حلّق النسر الأصلع عاليا فوق الغابة، يرقب ما يجري فيها بعينيه الثاقبتين، وإلى جواره النسر الأسود يستطلعان أين ستحط بهما أقدامهما، حطا فوق شجرة وارفة الأغصان، يتناقشان حول مصير حيوانات الغابة الضعيفة، واقترح النسر الأصلع على رفيق طيرانه أن يقتسما تركة الجمل الضعيف والخراف الطيبة التي لا تدرك قيمة الكنوز التي تحت أقدامها، رحب النسر الأسود برأي صاحبه ضاحكا، وسأله عن طريقة نهب كنوزهم دون أن يشعروا، طمأنه النسر الأصلع وبرقت عيناه مكرا: – لقد بلغت الطيبة والسذاجة بهذه الخراف أنها تصدق كل ما أقوله لهم، سأعلن غدا عن مسابقة لأجمل نعجة، وسيتهافتون جميعا لرؤية أجمل النعاج، وبينما هم مشغولين بالرقص حول الفائزات، سننقض نحن لاقتناص ما نريد ونعود من حيث أتينا. همس النسر الأسود: إنك ماكر يا صديقي، لكن ماذا سنفعل مع الدب الكبير، إنه لن يدعنا نفلت بغنيتمنا أبدا. طمأنه النسر الأصلع قائلا:
– لا تخف يا صديقي، لقد قابلته منذ أيام وأخبرني عن تمرد بعض الخراف في شرق الغابة، سأدع له مهمة القضاء على تمردهم، فهو يحب أن يظهر قوتَه، وبينما هو مشغول بذلك نقوم نحن بما عزمنا عليه، وسيكون راضيا وإلا فهي الحرب الضروس بيننا، وهو يعرف ذلك ويعرف أيضا أنه لا قبل له بمحاربتي، فأنا أطير عاليا، وأستطيع تأليب كل حيوانات الغابة ضده، وهذا أكثر ما يخشاه الدب فلا تقلق يا صديقي. همس النسر الأسود بقلق:
– أتراك نسيت الديك ذو العرف الأحمر؟ إن له سطوة عظيمة على طيور الشرق، ولن يسمح لنا بالانفراد بهذا الكنز دونه، وأنت تعرف كيف ينقلب ديكا متوحشا ينفخ عرفه الأحمر، وينفش ريشه ضد كل من يجرؤ على المساس بمصالحه شرق الغابة، ماذا ستفعل معه؟ فكر النسر الأصلع قليلا ثم قال وقد علت منقاره ابتسامة ماكرة: – سأترك له جانبا هاما يطل على البحر شرق الغابة، فهو يحب أن يسيطر على منابع الماء من أجل دجاجاته، هل اطمئن قلبك الآن يا صديقي؟
– نعم يا سيد السماء اطمئن قلبي، لكن ماذا عن الضبع الذي يعيش وقبيله في شرق الغابة قرب منطقة الجمل العجوز والخراف البلهاء؟ – لا تقلق، إنهم عيوننا على هذه المنطقة، وهم ينقلون لي باستمرار كل أخبار ضعف واستكانة وخضوع هذه الحيوانات المغفلة الطيبة، وانشغالهم بالأكل والشرب والتناسل يلهيهم عن رؤية الأخطار التي تحيق بهم من كل جانب، وقد قام الضبع بزيارتي قبل يومين واتفقت معه على جعل الخراف يصدقون أن هناك هجوما ضاريا ستتعرض له شرق الغابة، وعاد الضبع وأدى مهمته على أكمل وجه وأعلن أنه لن يسمح للثور الكبير أن يعرض شرق الغابة لأخطار لا قبل لأحد بصدها، وقد جاءتني البارحة الأخبار من بعض النعاج والخرفان الذين جندناهم، أن جميع الخراف قد أعدت العدة لمهاجمة الثور الكبير الذي يقبع وحيدا في شرق الغابة، بعد أن صدقوا أكذوبة حليفنا الضبع، هل رأيت كيف يسهل قياد هذه الخراف المغفلة وجملهم البائس يا صديقي؟ ضحك النسر الأسود بصوت عال وقال:
– تعجبني أفكارك يا صديقي الماكر، لقد خططت لسيطرتك على الغابة جيدا، لكن ماذا عن الفهد؟ ابتسم النسر الأصلع ابتسامته الماكرة قائلا: لا تقلق فقد ضمنت ولاءه منذ زمن بعيد، لا قلق منه أبدا. تساءل النسر الأسود بفضول: قل لي كيف ضمنت ولاءه يا سيد السماء؟
– كان ذلك منذ سنين، عندما أشاع الضبع أن الفهد أكل بعض أفراد قبيلته و ملأ الدنيا صياحا على أهله، و منذ ذلك اليوم والفهد كالخاتم في أصبعي يفعل كل ما أمليه عليه دون نقاش، بل قمت بإقناعه على دفع دية لأهل الضبع وإلا كان الثمن طرده من الغابة إلى الأبد، ولكي أرد له بعض كرامته التي أهدرها الضبع، جعلت له بعض المكاسب في شرق الغابة يتمتع بها طالما استمر في دفع الدية، أتعرف يا صديقي ما الحيوان الذي يؤرق منامي؟ رد النسر الأسود بقلق وقد بدا القلق على ريشات رأسه:
– من الذي يجرؤ على إقلاق منامك يا صديقي، قل لي وسترى كيف أقضي عليه. ابتسم النسر الأصلع ابتسامة باهتة وقال:
– لن تستطيع يا صديقي، فالتنين أصبح كالمارد، وخطره يكبر، وسطوته تزداد يوما بعد يوم خاصة في شرق الغابة، إن له أعوانا مخلصين هناك، وهو يقبض بيد من حديد على كل أعوانه هناك، حتى أني لم أستطع تأليب أحد في شرق الغابة ضده، وقد سيطر على كل احتياجات الغابة تقريبا، لقد احترت مع هذا التنين اللعين، قل لي ماذا أفعل؟ قال النسر الأسود:
– يمكننا أن نرسل له من يغريه ببعض المكاسب في غرب الغابة، ما رأيك؟ – لا أعرف يا صديقي، إن هذا التنين وقبيله يتكاثرون بسرعة، حتى فاق عددهم كل تخيل، أتعرف؟ سأتظاهر بصداقتي له حتى أتمكن يوما من الانقضاض عليه وهزيمته. ابتسم النسر الأسود قائلا وقد اطمئن قلبه: – نعم الرأي أيها النسر الأصلع الماكر.
طار النسران محلقَين عاليا جنبا إلى جنب، ينظران من علٍ إلى الغابة وسكانها من الحيوانات والطيور والزواحف، وكلها لاهية عما يدور حولها، واطمأن النسر الأسود إلى حكمة صديقه ودهائه، في التمكن من إخضاع حيوانات الغابة بأكملها لسيطرتهما معا، وارتفعت ضحكاتهما عاليا حتى بلغت عنان السماء.