«باب الخروج» رواية فذة شديدة الإمتاع لكاتب مشهود له بالامتياز فى ما سبق له إصداره من روايات لاقت استقبالا نقديا وجماهيريا محتفيا بها. ولم يكن الامتياز والاحتفاء راجعين إلى تقديم أطروحات سياسية معاصرة تلقى القبول، على الرغم من أن الروايات جميعا قيل إنها معجونة بالسياسة.
وإن تكن الروايات السابقة وكذلك «باب الخروج» لا تتجاهل علاقات شخصياتها بالقضايا الإنسانية الكبرى. وليست الرواية معنية بالتبشير السياسى من أى نوع. فلم تعد السياسة فى الرواية شبيهة بأرشيف وثائقى يعكس واقعا محدد الوقت، بل تتجاوز قيد اللحظة الحاضرة إلى موقف متصل دائم من تشكيل الشخصية الإنسانية بتناقضاتها وثرائها.
وليست «باب الخروج» عملا سياسيا فحسب ولكنها عندما تتناول مسألة سياسية يجد فيها القراء تجسيدا لرؤية عن الإنسان فى عالم اليوم، رؤية متمشية مع مقتضيات السرد الروائى الجمالى التى لا تحتفى بالسلبية والانسحاب من جانب المنخرطين بالضرورة فى العالم.
فالسياسة فى «باب الخروج» تصور بلغة تأثيرها فى الحياة اليومية والناس وانفعالاتهم وأفعالهم لا من زاوية منطق مجرد مفترض.
قبل 25 يناير 2011 نقرأ فى الرواية أن الراوى المحايد فى سلبية كان يعتقد أن معظم الناس فى مصر مثله يعيشون فى غمرة يقين خادع بأن الأمور لا يمكن أن تسير بطريقة مختلفة ولا مهرب من طريقة الحياة والأوضاع المفروضة. ويتصلب انعدام القيم الذى ينام عليه المواطنون ويستفحل الشعور بلا جدوى محاولات التغيير على الرغم من تأجج حركات مطلبية.
والراوى الذى يعمل مترجما فى القصر الرئاسى يحكى أن السادة الحكام قبل الثورة هم أيضا يعيشون فى هذا اليقين الخادع، فلا يستخدمون إلا كلمات محدودة العدد لأفكار فى قوالب محدودة العدد مثلها، متوارَثة ومقرة من قبل لعدم جدوى تغيير أى شىء.
وكان أفراد الشعب يعيشون فى الواقع بكل تفصيلاته البشعة ومشكلاته التى لا تحل، وأقبيته وفئرانه والرطوبة الناشعة على جدرانه والفطر والجير المتساقط منه. ويقضى الراوى أيامه كما يقضى بقية العاملين أيامهم فى دفع عجلة لا تدور وفى الجرى فى المكان دون انتقال إلى الأمام.
وتمر الأعوام دون أن يحدث فيها شىء سوى أن تمر. والسرد فى «باب الخروج» لا يسجل الأحداث كما وقعت، فليست الرواية تعليقا على الأحداث نفسها بقدر تركيزها على أسئلة المصير الإنسانى والتعبير عن الشخصية الفردية.
ولكن أسئلة الوجود الإنسانى فى الرواية ليست تأملات غليظة أو موضوعات ذهنية مجردة منفصلة مستقلة، بل متفجرة إلى مدركات محسوسة وانفعالات ومتحولة إلى وقائع وأفعال ذات صلابة.
إن هذه الأفكار الكبيرة تقوم بتمييز تفاصيل وخطوط لهذا الواقع. ولم يسجن السرد الحقيقة الواقعية فى مذهب سياسى مغلق، ولم يصور الشخصيات كذوات مفكرة فحسب بل جعلها تفكر بإرادتها ومشاعرها أى بلحمها ودمها.
وتكف المشكلات فى الرواية عن أن تكون مشكلات فكرية مجردة بل تتعلق بعمليات اتخاذ القرار المعقدة لتوجيه السلوك من خلال عواطف وأمزجة ومشاعر متقلبة.
