داخل أهل الشرق دائما خيالٌ أسطورى عن الهند ساهمت الأفلام فى تصديره.. الفتاة الجميلة، الصوت الساحر، الطبيعة الغنية، المهراجا، الفتى الرشيق القادر على أن يخطف الحسناء على حصان أبيض أو فيل أبيض! التناقض الذى يصل إلى تخوم التطرف فى المشاعر، فرح زائد، حزن زائد.. إنه فى أعماقه يعبّر عن إحساس خفى بأن القدر من الممكن فى لحظة أن يبطش بهم وفى أخرى يبتسم ويحنو عليهم ويحيل شقاءهم إلى سعادة ودموعهم إلى ابتسامات.
وإذا أضفنا إلى ذلك الحالة الغنائية الموسيقية التى تمنحها دائما الأفلام الهندية للجمهور فسنجد أمامنا كل عوامل الجذب.. أتحدث بالطبع عن الوجه التجارى للسينما الهندية، وهو الوجه الذى يعرفه الجمهور، ولا أتحدث عن السينما الفنية التى قدمها ساتيا جيت راى، وميرانال سن، وميرا ناير، وكبير خان، وغيرهم، التى أتيح لى ولغيرى أن يشاهدها على مدى ربع قرن فى المهرجانات أو التكريمات!
من المهم أن نحلل تلك السينما التى لها مساحة كبيرة فى العالم ويطلق عليها اسم بوليوود، تنويعة على هوليوود، ويرمز حرف الباء إلى مدينة بومباى المقر الرئيسى للصناعة السينمائية الهندية.
كان للسينما الهندية مساحة دافئة فى مصر فى الخمسينيات وحتى مطلع الثمانينيات.. ثم حدث بعد ذلك تراجع له أسبابه التى سنذكرها بعد قليل، ولكن هذه السينما التى تحتفل الآن بعيدها المئوى تمكنت من الاستحواذ على مكانة خاصة فى قلوب شعوب الدنيا.
الأفلام الهندية بالنسبة إلى دول العالم الثالث وتحديدا الجمهور المصرى، لها سحر خاص، تلعب على ذلك الحلم القديم الغامض الذى يتراقص على ألوان قوس قزح.. شىء من الطفولة تجده فى هذه الأفلام التى صارت مضربا للأمثال بين المصريين.. وإن كانت تحمل قدرا من السخرية لأن طبيعة المصرى أنه عندما يحب ويألف يبدأ فى إذابة المسافات بينه وبين من يحبه، ولهذا يقولون فى التعبير المصرى دلالة على المبالغة: «أنا كنت فاكره فيلم هندى».. وعندما أصبح بعض الأفلام الهندية جزءا من الواقع دخل إلى المفردات المصرية هذا التعبير «أروع من سوراج وأقوى من سانجام»، وهما من أشهر أفلام الستينيات التى حققت رواجا فى مصر!
الفيلم الهندى يلعب دور الحلم لمواجهة واقع مصادرة الأحلام.. وهكذا حققت السينما الهندية نجاحا ضخما فى مصر حتى إن عددا من دور العرض حتى الثمانينيات تخصص فقط فى عرض الأفلام الهندية، والجرعة اليومية وصلت فى الحفل الواحد إلى ثلاثة أو أربعة أفلام!
السنوات الأخيرة شهدت خفوتا ربما كان اتساع مساحة السينما الأمريكية خلالها ساعد على حدوثه، وأيضا تغير توجه الجمهور المصرى بعد انتشار الأطباق (الدش) فى المنازل، أصبح لدى هذا الجمهور معرفة أكبر بالفيلم الأمريكى ونجومه ومخرجيه.
كان فى الماضى للفيلم الهندى مساحة دائما على شاشة التليفزيون المصرى، وهى التى تصنع اللقاء الدائم بين الجمهور والأبطال، وهذه الصلة بالطبع تجعل الجمهور يبحث عن نجومه فى السينما ويذهب إليهم فى دور العرض، ولكن تقلص تماما هذا الحضور الآن.. ثم إن هناك عاملا آخر هو أنه بعد أميتاب باتشان لم يصل أحد إلى تلك المكانة والكاريزما التى كان ولا يزال يتمتع بها أميتاب، رغم أن هناك بالتأكيد أسماء أخرى طرحت نفسها بقوة فى العالم مثل عرفان خان وشاشى كابور وراج كومار وشاروك خان وسلمان خان وغيرهم، ولكنهم غائبون عن الجمهور المصرى!
فى دول الخليج العربى لا يزال للسينما الهندية جمهورها العريض، حيث يعمل الهنود والباكستانيون هناك ويعتبرون الفيلم الهندى ممثلا شرعيا لهم.. أظن أن السنوات القادمة قادرة على أن تجسد عند الجمهور المصرى ملامح نجم هندى يعيد لهم حالة العشق الأولى لتلك السينما.. أكتب هذا الرأى من واقع وجودى بمهرجان أوسيان للسينما العربية والآسيوية، حيث إن السؤال الذى يتردد بقوة: أين السينما الهندية الآن فى الشارع المصرى؟ ولماذا خفت بريقها؟ وهل هى لعبة سياسية لصالح السينما الأمريكية؟ إجابتى هى أن السينما الهندية تملك العديد من الأسباب التى تساعدها على أن تستعيد مكانتها مرة أخرى لو كانت هناك محاولات صادقة من جانب موزعى الأفلام فى مصر والهند، لكى نستعيد زمن سانجام وسوراج!