اليوم.. الحكم على المتهمين بخلية المرج الإرهابية    السيطرة على حريق شقة سكنية في العمرانية.. صور    إصابة شخص في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    اليوم.. بدء محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب في بولاق الدكرور    أسعار الدواجن اليوم السبت 17-5-2025 في محافظة الفيوم    بغداد تستضيف القمة العربية ال34 والعراق: مواقفنا لن تكون ردود أفعال وإنما إلى الفعل والتأثير    ليلة خاصة في الدوري المصري.. مواعيد مباريات اليوم السبت 17- 5- 2025 والقنوات الناقلة    موعد مباراة الأهلي ضد البنك في دوري "نايل" والقنوات الناقلة    موجة شديدة تضرب البلاد اليوم| وتوقعات بتخطي درجات الحرارة حاجز ال 40 مئوية    اللقب مصرى.. مصطفى عسل يتأهل لمواجهة على فرج فى نهائي بطولة العالم للاسكواش    موعد مباراة الأهلي ضد الخلود في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    استقرار الأخضر.. سعر الدولار أمام الجنيه اليوم في البنوك    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 17 مايو 2025    اليوم، انقطاع مياه الشرب عن مدينة الفيوم بالكامل لمدة 6 ساعات    مستقبل وطن المنيا يُطلق مبادرة "طلاب فائقين من أجل مصر".. صور    الطقس اليوم.. ذروة الموجة شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء    فى عيد ميلاده ال85.. عادل إمام داخل صالة تحرير "اليوم السابع" (تخيلى)    قومية الشرقية تقدم "محاكمة تاجر البندقية" ضمن شرائح المسرح بالزقازيق    محام: أحكام الشريعة الإسلامية تسري على المسيحيين في هذه الحالة    نقيب العلاج الطبيعي: إحالة خريجي التربية الرياضية للنيابة حال ممارسة الطب    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    بقصة شعر جديدة، كاظم الساهر يحيي اليوم حفل دبي والإعلان عن عرض ثان بعد نفاد التذاكر    غيبوبة سكر.. نقل الجد المتهم في الاعتداء على حفيده للمستشفى بشبرا الخيمة    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    مصرع شاب غرقا داخل ترعة المحمودية أثناء محاولته إنقاذ شقيقه بالبحيرة    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    الاتحاد الأوروبي والصين يعلّقان استيراد الدجاج البرازيلي بعد اكتشاف تفش لإنفلونزا الطيور    العراق يؤكد: مخرجات قمة مصر بشأن غزة تتصدر جدول قمة بغداد    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    «المشاط» أمام «الأوروبى لإعادة الإعمار»: ملتزمون بإفساح المجال للقطاع الخاص    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    بعد رباعية الجونة.. إقالة بابا فاسيليو من تدريب غزل المحلة    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    رئيس مصلحة الضرائب: حققنا معدلات نمو غير غير مسبوقة والتضخم ليس السبب    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    ملاك العقارات القديمة: نطالب بحد أدنى 2000 جنيه للإيجارات بالمناطق الشعبية    توافق كامل من الأزهر والأوقاف| وداعا ل«الفتايين».. تشريع يقنن الإفتاء الشرعي    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    ضربة لرواية ترامب، "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة    لكزس RZ 2026| طراز جديد عالي الأداء بقوة 402 حصان    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    رئيس الوزراء العراقى لنظيره اللبنانى : نرفض ما يتعرض له لبنان والأراضى الفلسطينية    ترامب يلوّح باتفاق مع إيران ويكشف عن خطوات تجاه سوريا وبوتين    مدير إدارة المستشفيات يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا بالمنوفية    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    اليوم.. «جوته» ينظم فاعليات «الموضة المستدامة» أحد مبادرات إعادة النفايات    انطلاق الدورة الثانية لمهرجان SITFY-POLAND للمونودراما    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان المسلمون بقلم: أنور السادات (6)
نشر في الدستور الأصلي يوم 21 - 10 - 2012


1-الإخوان يعملون بوجهين فكيف نثق فى صدق نواياهم؟
بعد أن مدت لهم الثورة يدها -بحسن نية- وأخرجتهم من السجون ونفخت فيهم كانت -أى الثورة- تأمل أن يبدأ الإخوان فى تحقيق أهداف الدين لا أهداف تجار الدين، وفى تحقيق أهداف الدين الحقيقية خدمة كبرى للثورة.. أى للشعب.. لكن الهضيبى وأعوانه -وهم من ذوى الأطماع- استغلوا حسن النية هذا من الثورة، فبدؤوا يعملون بوجهين.
