كانت ليلة لا تنسى فى دار الأوبرا، فلقد عشت مع أوركسترا ميونخ للوتريات والإيقاع فى عرض قاده المايسترو عادل شلبى، وشارك فيه عازفة الفلوت إيناس عبد الدايم، وعازف الفيولينا حسن شرارة.. الليلة الموسيقية مزيج يجمع بين الموسيقى الغربيةوالشرقية، واستمعنا من جورج بيزيه إلى جزء من أوبرا «كارمن» ومن يوهان سباستيان باخ مقدمة من سلم «دو» الصغير، ومن مينور ميكى إلى «ماريمبا» روحانية، بينما عُزف وبتوزيع له مذاق ألمانى من أعمالنا الشرقية للموسيقار الكبير عمر خيرت «العرافة» و«فاطمة»، وافتتاحية مصرية كما أن الموسيقار الكبير عطية شرارة، 90 عاما. قدمت له الفرقة موسيقاه الشهيرة «من قلبى». للأوبرا طقوس هى جزء حميم من الاستماع والاستمتاع، ولهذا يذهب الناس إلى هناك بملابس السهرة وينبغى ارتداء الكرافت، وإذا نسيت فإنه على شباك التذاكر هناك من يقرضك مجانا واحدة ويستعيدها بالطبع بعد نهاية العرض.
أن تتهيأ للاستقبال جزء من المتعة.. إنها المقدمة الحتمية التى تجعلك تتوحد مع ما تراه وتسمعه، ولكن ما حدث هو أن المايسترو عادل شلبى الذى أمضى 30 عاما فى ألمانيا حطم تماما روحانية المشهد، ووقف على خشبة المسرح يروى جانبا من تاريخه بالوسط الفنى، وكيف عاشوا أيام الصعلكة فى الماضى، وكانوا يقتسمون اللقمة والنغمة، كأننا بصدد برنامج توك شو يقدمه توفيق عكاشة.
تعجبت من تلك الحالة التى انتابت المايسترو، عندما وجد أمامه ميكروفونا وجمهورا فى الصالة ينتظر أن يعيش تلك المشاعر الموسيقية، ولا يعنيه بالطبع تاريخ المايسترو الشخصى.. كنت أنتظر من الموسيقار الكبير أن يقدم للجمهور تعريفا مختصرا لعدد من الآلات الإيقاعية كانت تستحق بالفعل من المايسترو على الأقل أن يذكر أسماءها، التى أتصور حتى إن عددا من المتخصصين لم يتعرفوا عليها من قبل.
العرض به قدر كبير من التفاعل بين الجمهور والفرقة الموسيقية التى كانت تمنحنا فى كل مرة حالة انتعاش موسيقى وومضات من النشوة تسرى فى وجدان الجمهور، مع المزج بين الانسياب الموسيقى الشرقى والانضباط الغربى.
وفى النهاية كان لا بد من توجيه تحية لمن أسعدونا، ووقف الناس وهم يشاهدون عمر خيرت الذى صعد على المسرح، وطلب البعض من عمر أن يقدم جزءا من العزف على البيانو ولو لمدة دقائق، وكانت المفاجأة هى أن هناك صوت احتجاج يعلو من الصالة، فوجئت أنه صوت عادل إمام يقول «لا كفاية كده خبط ورزع عايزين نروّح بقه».
كنت أستمع إلى عادل بين الحين والآخر الذى جاء موقعه أمامى بصفين، وكان كعادته يرسل تعليقا غير لائق يسخر فيه مما يسمعه، ولكن بصوت خفيض هذه المرة، كان الصوت من الصعب تجاهله.. هل اعتقد عادل أنه يقدم فقرة كوميدية فى عرض مسرحى، وأن عليه قبل الختام أن يعلو صوته بواحدة من إيفيهاته؟
هل النجم الكبير لا يستطيع أن يحيا بعيدا عن الوهج والضوء، ووجد أن الاهتمام حظيت به الفرقة والمايسترو فقرر أن يلفت إليه الأنظار من مقعد المتفرجين.
سيكولوجية فنان المسرح الذى تعود على مدى نصف قرن أن يلقى بإيفيه كوميدى ويحصل مباشرة على الثمن من ضحكات الناس، أتصورها لعبت دورها فى تلك الحالة التى شاهدنا عليها عادل.
ما الذى دفع عادل إلى الذهاب؟ هل أراد مجاملة أحد ولم يستطع أن يعتذر فجاء على مضض ثم أكمل على مضض؟
كان المايسترو عادل شلبى بعد الاستراحة وقبل أن يبدأ الفصل الثانى قد أخذ فى ذكر أسماء الحاضرين، كأنه فى فرح شعبى يتباهى بالمعازيم الذين شرفوه بالحضور، مثل عصام شرف ويحيى الجمل وسميحة أيوب ويوسف القعيد ويسرى فودة، ثم أضاف اسم عادل إمام الذى حظى بالقسط الأكبر من التصفيق، ورغم ذلك يبدو أن كل ذلك لم يرضه أو يشبع نهمه فقرر أن يصل إلى ذروة السخرية، التى من المؤكد ربما لم تجرح كل العازفين، لأن أغلبهم لا يعرفون العربية ولكنها جرحت عددا من الجمهور الذين جاء موقعهم على مقربة من عادل.
هل المايسترو عندما تبسّط على المسرح أثار نهم نجم الكوميديا فى سرقة الكاميرا، أم أن النجم الكبير بالفعل لم يرَ فى هذه الموسيقى سوى خبط ورزع؟!