عبد المنعم سعيد انتقد دعوة البرادعى للإشراف القضائي لأن ذلك لايحدث فى «الدول الديمقراطية» وصلاح عيسى كتب مقالا غامضا طالبه بتقديم برنامجه قبل الترشح.. فتش عن التوقيت! عبدالمنعم سعيد كما كان متوقعا، بدأت حملة الصحف الحكومية وكتابها «الكبار» علي الدكتور محمد البرادعي وظهرت حجج هؤلاء القوية ودعواتهم للبرادعي «بالتعقل» واتهامهم له «بالعمل لصالح الجماعة المحظورة» وتحذيرهم من أن أي فوضي «سيتولي الجيش» التعامل معها وتذكير الرجل بأنه لا يعلم شيئا عن مصر لأن الرجل عاش فترة طويلة من حياته بالخارج. هذه هي مختصر «الهجمة» علي البرادعي وخلاصة منطق «حوله شوق في حاجة» الذي تتبعه صحف الحكومة عادة إذا ما خرج من يطرح أي تصورات أو أفكار تعارض ما يؤمن به نظام الحكم ورجاله. الهجوم حمل بصمة كتاب محسوبين علي نظام الحكم بشكل مباشر أو بحكم مسئولياتهم أو بحكم أفكارهم خلال الفترة الأخيرة، ولنبدأ بما كتبه كرم جبر رئيس مجلس إدارة روزاليوسف، فقد قال الرجل - لا فض فوه - وبالنص: «المحظورة تلعب علي المستقلين والبرادعي للوصول للرئاسة، والجيش لن يقف متفرجا لو حدث ذلك لا قدر الله». فجأة تحول البرادعي في وجهة نظر رئيس مجلس إدارة روزاليوسف إلي «أداة تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين من أجل الوصول للسلطة». طبعا دعك من هذا التبرير فكتاب الحكومة ينسبون كل كبيرة وصغيرة وكل شاردة أو واردة تحدث علي أرض مصر للإخوان ولكن الأخطر أن يتحدث جبر عن تدخل الجيش وهو نوع من «تخويف برادعي» من جانب، والجمهور الذي يناصره من جانب آخر، وهي المرة الأولي التي يلوح فيها أحد كتاب الحكومة بالجيش، وكأنها دعوة تحريضية للقوات المسلحة التي هي ملك الوطن وهي خارج أي سجال سياسي يحدث في مصر مهما بلغت حدته. علي كل حال لم يكن ما كتبه الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام أفضل كثيرا مما كتبه كرم جبر وإن بدا ما كتبه سعيد يظهر وكأنه سجال سياسي ولكن المدقق في مقالة سعيد في الأهرام يعلم ببساطة أنها محاولة للهجوم علي البرادعي والتقليل من قدراته وإمكانياته في نظر المواطنين الذين تعامل الكثيرون منهم علي أن الرجل هو «المنقذ» مما تعيشه مصر من ترد سياسي واقتصادي واجتماعي، فقد كتب بالنص: «الجدية التي تليق بصاحبنا هنا تبدأ بالمصارحة معه أن سبعة وعشرين عاما من البعد عن مصر تحتاج منه أن يلتقط أنفاسه قليلا بعد تجربة عريضة في منظمة دولية مهما كانت مرموقة، فإن هناك فارقا كبيرا بينها وبين دولة وأمة ومجتمع يلخصها عنوان عريض في التاريخ اسمه مصر». و هي نفس الاسطوانة المشروخة التي يرددها كل أركان النظام الحكام ورجاله وقد أصبحت غير مؤثرة بعد أن أثبت خطاب البرادعي أنه يعرف مصر أكثر مما يعرفها كثيرون من رجال النظام بمن فيهم جمال مبارك نفسه ويكفي أن تراجع أحاديث الرجل عن الفقر والبطالة والتعليم والعشوائيات لتعرف أن كل ما يكتبه رجال النظام يعبر في الأصل عن حالة من «الفزع» مما يطرحه الرجل. أما أغرب ما كتبه رئيس مجلس إدارة الأهرام «الليبرالي» قوله تعليقا علي مطالب وجود قاضٍ علي رأس كل صندوق خلال الانتخابات «مثل ذلك لا يوجد في الدول