فأمام رجال الانقلاب يظهرون بمظهر الصديق العامل على معاونتهم لبلوغ كل الأهداف.. هذا أحد الوجهين!
والوجه الثانى للهضيبى وأعوانه هو أنهم بدؤوا يتجهون إلى العمل -السرى- وأين؟ بين صفوف القوات المسلحة.. بين الضباط وصف الضباط! فعملوا على تكوين خلايا سرية تخضع لتوجيهات الهضيبى وأعوانه.. وكان الهضيبى يخدع هؤلاء الضباط وجنود الصف بالأمانى العريضة، فكان يقول لهم مثلا: إن له نفوذا على الثورة وإنه سوف ينجح فى القضاء عليهم، ثم بعد ذلك يمكن أن توزع الأسلاب!
وهكذا كان الهضيبى -يتعاون مع الثورة- وهكذا كان الإخوان يثبتون أقدام رجال الانقلاب.. وهكذا كان دورهم فى الثورة!
بل لقد اتجه الهضيبى، صاحب الوجهين، إلى رجال البوليس.. فبدأ أيضا يمنيهم ويضللهم، ويكون من بينهم خلايا سرية استعدادا للقضاء على الثورة، كما كان يرجو ويحلم.. حتى تتحقق أهدافه التى جرفها الطوفان بعد إسقاط النظام الملكى.. هذا خلاف اتصالاته بالإنجليز ليمهد الطريق للانقلاب الذى يحلم به.. فأبدى استعداده للإنجليز بالاتفاق معهم وبعقد معاهدة سرية لا يعلم بها الشعب عندما يقفز إلى مقعد الحكم! وعرفت حكومة الثورة كل هذا فلم تقدم على إجراء عنيف لوقف هذا النشاط المدمر، فبدأت الحكومة تنصح وتنذر المرة تلو المرة، ربما ارتد هؤلاء المتآمرون عن غيهم فيعودوا إلى الجحور، لكن سياسة العمل بالوجهين استمرت وعين الثورة لا تنام.. وكان لا بد لكى لا تتعرض البلاد لنكسة تعصف بمستقبل هذا الشعب أن تأخذ الثورة هؤلاء المتآمرين بالشدة، خصوصا بعد أن بدؤوا يكونون تنظيمات سرية مسلحة!
والثورة قد أعلنت أنها ما قامت إلا لكى تمهد الطريق أمام الشعب، فتقوم حياة ديمقراطية نيابية سليمة لا مثل تلك التى كانت قائمة فى الماضى، وكان الشعب فى كنفها ضائعا لا يملك من أمر نفسه شيئا.. ولما كان وجود تنظيمات سرية مسلحة تخضع لإحدى الهيئات ما يتنافى مع الحياة الديمقراطية النيابية التى تستهدفها الثورة، وتعمل على أن يعيش الشعب فى كنفها.. ولما كان من بين نشاط تلك التنظيمات السرية المسلحة إشاعة الإرهاب فى البلاد وأعمال التدمير والطعن من الخلف.. وبهذا تكون الثورة كأن لم تكن، وتكون قد خضعت البلاد من النظام الملكى ومن فاروق لتسلمها لقمة سائغة لصنيعة الهضيبى.
فقد كان إذن من الضرورى -بل من المحتم- أن توقف الثورة هذا النشاط السرى المسلح، وتعيد الفئران إلى جحورها.. فكان أن اعتقل المرشد العام وأعوانه، لما شاءت الظروف الطارئة أن يعلن رجال الثورة فى مارس الماضى تنظيمهم عن المسؤولية، ولا أريد أن أناقش هنا تلك الظروف.. فموضوع اليوم خاص بالهضيبى وأعوانه..
أقول: شاءت الظروف أن يعلن رجال الثورة تخليهم عن المسؤولية، وصدرت قرارات 25 مارس بعودة الأحزاب وإنهاء الثورة، وجاء الأستاذ فؤاد جلال للرئيس عبد الناصر ليتوسط للإخوان، فرجاه أن يقابل الدكتور عبد القادر سرور، أحد أعضاء جماعة الإخوان، وفعلا تمت المقابلة فى اليوم نفسه الذى صدرت فيه قرارات الثورة.
