الشيوخ يفتح ملف التنمر داخل المدارس بحضور وزير التربية والتعليم    للأفضل أكاديميا.. إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025 (تفاصيل)    «بي بي سي» تتهم «Perplexity» بسرقة محتواها وتهدد بإجراء قانوني والمطالبة بتعويض    وزارة النقل: وصول أول قطار للخط الرابع للمترو مايو 2026.. ودراسة تنفيذ مراحل جديدة    شمخاني يؤكد نجاته من هجوم إسرائيلي ويتوعد إسرائيل بالنصر القريب    ممثل إيران الأممي: نتوقع من الأمين العام ومجلس الأمن القيام بواجباتهما    كاتس: نريد تقويض النظام الإيراني    تقرير أممي يكشف حجم الانتهاكات ضد أطفال فلسطين في 2024    أول الراحلين عن الأهلي بعد كأس العالم للأندية    «لا مبالاة؟».. تعليق مثير من علاء ميهوب على لقطة «أفشة»    تقارير: آرسنال يخطط لضم نجم البلوز    الحماية المدنية: 9 ناجين ووفاة واحدة في انهيار عقارين بحدائق القبة    ضبط 16 مليون جنيه حصيلة تجارة العملة خلال 24 ساعة    بالاسم ورقم الجلوس... موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بكفر الشيخ    العثور على جثة شاب بها طلق ناري بطريق الملفات بصحراوي قنا    بسبب دعوى خلع.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو اعتداء سيدة على أخرى بالدقهلية    «قدر ولطف».. زوجة أحمد سعد تكشف تفاصيل نجاتهم من حادث سير    فيلم "ريستارت" يحافظ على المركز الثاني في شباك التذاكر    الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ المنشاوي    أطباء مستشفى الأزهر الجامعي بأسيوط ينجحون في استخراج هاتف محمول من معدة مريض    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    «باركود» وخط ساخن للشكوى.. تفاصيل الزي الموحد للسايس في شوارع القاهرة    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخر في تصادم ميكروباص ونقل ثقيل بالفيوم    "القابضة لمياه الشرب" تعلن فتح باب القبول بالمدارس الثانوية الفنية    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب    "التنمية المحلية × أسبوع" رصد أنشطة الوزارة خلال 13–19 يونيو 2025    رئيس وزراء صربيا يزور المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارة والأهرامات    وزير الدفاع الإسرائيلى: نواصل مهاجمة المنشآت والعلماء لإحباط البرنامج النووى لإيران    بعد نشر البوستر الرسمي ل أحمد وأحمد.. غادة عبد الرازق تتصدر التريند    أول ظهور ل هدى المفتي بعد أنباء ارتباطها بأحمد مالك (صورة)    وفقًا للقانون.. ما الحالات التي تسقط فيها نفقة العدة والمتعة للمطلقة؟    مصر تتدخل بتحرك عاجل لوقف الحرب بين إيران وإسرائيل    محافظ المنوفية: "مشروعك" وفر 30 فرصة عمل بتمويل قارب ال11 مليون جنيه    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    تشغيل مستشفى القنطرة شرق بعد تطويرها بتكلفة 400 مليون جنيه    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    إير كايرو تتعاقد على طائرات جديدة لتعزيز أسطولها الجوي خلال مشاركتها في معرض باريس للطيران    رئيس وزراء جمهورية صربيا يزور المتحف الكبير والحضارة    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    الرئيس الإيراني: وقف العدوان الإسرائيلي دون شروط هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب    وفاة رئيس لجنة ثانوية عامة متأثرا بإصابته في حادث سير بأسيوط    محافظ أسيوط يوجه بتخصيص أماكن لعرض منتجات طلاب كلية التربية النوعية    إدراج 20 جامعة مصرية في النسخة العامة لتصنيف QS العالمي لعام 2025    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    «الرصاصة الأخيرة».. ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ (السيناريوهات)    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    وزير الزراعة يبحث مع البنك الدولي تعزيز التعاون لدعم جهود التنمية في مصر    حالة الطقس في الإمارات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    البوري ب130 جنيه... أسعار الأسماك في أسواق كفر الشيخ    وزارة البيئة تشارك في مؤتمر "الصحة الواحدة.. مستقبل واحد" بتونس    إنتر ميامى ضد بورتو.. ميسى أفضل هداف فى تاريخ بطولات الفيفا    صباحك أوروبي.. انتكاسة مبابي.. غرامة مانشستر سيتي.. وموناكو يتمسك ببوجبا    برشلونة يقترب من حسم صفقة نيكو ويليامز رغم تعنت بلباو    الشكوك مستمرة حول مشاركة مبابي ضد باتشوكا    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    ريبييرو: أغلقنا ملف بالميراس.. ونستعد لمواجهة بورتو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عز الدين شكرى فشير يستشرف العام 2020 ويراهن على انتصار الشباب على سنوات التيه
فى روايته الجديدة «باب الخروج»:
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 08 - 2012

