أباح الأزهر الشريف تداول أغنية «من غير ليه» التي كتبها «مرسي جميل عزيز» ولحنها وغناها «محمد عبدالوهاب» ولكن «سهير البابلي» في حوارها الأخير مع «مفيد فوزي» عبر قناة «نايل سينما» في عيد ميلادها قالت إنها لم تعد تسمعها لأنها حرام.. عندما أذيعت هذه الأغنية قبل 20 عاماً لم تكن «سهير» قد ارتدت الحجاب بعد ولهذا كانت تستمع إليها، الآن تري في تساؤل «جايين الدنيا ما نعرف ليه» ما لا يليق بالإنسان أن يسأل عنه لأن الله يقول «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».. الحقيقة أنه قد أثيرت هذه القضية بمجرد ظهور الأغنية وقالوا إن «عبد الوهاب» بترديده هذا السؤال يتشكك في هدف مجيئنا إلي الأرض إلا أن القرار النهائي للأزهر أباح الأغنية.. ولا أدري ما مرجعية «سهير» في التحريم، فهل مثلاً أحد الشيوخ هو الذي أوعز إليها بذلك.. إن أسوأ ما يمكن أن يعيشه الإنسان المتدين ولا أقول فقط المسلم أن يضع كل شيء في إطار مرجعية دينية ويجد نفسه وقد خضع لا شعورياً لهؤلاء المتزمتين.. كانت «سهير» تبدو في الحوار وهي لا تزال تتمتع بخفة دمها وألقها الخاص ومرونتها بل مشاغبتها ولهذا صدمت عندما صدرت لنا هذا التحريم الذي لا يردده سوي فقط عقول رجال دين منغلقين.. دائماً عندما يتعلق الأمر بالموسيقي والغناء تستمع إلي العجب من رجال الدين أتذكر أنه حتي المنفتحون منهم لديهم تحفظات علي الأغاني.. الشيخ «محمد الغزالي» وهو إمام المجددين بعد محمد عبده يقول مثلاً إنه يستمع إلي «عبد الوهاب» وهو يغني «حب الوطن فرض عليّ» ولا يستمع إليه وهو يغني «ليلنا خمر وأشواق تدوي حولنا» في قصيدة «الجندول» والغريب أن الشاعر الذي كتب «حب الوطن» هو نفسه الذي كتب «الجندول» وهو «علي محمود طه» والمعني الذي قصده الشاعر واضح تماماً بلا لبس فهو يصف الليل ولا يتحدث أبداً عن احتسائه للخمر.. «الغزالي» أيضاً هو الذي أفتي بعدم تداول «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ.. أتحدث عن رجل دين مستنير فما بالكم بالآخرين.. والذين نري نماذج لهم مثل «خالد الجندي» الذي حرم أغنية عبدالحليم «علي حزب وداد جلبي» بسبب مقطع «لا ح اسلم بالمكتوب» اعتبرها ضد التسليم بالقضاء والقدر.. و«د. سعاد صالح» التي حرمت أغنية شادية «غاب القمر يا ابن عمي يللا روحني» لأنها رأت أنه لا يجوز شرعاً أن تخرج الفتاة مع ابن عمها في «انصاص» الليالي.. تطبيق الرؤية المباشرة التقريرية علي الشعر الذي بطبيعة تكوينه «مجازي» يظلم الإبداع ولو طبقنا هذا القانون الصارم لاكتشفنا أن أغلب أغانينا تقع في إطار التحريم.. وكم كنت أتمني أن تعرف «سهير البابلي» أنها جاءت للدنيا لإسعاد الناس بفنها وليس لتحريم حتي ما أحله الأزهر الشريف!!