وهذه هى حقيقة المسألة أسردها لكى لا يتوهم أحد ممن قرؤوا خطاب الهضيبى السرى أن ما رواه الإمام الكبير له قلل من الحقيقة..
تحدث الدكتور عبد القادر سرور مع الرئيس جمال عن الموقف الذى كانت تقفه البلاد.. وقال للرئيس جمال: إن الأحزاب تستعد لمعركة الجمعية التأسيسية، وليس من الخير أن تدخل تلك الأحزاب المعركة دون الإخوان، وطلب عبد القادر من الرئيس جمال أن يضرب صفحا عن الماضى، وما همنا أن قررنا أن تقوم الجمعية التأسيسية فى 23 يوليو، فمن الخير أن يطبق على الإخوان ما سوف يسرى على جميع الأحزاب، فيخرج من اعتقل منهم ليمارسوا نشاطهم، ووافق جمال عبد الناصر وقال له بالحرف الواحد:
سوف أصدر أمرا اليوم بإخراج الإخوان وإعادتهم، فنحن اليوم وقد انسحبنا من الميدان وحملنا المسؤولية للأحزاب لا أجد أمامى سببا لاستمرار اعتقالهم، وهنا طلب عبد القادر سرور الآتى:
- الإفراج عن ضباط الجيش من الإخوان المتهمين بتكوين تنظيمات سرية.
- أن تتم الثورة جميلها فتصدر بيانا تنفى فيه التهم التى وجهت للإخوان.
ورفض الرئيس جمال هذه الطلبات، وبعد ذلك توجه فؤاد جلال وعبد القادر سرور مع أحد الضباط إلى المعتقل، ثم عادوا بعد ظهر 25 مارس، وقالوا: إنهم قابلوا المرشد العام، وأنه الآن بعد صدور قرارات 25 مارس يريد أن يخرج مع زملائه من المعتقل، حتى لا تفوتهم الفرصة المعطاة للأحزاب.
وصدر الأمر بالإفراج عن جميع المعتقلين من الإخوان وغيرهم، وهذه هى الحقيقة، أما ما يقوله الهضيبى من أن رجال الانقلاب بعثوا إليه قبل الإفراج عنه من أنهم يأسفون أنهم يطلبون نسيان الماضى والتعاون.. إلخ.
فهذا هو الكذب مجسما، فإن رجال الثورة كانوا قد قرروا الانسحاب نهائيا من ميدان السياسة، فلما يأسفون، ولماذا يتعاونون مع غيرهم؟! لقد قال الرئيس جمال عندما طلب منه فؤاد جلال وعبد القادر سرور زيارة الهضيبى فى بيته.
إننى أقبل هذه الزيارة بكل سرور، لسبب واحد، وهو أننا أعلنا اعتزال السياسة والعودة إلى ثكناتنا، وفى هذه الحالة لن يقول قائل: إنى أذهب إلى الهضيبى طالبا معونته أو تأييده.. وأعتبر أن زيارتى له من باب تصفية الأعمال! وكان ما كان وثار الشعب على قرارات 25 مارس أو بعبارة أصح ثارت طبقات الشعب التى شعرت بأن مصالحها بعد اعتزال رجال الثورة السياسة أصبحت مهددة، وأن كل ما كانوا يفعلون فيه من أفعال تحقق تلك المصالح أصبح بعد تلك القرارات حلما مثلما كان يحلم فاروق، وألغيت قرارات 25 مارس على ضوء هذه الحقيقة وبناء على إرادة الشعب، وكان الإخوان قد استفادوا -طبعا- من قرارات 25 مارس، فهم قد خرجوا من المعتقلات، وهم يمارسون نشاطهم، فاستغلوا تلك الفرصة وبدؤوا ينشرون الأكاذيب والسموم بين الناس ويطلقون الشائعات، وعاد عبد القادر سرور مرة أخرى إلى الرئيس جمال عبد الناصر يعرض التعاون، فقال له جمال:
إننى غير مستعد للتعاون معكم، فأنتم تعملون بسياستين! سياسة تواجهوننى بها وسياسة تبينونها فى الخفاء، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.. وأراه الرئيس جمال المنشورات السرية التى يصدرها الإخوان ويهاجمون فيها الثورة بالأكاذيب والاختلاق..
وعاد جمال يقول له:
إننى لا أثق فى قيادتكم كما لا أثق فى صدق نواياهم.. لهذا فأنا لن أقبل التعاون إلا إذا عدتم إلى الحق وأنهيتم حملة الأكاذيب والشائعات والمنشورات المليئة بالكذب، ثم بعد هذا يمكن أن نحاول التفاهم، فإذا نجحنا فى التفاهم فلنحاول التعاون.
