الأرقام المتواترة على شاشات البنوك وشركات الصرافة لأسعار صرف الجنيه المصرى ليست ملكًا لمن يُطلق عليهم «خبراء الاقتصاد»، وواقع الأمر أن أولئك الذين لم تطأ أقدامهم البنوك، هم أكثر من ستُلحِق بهم تلك الأرقام الباردة أعظم الأثر، فحسب أستاذة الاقتصاد فى جامعة القاهرة، علا الخواجة «كل ارتفاع فى سعر الدولار الأمريكى مقابل الجنيه يعنى ارتفاع فاتورة الواردات، من سلع وخدمات، أكثر فأكثر، وبالتالى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الاستهلاك». واتخذ الدولار الأمريكى فى مواجهة الجنيه المصرى اتجاهًا تصاعديًّا واضحًا فى الفترة منذ يناير 2011 إلى يوليو من العام الحالى، إذ سجل متوسط سعره 5.798 جنيه فى يناير وصولا إلى 6.064 فى يوليو الماضى، وفقا للتقرير المالى الشهرى الصادر عن وزارة المالية، قبل أن يصل إلى أعلى مستوياته منذ سنوات فى سبتمبر الحالى، ثم يعاود الهبوط مجددًا ببطء.
نائب رئيس هيئة السلع التموينية فى وزارة التموين والتجارة الداخلية نعمانى نصر نعمانى، اعترف ب«تأثير كبير، لانخفاض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، على السلع التموينية المستوردة»، مستدركًا «إلا أن التأثير لا يبدو واضحا فى العمل اليومى للهيئة، كونها تتعامل بالدولار فقط، لاستيراد السلع، بينما العبء الأكبر فى هذا الصدد يقع على وزارة المالية كونها هى من يدبر العملة الأمريكية، بينما دورى يقتصر على تدبير الأسواق المستوردة منها فى الوقت المناسب، وبأقل الأسعار الممكنة وتوفير الخدمة للمستهلك». وتؤيد علا الخواجة تدخلا محدودا من البنك المركزى لحماية الجنيه عبر ضخ الدولار فى السوق لمواجهة ارتفاع أسعاره مقابل العملة الوطنية، مستدركة «لكن على نحو محدود، وإلا أثَّر ذلك بالسلب على الاحتياطى النقدى الأجنبى مجددا، بخلاف ما قد يعنيه من إخلال بحرية العرض والطلب فى سعر الصرف». ويؤيد أستاذ الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية، سامر عطا الله، بدوره، تدخلا واضحا من البنك المركزى لحماية سعر الجنيه، ويعلق «وإلا سنظهر كأننا نستورد التضخم كلما استوردنا أىًّا من السلع أو من المواد الأولية حتى بما يعنيه ذلك من تأثير مضاعف على أسعار السلع المصنعة محليا كذلك». وسجل عجز الميزان التجارى 23.5 مليار دولار فى ثلاثة أرباع العام المالى (2011- 2012) فى مقابل 20.6 مليار دولار فى نفس الفترة فى العام المالى السابق، ويستبعد عطا الله أن يلجأ البنك المركزى إلى رفع سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصرى فى محاولة لرفع الطلب على العملة المصرية فى مقابل الدولار، ويفسِّر «كون سعر الفائدة وصل إلى أقصى ما يمكن أن تتحمله الحكومة المصرية كتكلفة لأذون الخزانة والسندات التى تطرحها». ويبلغ سعر الفائدة على الإيداع والإقراض 9.25، و10.25 بالمئة بالترتيب بعد قرارات متوالية من قبل لجنة السياسة النقدية فى البنك المركزى بالإبقاء على أسعار الفائدة، يقول سامر عطا الله «العودة إلى ضخ الدولار فى السوق ليس حلًا كافيًا، والطبيعى فى أوقات الأزمات اتخاذ قرارات جذرية، مثلما فعلت ماليزيا وقت الأزمة الاقتصادية الآسيوية، حين حظرت استيراد عدد من السلع، وبالمثل هذا ضرورى جدا فى مصر، خصوصًا حيال سلع ترفيهية للغاية، كما يبدو بديهيا كذلك اتخاذ قرار بوقف التحويلات المالية للخارج أو فرض ضريبة عليها، ولا يصح هنا القول إن كل انخفاض فى سعر العملة مفيد لقطاع التصدير، فغالبية السكان من الفقراء لهم الأولوية عن مجموعة صغيرة من المصدرين، بخلاف أن قطاع التصدير ليس قطاعًا كثيف العمالة».