ويقوم السرد بتحليل حالات وجدانية لدى الشخصيات كالوقوع فى الحب وخيانته وانتهائه فى غمار السلوك السياسى والكلام فى السياسة.
والراوى المترجم المسجل لم يكن يفعل شيئا خاصا به أو نابعا من أعماقه. فلم يقم إلا بترجمة ما يقوله آخرون بعضهم لبعض.
وفى رسالته إلى ابنه -التى تستوعب سرد الرواية- يكرر ما يقوله آخرون عن معنى ثورة يناير وأحداثها، إضافة إلى معاناته الشخصية وينبغى أن نميز بين الراوى والمؤلف.
فثورة يناير عند اليسارى مصورة على أنها مجموعات كثيرة من الشباب وغير الشباب تنتمى إلى توجهات سياسية وفكرية متباينة كثير منها غير مسيس، ولا شىء يجمعهم سوى المطالب السلبية مثل رحيل رأس النظام وإلغاء مباحث أمن الدولة وإلغاء الحرس الجامعى، وما من أيديولوجية سياسية لنظام متكامل. وثورة يناير عند الليبرالى تتحدد بأن الشباب يخاف من الإخوان الذين يمنعون أى محاولة لبناء توافق على المطالب والأفكار لأنهم عنده يريدون الميدان كما هو مجرد أداة للضغط فى حين تأتى الرؤية من عندهم جاهزة ويكون التفاوض مع السلطات محتكرا لهم.
فالليبرالى يتسم بالتفكير شديد التنظيم والوضوح، يفكر ويتحدث كأنه يضع رسوما لمبنى لا يعرف شيئا عن الحياة داخله. أما الراوى المترجم سكرتير المعلومات، وكاتب الجلسات فلم يكن ضد أحد ولا مناصرا لأحد. ومع ذلك حاول دفع بعض مطالب ثورة يناير داخل نظام غاشم وعنيف.
ثم جاءت فى السرد المتخيل الاضطرابات التى حدثت بعد رحيل رأس النظام دون سيطرة أو قيادة وبلا مطالب محددة، حينما كانت المصالح والخدمات معطلة وحدثت سرقات وأعمال نهب وقتل ضد البنوك والمحلات التجارية الكبرى. وامتدت إلى أملاك الأفراد من جانب مجاذيب ثورة الفقراء أو ثورة الجياع التى طال توهمها.
وفى العام الأول لم تسقط الثورة نظاما كاملا ولم تقم نظاما جديدا ولكنها خلخلت الأشياء وهزتها من أعماقها وصار الناس أكثر حرية على الرغم من الاعتداء على المتظاهرين السلميين وقتلى ماسبيرو وغيرهم فى أماكن أخرى والمحاكمات العسكرية للمدنيين.
وفى العام التالى إيماء إلى الخشية من الإسلام السياسى وأصحاب التفسير المتخلف للدين واستغلاله لأعراض دنيوية كأن مصر يجرى تسليمها لحفنة من المتطرفين والمهووسين يفرضون على الناس ما يجب أن يفعلوه أو لا يفعلوه.
لقد ظل الراوى طويلا فى رحلة البحث عن الخروج من المتاهة التى وجدت البلاد نفسها فيها. وحينما قرر الخروج من سلبية ثلاثين سنة لم يجد أمامه طريقا سوى ما يمكن لبعض الناس أن يعتبروه خيانة، على العكس مما يتصوره هو عن مغامرته، فهى للحيلولة دون نجاح مؤامرة تخاطر بأمن الوطن مخاطرة ذرية. وليست الرواية مجموعة سيناريوهات سياسية متخيَّلة كتبها محلل سياسى مرموق، فهى رواية تصور شخصيات حية تعيش فى الحاضر اليومى المتغير دوما.
ونغمة الرواية تحتفى بما ليس مؤسلبا وما ليس مثاليا جامدا، فجانبها السياسى ليس أفكارا منفصلة معزولة عن البنية الفنية. فهى ليست وثيقة سياسية.
كما أن «باب الخروج» لا تذهب فى التأنق الجمالى بعيدا ولا توحى بتفضيل اللا سياسى بعد تصويرها الوحل السياسى.