فهل كفة حملة الشائعات.. وهل كف الإخوان أو الهضيبى وبطانته بمعنى آخر عن إصدار المنشورات الكاذبة التى سطرت بلون الحقد والضغينة والحسد واليأس من المستقبل.. مستقبل الرجعية والانتهازيين أقصد؟!
لا، بل استمرت وزاد الكذب وتضاعف البهتان.. إن الهضيبى لا شك يريد أن يعوض ما فقده من هدوء ومهادنة أيام فاروق..
لكنه ينسى أن سنة التطور تقضى بأن الشعب إذا ما حصل على مكاسب يستحيل لأى قوة أن تنتزعها منه، لهذا فكل ذلك النشاط المخرب إن دمر فسوف يدمر أصحابه، لا الشعب.
جريدة الجمهورية 19 سبتمبر 1954
2-حسن الهضيبى يتوسط مجموعة من الضباط الأحرار ويظهر بينهم جمال عبد الناصر
إن موقف الأستاذ حسن إسماعيل الهضيبى من الثورة يدفعنا إلى مواجهته بهذه الحقائق التى تذاع لأول مرة على الرأى العام
إن الثورة كانت دائما تتغاضى عن مثل هذه المواقف وتلتزم منها موقفًا سلبيًّا ثقة منها فى وعى الشعب وتمسكه بأهدافها العظمى التى تصنع مستقبله العظيم
وكانت الثورة -ولا تزال- تؤمن بأن الشعب قد مرت به تجارب ضخمة هائلة تجعله يعرف أعداءه، وتجعله يكشف عن الزيف وأيضا تجعله يفهم أين الحق وأين الباطل
إن ثقة الثورة فى وعى الشعب لن تتزعزع ولن يُضعفها -إطلاقا- ما يقوم به بعض الانتهازيين من نشاط مدمر هدفه العودة بهذا الشعب إلى الوراء.. إلى أيام الرجعية والاستبداد والفساد السياسى
زعيم الانتهازيين
وقد استغل الانتهازيون هذه الثقة المقدسة لمضوا -بعد أن عرفوا أن لا أمل لهم فى تحقيق مطامعهم- يحاولون النيل من وطنية القائمين على الثورة، ويشككون فى أهدافهم، وفى الأعمال الجليلة التى كافحوا السنين الطوال من أجل تحقيقها. وقد تزعم الأستاذ حسن الهضيبى هؤلاء الانتهازيين طلاب الأسلاب والغنائم والطامعين فى أهداف خيالية، وبدأ فعلًا يناقش نفسه وهو يحاول أن يظهر أمام جماعة الإخوان كإمام مُخلص حر، هدفه تحرير الشعب، بل والشعوب الإسلامية كلها، من الاستعمار والفساد والظلم!
لهذا أرانى مضطرا -من أجل الشعب- إلى كشف الستار عن حقيقة ذلك الإمام الكبير وبطانته.
معارضة الإخوان
وقبل أن أبدأ فى سرد هذه الأسرار الخطيرة أحب أن أشير إلى أعجب فقرة وردت فى خطاب الإمام الكبير حسن الهضيبى، والذى أرسله إلى الجمعية التأسيسية فى أثناء اجتماعها الأخير، وأنا هنا -كما قلت- أتطوع بنشر خطابه على الرأى العام.
قال الإمام الكبير بالحرف الواحد فى خطابه سالف الذكر:
«هذا الذى فعله الإخوان المسلمون من معارضة الاتفاق مع المستعمرين ليس شهوة عندهم، وإنما هو أصل دينهم، فإن أحكام الإسلام تقتضى أنه إذا وطئت أقدام العدو أرض المسلمين وجب على كل واحد منهم صغيرًا وكبيرًا -والرجل والمرأة فى ذلك سواء- أن ينهضوا لدفع العدو أيا كان، حتى يعيدوه إلى عقر داره، وإذا كانت ليست لنا قدرة على ذلك حتى الآن، وإلى أن يمنحنا الله القوة لدفعهم، أو يوجد من أسباب ضعفهم ما يمكننا من ذلك، فليس لنا أن نرضى بوجودهم على أرض الإسلام بمقتضى اتفاقات نعقدها معهم، ولا أن نرضى بأن يربطنا معهم أى ارتباط كان. فإذا جلوا عن أرض الإسلام فللمسلمين أن يرتبطوا بالاتفاقات التى تقتضيها مصلحة الإسلام، وإذا كانت الحكومات ستضطر إلى قبول مثل هذه الاتفاقات فى ما يخالف هذا -الأصل- وجب على الإخوان المسلمين أن يحافظوا كل المحافظة على هذا الأصل حتى لا يقعوا فى ما وقع فيه غيرهم مختارين أو مضطرين إلى مخالفة الأصل الذى قدمته لكم».