فى كل مرة يوقع عز الدين شكرى فشير عملا أدبيا جديدا، تتسابق الأقلام لتقديم هذا الوجه السياسى الذى لايزال شابا فى عرف المصريين رجل الدبلوماسية المحنك، وأستاذ العلوم السياسية الذى يحل ضيفا فى البرامج التليفزيونية الجادة والذى فوق ذلك كله يكتب أدبا وينافس مرات عديدة على جائزة البوكر للرواية العربية. غير أن ما يهم فى هذه المداخل كلها والتى تشهد جميعها بلمعان الكاتب عز الدين شكرى، هى قدرته على الاستفادة من خبراته الوظيفية والمعرفية والسياسية لتكون تكئة، بل وحافزا لينقلب عليها جميعا ويعطى للخيال والفانتازيا دور البطولة. أى أنه ينطلق من الواقع الذى يقرأه بعمق وأناة، ثم لا يلبث أن يشطح بخياله بعيدا ليبنى عالما روائيا من دم ولحم. فعلها فى روايته «أسفار الفراعين» (1999) حين يواجه فيها الشخصيات ظاهرة تفشى «العفن» فى أرجاء البلاد جراء الجهل والفقر، وفى «غرفة العناية المركزة» (2008) حين يكشف عن مؤمرات دولية تحكم دهاليز العمل السياسى وتشبه روايات الخيال العلمى لكنها يغلفها دائما السياسى.

وفى روايته الجديدة «باب الخروج» التى صدرت منذ أيام عن دار الشروق يرسم شكرى ببراعة من خلال شخصية «على» الراوى الرئيسى الذى يكتب رسالة لابنه يحيى عبر صفحات الكتاب ال483 حياة موظف الدولة، المترجم فى الرئاسة، وكواليس عمله ونجاحه فى أجواء شديدة المحافظة والبيروقراطية، الذى يضحى بدكتوراه فى الفلسفة من الصين وبحب أول فى حياته من أجل تراب الوظيفة المضمونة العالية المستوى، ينفق عمره فى ترجمة مقالات لا يعرف مصيرها بينما حرب الخليج مشتعلة. نموذج لشخصية تنتمى للطبقة الوسطى العليا، مثله مثل العديدين من أبناء طبقته الذين بنوا نجاحهم على الثبات والاستقرار وعدم التبرع بأى جديد أو تجديد، والابتعاد عن أى شبهة تغيير، ثم تأتى ثورة 25 يناير لتزعزع مسلماتهم، أو كما يصف الراوى العام الأول من الثورة أنه خلخل الأشياء وهزها من أعماقها». حيث يقول لابنه فى رسالته «أنا المترجم الذى قضيت معظم حياتى داخل القصر الرئاسى، الذى يتوه إن خرج من مصر الجديدة ولا يعرف شيئا يُذكر عن «الشعب»، والذى لا يفهم كثيرا فى السياسة (...) عرفت وأنا جالس هناك فى صباح 29 يناير 2011 أن الأمر قد انتهى، وأن مصر قد انفجرت وخرج ما فى باطنها إلى السطح ولن يعود كما كان قبل ذلك اليوم».

