلي مكان آخر معلقاً علي ذلك بقوله: «إن بريطانيا العظمي تحتمل ضربات الطيران ولكنها تحمي العدالة لأنها هي السلاح الأول في الحرب والسلام. يا سيادة رئيس مجلس الوزراء.. إن الطلب الموجه منكم إلي المحكمة الدستورية العليا بزعم تفسير ما انتهت إليه الجمعية العامة بنسبة 89% وأغلبية أعضاء المجلس الخاص السبعة هو بعينه محاولة مرذولة «لتسليط قضاء علي قضاء». إن تاريخ القضاء المصري حافل.. عامر.. وزاخر وسجلاته تفخر وتزخر وتباهي بأنه لم يخضع أو يخنع أو يخشي أو يطوع في أحلك ما شهدته مصر من عصور الاستبداد والديكتاتورية ولم يتردد في وقف ما ارتكبته حكومة إسماعيل صدقي باشا وفي توصيف عمل الحكومة سنة 1931، بقوله: «إن عمل الحكومة إجرام في إجرام في إجرام». وهنا.. فإن الأعناق.. الوجدان.. القلوب.. العقول.. الآمال.. الخوف.. مصوبة إلي المحكمة الدستورية العليا.. تترقب.. تتحسب ماذا أنتم فاعلون بنا.. وأي منزلة عالية رفيعة.. لكم وإياكم أن تخذلوا المبدأ السامي.. عن جهات القضاء والولاية المعقودة لكل منها وعدم جواز تخطٍّ أو تعدٍّ علي ولاية جهة أخري ولك مني يا سيادة رئيس الوزراء الدعاء لما تتحمله وتعانيه من ضغوط ذات سطوة وذات سلطة وذات قدرة علي إزاحة أي كان.. مهما كان.. من منصبه.