فقراءتها لا تؤدى إلى تفضيل مسار مغاير لكتابة الروايات يكتفى بتسجيل حياة بسطاء الناس وهم يسلكون ويتأملون ويشعرون ويتخاطبون كما كانت الحال فى غابر الأزمان أيام طاعة أولى الأمر. فتلك اللا سياسة تمارس بالفعل سياسة شديدة الدمامة هى السكوت عن واقع القمع والقهر.
وليس فى ذلك إنكار لوجود تناقض نسبى بين الكاتب المهموم بالجمالية الأدبية وبين اتجاهه نحو التعبير السياسى. ولكنه تناقض حاول عز الدين شكرى التغلب عليه بنجاح.
يتخيل الراوى مستقبلا بعد خلع مبارك بتسع سنوات رافضا ما فيه من إحباط وقمع. فلم يكتب المؤلف الرواية إسهاما منه فى المجهود الثورى.
ويومئ الراوى إلى تشابه المستقبل المتخيل مع منطق «مزرعة الحيوان» لأورويل حيث يتحول حلم التحرر الطوباوى الثورى إلى واقع كابوس شمولى.
ويستنتج الراوى أن ما يحدث فعلا شديد البشاعة حينما لا توجد قيادة عقلانية للشارع المتفجر غضبا. فليست حياة الشعب من وجهة نظر الراوى شاعرية أو نبيلة، بل مليئة بالكد والقسوة مما عوده على القسوة التى انتقلت إلى أفراده فصاروا قساة. وهناك أزمة حكومية، فكيف يمكن لحكومة بلا تجانس وتفتقر إلى وسائل للحل ودون مال أن تتعامل مع مطالب متضخمة.
كما لم يعد لتيار سياسى واحد أغلبية تلقائية تؤيده فقد تفتت تأييد جميعها، كل قرار له معارضوه وكل اختيار له الذين يرون عكسه داخل التيار السياسى نفسه. فنحن بعد مرور تسع سنوات على سقوط رئيس ما قبل ثورة يناير فى واقع متخيل يخنق البشر ويحبط أمنياتهم.
وكلمة الخروج فى عنوان الرواية تذكر القارئ بسفر الخروج فى التوراة، وبالبنية الفنية للعهد القديم. إنه الخروج من قهر فرعون مصر إلى الإقامة فى أرض كنعان.
وهى إقامة شاقة فى أرض معادية بشعة بعيدة عن الأمنيات الموعودة. إنها تشبه الواقع المتخيل لمصر عند راوى «باب الخروج» فأوضاع الضائقة الاقتصادية يرافقها هوان كرامة كثرة الأفراد.
وتبرز نغمة الراوى نفورا من سلوك جماعى فى الاحتجاج والمطالبة كأنه تصرفات دابة بدائية. ويؤكد الراوى أن حركات الاحتجاج الشعبية لا تكشف عن مُثل عليا نبيلة، بل هى شديدة الضراوة.
ويرفض أن تنطلق طاقتها بلا ضابط أو عقال على الرغم من أنه يرجع ذلك الجموح إلى كبت الديكتاتورية طويلا لحرية التعبير.
ولا تسير حركة الجماعة المحتجة فى الرواية ضمن تصميم منطقى كأنه خطة أو حبكة للأحداث المتفرقة لكى تنظمها، فالأحداث تتنامى فى تفرع حكايات تسمح بها رحابة موضوعات التناول والتصوير سائرة فى ما يشبه الفوضى. وتقف رواية «باب الخروج» عند ذروة الصراع والتوتر وليس عند خاتمة تقدم حلا لهما أو تفصح عن توجه سياسى محدد لا خلاف حوله وإن احتوت إيماء إلى التفاؤل بمستقبل الشباب.
وقد صور الراوى أنه فى تقلبات الفوران السياسى المتخيلة تبلورت القوى السياسية وبدأت تتمرس على المناورة والمساومة. وصعد صديقا الراوى كل فى معسكره.