يثبت الكاتب أقدامه فى واقع هذه الطبقة وإشكاليتها، يقرأ الواقع السياسى الذى نعيشه ليطلق لخياله العنان، ويحكى روايته أو رسالته فى عام 2020، أى بعد وخلال تسع سنوات من اندلاع الثورة المصرية. فيستشرف فى عالمه التخييلى ما يروق له من تداعيات اللحظة، الاخوان الذين يسعون إلى الاستئثار بالسلطة لأطول فترة ممكنة، ينفتحون على القوى السياسية الأخرى من أجل حكومة ائتلافية. شخصية الصديق «عز الدين فكرى» الذى يبدو من اسمه (القريب من عز الدين شكرى) وخلفياته أنه المكمل الموضوعى لشخصية علىّ الرئيسية والذى يدرس العلوم السياسية فى كندا ويعود إلى وطنه برؤية نقدية للحياة العلمية الجامعية فى مصر ويصبح بعد سنوات من الثورة وزير داخلية مدنيا ثم يطالب بمحاكمات ثورية لرءوس النظام السابق، فتتحول الشخصية الممثلة للنقاء الثورى إلى الفاشية. بينما تتطور شخصية اللواء القطان الذى رسمها الكاتب ببراعة وكان فى البداية رئيس الديوان الرئاسى واسع السطوة قوى النفوذ الذى تزوج على من ابنته ندا، والذى حاول فى البداية أن يطأطئ رأسه لرياح الثورة، ثم أصبح وزيرا للدفاع وعند اندلاع الثورة الثانية فر مع ابنته وحفيده دون علم زوجها واعتبر أن مكوث على فى مصر وسط اشتعال الثورة وعدم السفر لحماية أسرته نقوصا لا يليق بالرجال. ويصبح تجسيدا حيا لكل ما يلعنه الثوار.

التسلح بالحكاية ضد الموت

أما قمة الخيال والفانتازيا فتأتى من الحبكة نفسها، حيث تتشكل الرواية على أساس خطاب مكتوب، يغازل أدب الرسائل منذ العنوان نفسه وهو «رسالة علىّ المفعمة ببهجة غير متوقعة»، يرسلها على إلى ابنه يحيى، يتوجه بها إلى ابنه ذى العشرين عاما والذى تسنح له الفرصة أخيرا لكى يروى له ما ضاق به صدره وحمله ثقيلا سنوات طوال. يكتب «على» تحت تهديد الزمن، مثلما فعلت شهرزاد قديما بأن اشترت عمرها بالحكاية. لأنه فى خلال 24 ساعة فقط ينبغى أن ينتهى من رسالته قبل أن يتحدد مصيره بالنجاة أو بالموت على ظهر سفينة تحمل شحنة نووية متوجهة إلى مصر، فيقرر على أن يخون قومه ظاهريا ويشى بأمر السفينة حفاظا على أمن الوطن، كما لو كان بإقدامه على هذه الخطوة الفدائية الثورية يمحى تاريخا كاملا من الرعونة والسلبية، وفى نفس الوقت تصبح لحظة حتمية لا يمكن تجاوزها ليروى لابنه المحطات الأساسية التى مر بها فى حياته حتى وصل إلى «باب الخروج»، إلى هذه اللحظة المصيرية. وفى كل لحظة تمر من زمن المصائر المعلقة، يزداد نشوة واستمتاعا بالمخاطرة نحو كفة الميزان الراجحة، وكلما دنا الوقت كلما شعر ببهجة قرار الخروج من القمقم الذى دفن نفسه به طويلا.

