التقط مهرجان الأقصر تلك القضية التى تشغل بالنا جميعا، وهى حرية التعبير فكانت هى العنوان الرسمى للندوة الرئيسية، بينما باقى العنوان الذى أكملناه من عندنا فى ظل التخوف من الحكم الإسلامى. صحيح أن د.مرسى ينفى ذلك والكل من بعده ممن يشغلون مواقع قيادية يرددون نفس المقولة، وهى أنهم خلعوا عباءة الإخوان بمجرد وصولهم لمؤسسة الرئاسة أو اعتلائهم كرسى الوزارة، وكأن الفكر بدلة نرتديها أو دقن وشنب نطلقهما فإذا تخلصنا من البدلة أو حلقنا وجوهنا أنهينا تماما المعتقدات التى تسكننا!
أدار الندوة الكاتب الكبير سعد هجرس وشارك فيها أيقونة الأدب الروائى العربى بهاء طاهر رئيس شرف المهرجان، وعدد من النجوم: ليلى علوى، وإلهام شاهين، وخالد أبو النجا، وعمرو واكد والناقد والمستشرق الروسى «أنا تالى شاخوف» والمخرج الكبير داوود عبد السيد. ولاحظت أن الخوف هو الذى يسيطر على الندوة.. الخوف من الثورة أو الخوف على الثورة، وطوال الجلسة وأنا أشعر أن الحرية كأنها طرف مناقض لثورة 25 يناير. كان الحديث عن الإسلام وكيف ينظر إلى الفنون، ودافع بهاء طاهر، مؤكدا أن الفتح العربى لم ير فى الآثار الفرعونية مثلا أصناما، ولكن هناك أصواتا نستمع إليها الآن تعتبرها استمرارا لعبادة الأوثان. كان حضور الثورة لافتا، فهجرس يراها سُرقت، وأبو النجا وواكد يؤكدان أنها نجحت، وإلهام ترى أن مصر قبل الثورة كانت أفضل.
قلت: رغم الضبابية والغيوم اللذين تعيشهما مصر الآن فإننا حطمنا حاجزَى الخوف والسلبية، الثورة ألغت تماما الحكم الأبدى. الرئيس الآن يحاول أن يكسب ودّ الناس، وحريص على أن يرسل بين الحين والآخر إشارات تطمينية إلى الشعب تنفى أنه يسعى لفرض الحكم الإسلامى، حتى ولو كانت ملامح الدولة فى العديد من القطاعات تؤكد ذلك، فإن علينا أن نتمسك بقدرتنا على المقاومة.
الخطأ الأكبر أن نراهن على رجل الدين المستنير فى تقنين الفن والسماح به، وهو ما يضعنا فى تناقض لأن رجل الدين فى نهاية الأمر سوف يرتكن إلى الحلال والحرام تلك هى الرؤية التى سوف تسيطر عليه، لن يستطيع أن يرى الفن إلا بتلك القاعدة التى أطلقها الشيخ الشعراوى، ورددها من بعده أغلب رجال الدين، بل والفنانون الذين رفعوا شعار الالتزام هى «حلاله حلال وحرامه حرام» وضربتُ مثلا بالشيخ محمد الغزالى الذى يعتبره الكثيرون العنوان لاستنارة الفكر الدينى فى علاقته بالفنون فهو كان يستمع إلى أم كلثوم وعبد الوهاب، ويعلن ذلك ولم يحرّم صوت المرأة فى الغناء فكان يقول أستمع إلى امرأة تقول «أنا الشعب أنا الشعب» -يقصد أم كلثوم- ولا أستمع إلى رجل يقول «ليلنا خمرًا» يقصد عبد الوهاب فى قصيدة «الجندول»، رغم أن شاعر القصيدة على محمود طه لم يقصد أنه فى حالة سكر، ولكن رجل الدين عادة لا يتسامح مع أى تعبير مجازىّ.
قلت إن الشيخ الغزالى هو الذى كتب فى نهاية الخمسينيات تقريرا ضد «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ وبناء عليه لم تُطبع الرواية فى مصر، وهو أيضا الذى طالب بحذف مقطع «قدر أحمق الخُطَى» من قصيدة «لست قلبى» للشاعر كامل الشناوى وغناء عبد الحليم، والغريب أن دار الأوبرا المصرية عندما تعيد هذه الأغنية الآن بأصوات جديدة، وبناء على تلك الفتوى تغيِّر بيت الشعر وتجعله «قدر واثق الخُطَى».
كانت جلسة ساخنة وسجلها العديد من الفضائيات وفى النهاية كان لى لقاء مع «الفضائية المصرية» وقلت للمذيع إن الإعلام يعود بنا للخلف دُر وإننى مثلا فى عهد المخلوع انتقدت مسلسل «الجماعة» رغم حماس الإعلام الرسمى له، حيث كان لى العديد من الملاحظات، كتبتها فى حينها، ولكنى أعترض بشدة الآن على وزير الإعلام صلاح عبد المقصود عندما يصرح ويتباهى أكثر من مرة بأنه سوف يمنع عرض الجزء الثانى من «الجماعة». قبل ثورة يناير كان لدى الإخوان مشروع لتقديم فيلم ومسلسل يتناول حياة حسن البنا، من حق وزير الإعلام أن يعرض الجانب الآخر أو الصورة التى يراها الإخوان للبنا، ولكن ليس من حقه أن يصبح هو الترمومتر والمرجعية ليتحول إلى وصىٍّ على الناس.. انتهت الندوة التى امتدت ثلاث ساعات ولم تنته التساؤلات ولا الخوف على الحرية.