الصديق اليسارى برز ضمن قادة معسكر ثورى يضم إلى جانب اليسار السياسى النقابات والعاطلين وعموم الفقراء. والصديق الليبرالى برز وسط ممثلى الليبرالية والقوى المدنية الديمقراطية كما درب كوادر من الشباب لبناء تنظيم لأنفسهم شبه مستقل فى الأحياء والقرى. ويطيل الراوى تصوير الاحتجاجات والانقسامات العنيفة التى صارت وضعا دائما مع استحالة تلبية المطالب الشعبية بسبب الضائقة الاقتصادية واستشراء تردى أحوال الأمن، واستفحال عجز مؤسسات الدولة عن العمل أو صدّ هجوم البلطجية.
ويتخيل الراوى انفجار عنف قادم من العشوائيات فى انتفاضة للجوعى والمعدمين ضد السياسيين جميعا. ولم يعد الإسلام السياسى متحمسا للاستيلاء المنفرد على الحكومة كما كان فى الماضى تفاديا للمواجهة مع مطالب جماهيرية مستعصية على الحل.
وكانت المناورات وحسابات المصلحة الضيقة والتحالفات الانتهازية المؤقتة هى التى تحدد من سيكون وزيرا أو رئيسا لوزراء دون اعتبار لوزن تياره وسط الجماهير أو لقدرته الفعلية على حل المشكلات.
وفى هذه الفوضى وهذه المتاهة توافقت الأجهزة التى احتفظت بسلطانها على تكليف صديقى الراوى اليسارى ثم الليبرالى بمناصب وزارية، الأول رئيسا للوزراء والثانى وزيرا للداخلية. وبدأت علامات تحول الوزير الليبرالى إلى الفاشية بادعائه التطرف فى الثورية. وبرز دور الشباب الذين دربهم فى شبكة الشباب الديمقراطى وبدأ التمهيد لنواة ما سمى الحرس الحديدى للثورة تداهم المضربين والمحتجين والمفكرين الأحرار وتطلق على القتلى منهم بلطجية. وقد أخرج الليبرالى المنسلخ جهاز أمن الدولة وقيادات الداخلية من الصورة وأعاد هيكلة جهاز الشرطة على هواه.
وبدا فى الظاهر والدعاية الصاخبة منفذا لأهداف الثورة الشعبية وطالب بإنشاء محكمة الثورة لتحاكم رجال أمن الدولة ورموز النظام القديم، وهو يضرب المطالبات العمالية وأى شكل من أشكال التعبير عن رأى مخالف فى الوقت نفسه. وستكون محكمة الثورة فى مصر مستقبلا شبيهة بعهد الإرهاب فى الثورة الفرنسية ما بين 1793 – 1794 حيث أعدم آلاف الناس. وستشبه نهاية الليبرالى السابق نهاية روبسبيير، فقد حكمت عليه محكمة الثورة التى كان رائد إنشائها بالإعدام بعد أن وصل على أكتاف الشباب المضلل والفوضى الأمنية إلى رئاسة الوزراء محتفظا بوزارة الداخلية مستندا إلى تنظيم سياسى أمنى يكاد أن يكون حديديا.
لقد أعدم نظام الكعب الحديدى السلفيين واليساريين والمعارضين والمحتجين، وأدخل مصر فى نفق لولبى ينزلق فيه الجميع ويدوس بعضهم بعضا ويقتتلون دون أن يعرف أحد بابا للخروج. وكل ذلك الهول وراء قناع من استمرار الثورة والحرية وصالح جميع الطبقات. ولم يكن الجديد حدة العنف ووحشيته بل قبول كثيرين له مخدوعين. ومع ذلك لم يمنع الإرهاب والتضليل الغليان الشعبى رغم السجون والعقوبات القاسية يقوده النقابيون واليساريون المتبقون. فوجه الديكتاتور ضربته القاتلة إلى صديقه وحليفه القديم وكتلته، فأيد الجيش والإخوان والأجهزة إحالة الديكتاتور إلى محكمة الثورة.
