*** في مثل هذا اليوم من العام الماضي فقط.. كان الشعب في انتظار أن تمن عليه السماء بمن يقدر علي أن يقول للديب "عو".. واكرمنا الله بشباب مخلصين قالو فعلاً للديب الأكبر ولكل ديب "عو" وميت "عو". إلا أن المفاجأة الكبري.. أنه ومع اطفاء الشمعة الاولي للحدث الجلل فوجئنا بديب جديد ربيب.. وذئاب أكثر وعورة وشراسة.. لم يستطع أحد أن يقول لها عو حتي الآن.. ديب يحلم لكل ديب.. ديب مخادع ماكر.. ديب يحلم بالانقاذ لكل الذئاب.. يحلم بافتتاح جديد للغابة وعودة حياة الغابة والسلب والنهب.. ووصل ما انقطع بين شلل الفساد وزبانية الظلم والاستبداد. لا أكاد أنا وغيري يصدق ما يجري بعد الاربعاء الحزين الذي انطلقت شرارته من بورسعيد.. وانتقل إلي بر مصر شرقاً وغرباً. ومن قبلها بأيام قليلة وعلي الخط نفسه.. لم أكد أصدق اذني وأنا أسمع أحاديث ومرافعات عن حكام مستنبدين يحاكمون وهم مستلقون علي أظهرهم - كبراً وعناداً - داخل القفص.. ويشبهون برسول الله صلي الله عليه وسلم.. ويطالبون بالصبر كما صبر أولي العزم.. فقط صبر النبي علي أذي كفار قريش حتي لجأ إلي الله تعالي يشكو إليه ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه علي الناس. نعم كتب الأديب الكبير نجيب محفوظ رائعته الشيطان يعظ في منتصف القرن الماضي.. ونحن الآن وبعد الثورة.. أمام كوميديا من نوع جديد أكثر سوادا.. الديب يعظ.. ومن داخل قصر العدالة.. الديب يخاطب موكله في القفص في ختام مرافعات أهال فيها التراب علي القاصي والداني.. وحولنا جميعاً إلي بلطجية أشرار.. يقول لموكله المستلقي علي ظهره في القفص وجذوة الثورة لا تزال متقدة: "يا نسر الجو الجريح يا قائد نسور مصر الأبطال يا من حملت روحك علي كفيك وقاتلت من اجل مصر وواجهت الموت فنجاك الله لتواصل مسيرة السلم. لا تحزن وأنت تفاجيء بعذر من غدر بك وانت تسمع بنيك وأخواتك وقد قلبوا لك ظهر المذلة وانقضوا عليك وأنت أعزل. لا تحزن وكن جلداً كعادتك فأنت لست بأفضل من رسول الله عندما وجد عنتا من أهل مكة ومكث في الطائف واكتشف أن أهلها ليسوا بأفضل من مكة". فدعا الله عندما خرج من الطائف قائلاً "اللهم إني أشكو إليك قلة حيلتي وضعف قوتي وهواني علي الناس". ردد هذا الدعاء الكريم فإن حكموا لك بالبراءة فهذا حكم الله. وإن حكموا عليك بالعقوبة فلا تبتئس فتلك إرادة الله. *** بصراحة لقد بدأت أشك بالفعل أننا في ثورة.. أو أن الثورة مستمرة كما يقولون.. ما هذه الثورة التي يترافع فيها الديب عن الملائكة؟ وما هذه الثورة التي تصبر علي الإهانات الموجهة لها وللشعب وللثوار وللجيش ولكل مخلوق موجود علي بر مصر.. الذين أصبحوا أشد وطأة من شياطين الانس والجن في تدبير المؤمرات والكيد لمصر وشهدائها وادمان العبث بأمنها واستقرارها. أصبحت أشك في قيام الثورة بعد أن أقنعنا الديب بأن موكليه هم الأشراف الأطهار في هذا البلد.. وأن الآخرين هم أولاد "أي حاجة".. وأنهم علي الحق والشيء الصحيح في هذا الكون.. وكأننا نعيش في بلد آخر غير مصر.. مصر التي لا نعرفها.. مصر التي تغلي وتبحث عن أمن واستقرار علي مدي السنين.. مصر الثائرة والمنطلقة علي طريق جديد للديموقراطية الحقيقية.. مصر التي تلملم جراحها وأشلاءها في محاولة للخروج إلي مستقبل يليق بها وبأبنائها.. في هذا الخضم الثوري المتلاطم يخرج علينا الديب ليقول إن موكله لا يزال هو الرئيس الفعلي.. أن موكل الديب هو نسر النسور.. هو القائد الأعلي للقوات الجوية.. هو وهو وهو وهو. *** السؤال هل يجوز في ظل الثورة أن نسمع ما يرويه الديب عن المريب؟ هل يجوز في عرف الثورات أن يسمح للديب أن ينهش الثورة والثوار وحماتها وشهدائها..؟ وإذا سلمنا بأن لكل زمان ديب.. فإن الثورات ما جاءت ولا كانت إلا من أجل الذئاب وموكليهم.. واني لأعجب من حالة الصمت أو قل البرود تجاه الديب وكل ديب رغم أنهم يمثلون رؤوس الفتنة المحدقة والخطر الداهم. رحم الله الايام الأولي للثورة.. والتي لم يكن يجرؤ أحد علي أن يتفوه بكلمة بشأن اقترابه أو قربه من المخلوع.. وكان هناك تكتم شديد علي أسماء الأشخاص الذين يمكن أن يدافعوا عنه.. وكأن الأمر أشبه بالأسرار العسكرية.. بل إنهم كانوا يسارعون إلي التبرؤ من ذلك إذا ما حامت شبهة من هنا أو هناك. عجبت للصمت الغريب ممن يدعون حماية الثورة ورعاية الثوار ويزعمون بأن الثورة مستمرة.. علي ما يقوله الديب مع أن ادبيات التراث الشعبي المصري علمتنا أن: "النعجة العياطة تحمي ولادها من الديب".. وحتي في الأمثال الشعبية التونسية يقولون: وين يهرب الديب من زروق الشمس..؟ وفي الأمثال الشعبية السورية يقولون: "اذكر الديب وحضر القضيب". ان الصمت علي ما يقوله الديب ويفعله كل ديب والسماح بنشره عبث واستهانة بالثورة والشهداء.. والسماح باستمراره تحت أي مسمي وباسم أي حصانة استهتار وخطر جسيم.. ويذكرنا بالواقعة التاريخية الفظيعة التي رواها الأصمعي ويحفظها الجميع.. وذلك عندما سمحت تلك الأعرابية بانسانيتها لذئب صغير أن يرعي مع غنمها ويعيش في كنفهم بدلاً من وحدته وضياع حاله.. حتي فوجئت ذات صباح بأن الذئب قد أكل شاة لها فاخذت تنوح وتقول عبارات وكلمات حكيمة جليلة مخاطبة الديب ولكن بعد فوات الأوان: بقرت شويهتي وفجعت قلبي.. وأنت لشاتنا ولد ربيب غذيت بدرها وربيت فينا.. فمن أنباك أن أباك ذيب إذا كان الطباع طباع سوء. فلا أدب يفيد ولا أديب..!!