الديمقراطية المتقدمة والنامية التي طالبنا الدكتور البرادعي أن نعمل علي مثالها وطالما أنه سوف تكون هناك لجنة قومية مستقلة ومحايدة ومشرفة علي كل تفاصيل الانتخابات، فما هي الحاجة لشل السلطة القضائية كلها ولفترة طويلة وجر القضاء كله إلي ساحة السياسة المفعمة بالأهواء والمصالح». هكذا فجأة أصبحت مطالب نزاهة الانتخابات عن طريق الإشراف القضائي الكامل مجرد محاولات «لشل السلطة القضائية»، «وجر للقضاء إلي ساحة السياسة»، مع تأكيد سعيد علي أن اللجنة «القومية والمستقلة» هي الحل لضمان نزاهة الانتخابات طبعا لم يستطرد الدكتور ليحدثنا عن دور هذه اللجنة خلال الانتخابات الماضية «الشوري والمحليات» وقد كانت انتخابات مزورة من الألف إلي الياء بتقارير كل المنظمات الحقوقية والصحف، واكتفي الرجل بانتقاد ما يطرحه البرادعي وبطرح بدائل موجودة بالفعل لكنها فشلت في أن تضمن نزاهة الانتخابات أو حق الناس في التصويت أو حتي الترشيح وكانت مجرد صيغ يديرها الأمن من البداية حتي النهاية. علي كل فقد كان هجوم السادة رؤساء مجالس الصحف القومية علي البرادعي مفهوما، فهو دور تقوم به هذه الصحف ورجالها خلال الفترات «الحرجة» التي يبدو فيها النظام ضعيفا أو مرتبكا، أما غير المفهوم فهو في هذه المقالة «الغامضة» التي كتبها صلاح عيسي في المصري اليوم، فالرجل ليس محسوبا - ولو نظريا - علي نظام الحكم وهو محسوب تاريخيا علي «اليسار المصري» ولا نعرف لصالح من يكتب صلاح عيسي مشككا في جدوي ما يطرحه البرادعي، مطالبا الرجل بخطوات طرحها عيسي نفسه وإلا فإن البرادعي سيكون قد خاطب الناس علي طريقة « انتخبوني تجدوا ما يسركم» أول ما يثير الشكوك في مقالة عيسي هي المقدمة التي قال فيها بالنص: «إن النشطاء السياسيين الذين اجتمع بهم المدير السابق لوكالة الطاقة النووية في منزله سألوه: هل نحن نجتمع بهدف السعي من أجل إصلاح دستوري، أم بهدف دعم ترشيحك في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟.. فكانت إجابته الواضحة: بل من أجل دعم ترشيحي للرئاسة».. هكذا دون أن يعلق أي من الحاضرين علي رد البرادعي واستجاب الجميع «لأوامره» صاغرين ويبدو أن الأستاذ صلاح نفسه لم يعد يقرأ الأحداث بعناية فقد جاءت نتائج اللقاء التي تحدث عنها عيسي في مقالته مختلفة تماما عن هذه المقدمة الغريبة للمقالة، فقد كانت النتائج هي المطالبة بتعديلات دستورية تضمن حق كل المصريين المؤهلين للمنافسة علي موقع الرئاسة وهو ما تجاهله عيسي واستمر في مقالته واستمر في تقديم نصائحه للدكتور البرادعي مطالبا بضرورة أن يضع البرادعي «برنامجًا واضح المعالم للإصلاح الدستوري» وهو خلط غريب عندما يقع فيه كاتب بحجم صلاح عيسي يجب أن نتشكك، فالبرادعي ليس مرشحا للرئاسة وقد طرح الوصول إلي التحول الديمقراطي عبر مرحلتين الأولي هي تعديلات حالية تضمن نزاهة الانتخابات المقبلة وقد باتت علي الأبواب والثانية الدعوي لوضع دستور جديد لمصر يضمن تغييرات حقيقية في النظام السياسي ويحوله إلي نظام قائم علي الديمقراطية وليس علي الفرعون الذي يحكم للأبد ولكن عيسي قد تجاهل كل هذا وراح يشكك فيما يطرحه البرادعي علي طريقة «أنا مخدتش بالي».