فى مقابل مخاطرة الحكى وحتميته، يدخل عز الدين شكرى فشير فى نفس الوقت مغامرة الكتابة المسلسلة، حيث قام بنشر روايته على مدى 68 حلقة يومية بجريدة التحرير، نفذها الكاتب بطريقة work in progress التى نعرفها فى الفنون الأدائية والمسرحية والتى تعتمد على الابداع الفورى أمام الجمهور أو بمشاركته أيضا فى بعض الأحيان. وتكمن المغامرة الممزوجة بالمتعة لدى الكاتب فى بناء العالم الروائى المركب والمتشعب بطريقة مسلسلة لا تتسع للمحو والتعديل والإضافة، بل تنسج يوميا تحت عيون القارئ الذى لا يتوانى عن المشاركة والتقييم والتعليق على مصائر الشخصيات. وقد سمحت هذه التقنية من خلال الرسالة التى تنشر يوميا للقراء على التعليق على الأحداث الآنية، وفى نفس الوقت استشراف سنوات ما بعد الثورة. حيث يتوجه على إلى ابنه فى الرسالة قائلا بعد مرور عام على الثورة «فلا تتعب نفسك يا بنى فى محاولة التوصل إلى معرفة حقيقة ما حدث بالضبط، وهل كان الأمر انتخابات مزورة أم انتخابات ملغاة أم انقلابا أم انقاذا أم صفقة... لا فرق بين هذه الروايات. المهم أنهم أشعلوها، واستولى العسكر على الحكم بدعوى إطفائها».

باب الخروج

أما العنوان «باب الخروج» فيشير إلى قراءات استعارية وجمالية، بل وفلسفية إذا اعتبرنا الخروج هو خروج عن نسق فكرى ما وقالب تسجن فيه الشخصية نفسها ثم سرعان ما تخرج وتتمرد عليه. هكذا كان حال «على» شخصية الرواية المحورية الممثلة لطبقة كاملة وعلاقاته المحكومة بحاجز زجاجى، والذى ظل دوره سلبيا حتى أذن موعد الخروج. باب الخروج أيضا من المجتمع المحافظ المعقم للتعرف على العالم الواسع الذى يتسع للفقراء مثل عفاف وميرفت وحسن. بل يبدو منطق الرواية الرسالة كاملا بكل ما تشهده من إرهاصات الثورة الثانية والعنف والتيه والتحولات الجذرية هى الطريق نفسه الذى يصحب فيه الأب ابنه كى يطلعه على باب الخروج.

فضلا عن المعنى الأشمل لباب الخروج الذى يتسع لخروج الوطن من التيه والتضليل، والذى يكثفه الكاتب فى نهايات الكتاب فى مقطع بليغ الدلالة، يتجاوب أيضا مع تصميم الغلاف الذى يسيطر عليه الزى العسكرى المموه ويتجلى من حلكته باب الخروج مضيئا منيرا.

فيقول على لابنه بعد أن تعافى من السلبية الرازحة، وبعد أن آمن بالثورة كما لم يؤمن بها من قبل: «لقد أخذ الأمر منا سنوات طويلة حتى وصلنا إلى هذه النقطة. وهؤلاء الشباب الذين لم يعلِمهم أحد، ولم يدربهم أحد، ولم يجدوا أحدا يقتدون به، نشأوا رغم ذلك راغبين فى الحق والخير والجمال وأطلقوا ثورة لم نر مثلها فى بلدنا من قبل. لكن العواجيز ضللوهم، تسع سنوات من التيه والفوضى والقتل. ورغم ذلك كله يوشكون الآن، وحدهم، على الخروج من هذا التيه. تعلموا من فشلهم وفشلنا، وراجعوا أنفسهم، وأعادوا تنظيم صفوفهم بطريقة أخرى أفضل وأكثر نجاعة، ويتأهبون الآن لإزاحة هؤلاء العواجيز الخونة الذين يسدون الطريق والخروج. والقطان واقف عند المخرج كى يضللهم ويعيدهم للمتاهة من جديد. لم أكن معهم فى البدايات، ولم يكن إسهامى مهما فى سنوات التيه، بل كنت شاهدا أخرس معظم الوقت. سأتصدى أنا لهؤلاء العواجيز القتلة. وإذا سقطنا معا فى صراعنا الدامى هذا فلا ضير، سأكون قد أسديت خدمة لا أحد غيرى يستطيع إسداءها إليك وإلى جيلك كله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.