أصل الدعوة!
ومنه ظهر أن فضيلته يرى أن أصل الدعوة -التى هو حريص عليها جدًا- تلتقى مع المسلمين رجالا ونساء أن يهبوا لمصارعة العدو، فلما وطئت أقدامه أراضيهم، وأن معارضة فضيلته لاتفاقية الجلاء ليست شهوة مثلا أو مِن بطانته، وإنما هو أصل فى دعوتهم.
فهل كان -إذن- أصل الدعوة هذا غير موجود عند مكابدى فضيلته استعداده لمستر إيفانس فى أثناء مقابلته المشهورة له لعقد اتفاق سرى مع بريطانيا لا يعلم به الشعب أو الإخوان أنفسهم.
بما تسمى هذا يا فضيلة المرشد؟! هل هذا أصل فى الدعوة، أم أنك تتفق مع المنطق فتسميه شهوة؟
اتفاقية الهضيبى
إن عقد اتفاق سرى يتعلق بمصير شعب مسلم فيه خداع تام للمسلمين، فهل يضمن -أصل الدعوة- الخديعة؟ وأنا هنا لا أريد أن أترك لك فرصة تكذِّب فيها هذه الحقيقة الضخمة، وأجدنى مضطرًا أن أقبلها حتى أقطع عليك الطريق.. طريق الادعاء والعمل بعديد من الوجوه.
ما رأيك يا صاحب الفضيلة فى هذه الحقائق: فى أبريل عام 1953 وبعد أن عرف رجال الثورة أنك اتصلت بمستر إيفانس، ووصلت معه إلى تحديد الخطوط الرئيسية التى على أساسها سوف يتم الاتفاق مع بريطانيا. اجتمع فضيلته بالأساتذة: الدكتور خميس حميدة، وحسن العشماوى، وعبد القادر حلمى، وفريد عبد الخالق، وصالح أبو رقيق، ومنير الدلة، وبررت أمامهم أنك تباحث فعلا الإنجليز. وقلت أيضا: وهذه هى الحقيقة الثالثة: إنك تؤمن بأن بريطانيا هى الصديق التقليدى لمصر، ثم قلت وهذه هى الحقيقة الرابعة: إنك وافقت على بقاء قاعدة قنال السويس العسكرية، ووافقت وهذه هى الحقيقة الخامسة على حق عودة القوات الإنجليزية إلى تلك القاعدة فى حال الهجوم على مصر أو أى دولة عربية.. أو..
وهذا عجيب جدا فى حال وقوع حرب عالمية ثم.. ثم قلت لهم يا فضيلة المرشد -وهذه هى الحقيقة السادسة- إنك وافقت فى أثناء مباحثاتك مع العدو على أن يبقى فنيون من جنود إنجلترا للمحافظة على القاعدة.
اعترافات وشهود
وإنى هنا فى حِل من إذاعة أمر آخر خطير لكى لا تجد فرصة تفلت بها من هذه الحقائق الرهيبة.. والسر تعرفه أنت ويعرفه الأساتذة الذين اجتمعت بهم لتبرر أمامهم اتصالاتك بالإنجليز.
لقد حضر هذا الاجتماع -أيها الشعب- البكباشى جمال عبد الناصر، والصاغ صلاح سالم، والصاغ كمال الدين حسين، وعقد الاجتماع سالف الذكر فى منزل منير الدلة. ومن الشهود على مسألة اتصالاتك تلك بالإنجليز كثيرون، فمن بينهم أعضاء من مجلس قيادة الثورة، وأعضاء من جماعتك، وكلهم سمعوا اعترافاتك والمبررات التى تذرعت بها أمامهم لتوضيح موقفك العجيب.
تصرفك هذا الذى ينطوى على الخداع وعلى الانتهازية وعلى الحقد الدفين نحو رجال قاموا فى غفلة منك بطرد صديقك فاروق وبالقضاء على المفاسد التى كنت أنت راضيًا بها بل ومدافعا عنها.