بل لقد وافق الشباب الليبراليون أنفسهم على ذلك بعد أن انفضوا من حوله. وشعر عموم الناس بالارتياح بعد نهاية كابوس النظام الفاشى بعد عامين من إجرامه. وجرت الانتخابات فى جو من الهدوء وعدم الاهتمام واكتسحها الإخوان يليهم مستقلون وتراجع الليبراليون الموصومون بالإرهاب الثورى، ولم ينجح أحد من اليساريين وفاز مرشح الإخوان بمنصب الرئاسة. ويدعى الراوى أن ما حدث فى مصر المتخيلة مماثل لما حدث فى كل الثورات الأخرى، مرحلة من العنف تجتث النظام القديم وآثاره ثم تنتهى بعنف مشابه وتبدأ القصة من جديد.
ويحكى الراوى الذى ربما اشتط فى تفسيره لعهد الإرهاب بإرجاعه إلى التكوين العقلى للديكتاتور الفرد وإلى حرسه الثورى دون تفسيره بأى مصلحة اقتصادية استغلالية لفئات اجتماعية تفيد منه وتساعده.
فالدنيا كما تبدو للراوى تحكمها الأمزجة والحظوظ كما تقول الأغنية الصعيدية.
ويحكى الراوى أن الدنيا فى المستقبل المتخيل هدأت كثيرا بتولى الرئيس الإخوانى السلطة، بل لقد رفض القرض المقدم من صندوق النقد على العكس مما حدث فى الواقع الراهن، مع استمرار الانكماش والميزانية غير الموزونة.
ولم تفلح الزيارات المتعددة لدول الخليج والأحضان التى أغدقها الرئيس على شيوخه فى حملهم على مد يد المساعدة. وبالإضافة إلى ذلك أغلق الإخوان بعض المسارح هجوما على حرية التعبير الفنى.
وصارت شبكة الخدمات الاجتماعية التى أقاموها فى الأحياء والقرى وأدت دورا فى تحسين أحوال الفقراء تئن تحت ضغط الطلبات المتزايدة ومحدودية الموارد.
ويتخيل الراوى قيام انقلاب عسكرى فى المستقبل لإنهاء عصر الفوضى والمغامرات غير محسوبة العواقب ينهى حكم رئيس الإخوان كما يتخيل قيام حركة شبابية لاستعادة الحكم المدنى. وهنا يدفع الاضطراب واستعصاء الحلول كثيرين إلى البحث المتواصل عن باب للخروج من مركب سائر نحو المجهول. واعتقد كثيرون أن الخلاص سيأتى على يد الشباب الذين اتجهوا فى الماضى إلى الليبرالية ثم تحولوا من التنافس مع شباب الإخوان إلى التعاون معهم لمواجهة التحديات جميعا.
ويظن الراوى أن هذه الجذور الفتية تتمشى مع فاعلية الشعب التى لا تريد العودة إلى الماضى ولكنها فى الوقت نفسه لا تريد الثورة، فلا يريدون اضطرابات ولا صراعات.
فهم يرفضون ما حدث من قتل الناس بالآلاف من أجل تطبيق المشروع الثورى تطبيقا مثاليا.
فهذا هو تفسير الراوى لتحول يوتوبيا الثورة إلى كابوس شمولى، كأنه شىء لصيق بجوهر الثورة وهو يتوهم أن كل الثورات فى كل الأزمنة فى كل بلاد العالم أدت إلى كوارث أكبر من الظلم الذى كانت تهدف إلى اقتلاعه.
ويتساءل الراوى هل نجحت ثورة واحدة فى التاريخ فى تحقيق العدل، فكلها حاولت تطبيق الحلم على الواقع قسرا.
إن الراوى ليس كلى المعرفة ولا يجسد الضمير الاجتماعى وتاريخه واتساع علاقاته بممثلين نموذجيين لاتجاهات رئيسية مكن المؤلف من أن يوظفه فى إبداع تخيل يدفع بالقوى السياسية المتصارعة المختلفة إلى آخر مدى، يفرضه منطق اتجاهها السياسى والفكرى والاجتماعى فى تصوير مستقبل متخيل، وتقديم رواية فذة تجمع الرؤية الرحبة العميقة إلى القيمة الفنية الرفيعة.