يبدو أن دولة أمن الرئاسة قد انتصرت على الرئيس محمد مرسى، فلم يعد الرئيس، كما وعد أن يكون، فى حماية الشعب، ولم تعد مواكب الرئيس بسيطة كما كانت فى الأيام الأولى، رغم أنه لم تمر سوى أيام قليلة فى حكم الرئيس محمد مرسى. لقد ترك مبارك عددًا كبيرًا من الأجهزة الأمنية داخل الرئاسة، وأصبحت وظيفة هذه الأجهزة حماية الرئيس، والرئيس فقط، ومن ثم مارس ذلك الرئيس محمد مرسى، واستخدم نفس الأجهزة الأمنية.
ويريد هؤلاء الذين تعودوا وتدربوا على إجراءات أمنية فى الداخل والخارج على تقديم فروض الولاء والطاعة لرئيسهم، أى رئيس، أن يفعلوا ذلك مع مرسى، وقد حافظ الرئيس مرسى على التركة التى ورثها من مبارك.
وكنا نتوقع من أى رئيس يصل إلى قصر الرئاسة أن يغير من تلك الإجراءات ويطهرها، حيث إن الرئيس جاء هذه المرة بانتخابات شعبية، وكان يعقد مؤتمرات انتخابية فى القرى قبل المدن وعواصم المحافظات، ويلتقى الناس، بسطاءهم قبل أغنيائهم، ويستجدى أصواتهم، ويعتبر نفسه منهم وهم منه، وكان الإخوان فى أثناء الانتخابات يدخلون بيوت الأهالى ويعتبرونها بيوتهم.. كل ذلك دون حراسة أو مواكب أو غيره.. وأقاموا مؤتمراتهم فى الميادين العامة التى كان يحضرها الجميع من كل الاتجاهات.
كان ذلك يحدث فى وقت كان فيه الانفلات الأمنى على أشده وانتشار البلطجية ومسجلى الخطر الذين أطلقتهم وزارة الداخلية لتأديب المصريين الثوار الذين قاموا بثورة ضد الاستبداد والفساد والقهر الذى كانت تمارسه الشرطة من عصابة العادلى ورجاله والتعذيب الممنهج فى أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز والسجون.
ولم يحدث أى شىء فى تلك الفترة، اللهم إلا بعض الأحداث البسيطة التى لا ترقى أبدا إلى أحداث عنف كبيرة.
وبالعودة إلى الرؤساء السابقين، كان عبد الناصر يعقد مؤتمراته فى السرادقات الشعبية وفى الميادين الرئيسية بحضور الآلاف ومئات الآلاف من الجماهير، والرئيس السادات بدأ مؤتمراته كذلك، إلى أن تعقدت الأمور بعد ذلك، وبدأ فى التأثر بالإجراءات الأمنية، واعتبرها استكمالا للمنصب الرئاسى.
وأصبحت الإجراءات الأمنية معقدة بمرور السنوات، ومع هذا لم تُنجِه تلك الإجراءات من اغتياله فى يوم احتفاله بنصر 6 أكتوبر، ووسط جنوده.
وجاءت فترة مبارك الأمنية، والتى زادت الإجراءات الأمنية فيها والهسس الأمنى إلى درجة كبيرة، ومع ذلك كانت هناك محاولات اغتيال كثيرة تعرض لها مبارك، وكانت سببًا لسياساته واستبداده وفساده.
وزادت مع سنوات الحكم الطوال الإجراءات التأمينية، وتعقدت إجراءات الأمن داخل مؤسسات الرئاسة وأصبح أمن الرئيس أهم من أى شىء آخر، وأصبح المستفيدون من هذه الإجراءات كثيرين، وأصبحت هناك بعد حادثة محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا إجراءات أشد تعقيدًا.
وبدأ الرئيس محمد مرسى يومه الأول، بعد اختياره رئيسًا، فى خطبته فى ميدان التحرير وسط مئات الآلاف، مُبعِدًا الحراسة عن نفسه.
لكن لا يعقل الآن، وبعد الاستبداد والفساد الذى أفرزه النظام السابق، ولمّ شمل الجميع ضد الدولة الأمنية وضد نظام مبارك، أن تستمر الإجراءات الأمنية نفسها التى تعطل الناس فى ظل الرئاسة الحالية، وتمنع الناس من أداء صلاة العيد.
إى نعم من حق الرئيس، أى رئيس، الحماية والأمن وتأمين موكبه ووجوده فى أى مكان، لكن ليس بالطريقة التى كانت متبعة مع مبارك والتى يجرى تطبيقها الآن، وليس من المعقول أن ينتشر حراس على مبنى المسجد الذى يؤدى فيه الصلاة، وليس من المعقول أن تكون هناك بوابات إلكترونية على بوابات المساجد ولا يسمح بدخول المصلين إلا بعد تفتيشهم.
بالطبع هناك من ينفخ فى الإجراءات الأمنية من داخل قصر الرئاسة ويصور للرئيس ورجاله أنه مستهدَف كما كان يحدث بالضبط مع الرئيس السابق.
الغريب أن ذلك يحدث مع الرئيس الذى وقف فى أول يوم بعد إعلان فوزه بالرئاسة فى ميدان التحرير فاتحًا صدره للناس متحديًّا الإجراءات الأمنية، مؤكدًا أنه فى حماية الشعب.
لقد قلت من قبل فى هذا المكان إن مؤسسة الرئاسة التى ورثها الرئيس مرسى فاسدة ويجب تطهيرها لكن يبدو أن الفساد مستعصٍ على التطهير.