وشهد شاهد من أهله..
ولا تتسرع فتطلب كل ما ذكر -الآن- فسوف أسوق دليلا جديدا على خدعتك الكبرى تلك.. وهذا سر آخر خطى أجدنى مضطرا إلى إذاعته لكى أكشف نهائيًّا الأقنعة العديدة التى يضعها ذلك الرجل -الهضيبى- على وجهه..
والسر الخطير هو:
فى يوم الخميس الماضى -9 سبتمبر عام 1954- أى منذ ستة أيام فقط لا غير، وتحت سقف بيت الرئيس جمال عبد الناصر جلس الدكتور خميس، نائب مرشد الإخوان، والأستاذ عمر التلمسانى، والشيخ أحمد ثريت، والحاج محمد حمودة، وعدد آخر من شباب الإخوان المسلمين، وتكلم الدكتور خميس أمامهم جميعا، فشهد على كل تلك الحقائق الست التى ذكرتها أنا الآن.
ولم يكد الدكتور خميس ينتهى من حديثه حتى قفزت علامات الدهشة تترسم على وجوه الحاضرين من شباب الإخوان ومن كبار الإخوان. الدهشة لا لأنهم عرفوا أنك اتصلت بالإنجليز -فعلا- أو لأنك أبديت استعدادك لعقد ذلك الاتفاق السرى معهم. أو لأنك وافقت على عودة القوات البريطانية بمجرد قيام حرب عالمية، بل لأنك أوهمتهم -أستغفر الله- بل أكدت للإخوان أن مسألة اتصالاتك بالإنجليز تلك ليست إلا من نسج خيال جمال عبد الناصر.
إن جمال عبد الناصر رجل اعتاد أن يعمل ويعمل ويعمل.. لا أن يسرد حواديت..
وأنتقل إلى ما قاله أخى صلاح سالم أمس فى بيانه عن موقفك من الكفاح المسلح. وتمالك أعصابك يا إمام يا كبير، فإنى والله اضطررت إلى تعريف الناس بك وبحقيقة نواياك. وبحقيقة وطنيتك، وحرصك المزعوم على مصالح الشعب وعلى قضايا المسلمين، فقد ضقنا ذرعا بالصمت والسكوت عن أبطال هذه الأيام، ضقنا ذرعا باتهامات الانتهازيين والمضللين، لكنهم أبطال كفاح ونحن الكاذبون ونحن الخارجون على الدين وعلى التعب!! أليس هذا رأيك يا خليفة الله فى الأرض؟!
استعد إذن لسماع الحقائق لنقلها من تاريخك الملىء بالأكاذيب الكبيرة وبالبطولة المفتعلة المزيفة.. استعد لمواجهة الشعب عاريا ويلا لك.. تاجر الدين..
تاجر الدين
فأنت -مثلا- تقول فى خطابك الذى أرسلته من هيئتك إلى الجمعية التأسيسية للإخوان: إن الأصل فى الدين هو أنه إذا وطئت أقدام -عدو- أرض المسلمين وجب على رجالهم ونسائهم أن يهبِّوا لرد ذلك العدو عن تلك الأرض. أنت إذن وطنى وتؤمن بالله، يجب إخراج الغزاة والاشتباك معهم وردهم على الأعقاب، وأنت لا تطالب الرجال فقط فى بلاد المسلمين بأن يفعلوا هذا، بل وتطالب أيضا نساء المسلمين بخوض المعركة، وهذا كلام أوافقك عليه تماما يا سيدى، بل إن الذى لا يؤمن بهذا الذى قلته عن مصارعة المستعمرين والاشتباك معهم وردهم عن الديار ليس إلا عميلًا من خلافهم أو انتهازيًّا أو طامعًا فى غنم وفى أسلاب.. والذى لا يقول هذا ويفعله ما هو إلا مدعى ومضلل كبير ومتآمر على المسلمين وأوطان المسلمين.. والذى لا يقول هذا ويفعله ما هو إلا مخادع وذنب من الأذناب.. والذى لا يقول هذا الكلام الجميل ويفعله ليس مسلمًا ولا يؤمن -على الإطلاق- برسالة خاتم الأنبياء.. هذه وثائق يؤمن بها كل المخلصين المناضلين.. أحرار ولا تحتاج إلى أن يشير إليها الإمام الكبير.
جريدة الجمهورية 19 سبتمبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.