فجأة صار حديث الصباح والمساء. الكل يبحث عنه، ويرى أنه الأمل، والمنقذ، والملهم، ويشعر أنه لا يصلح غيره، ولن يُصلح الأحوال سواه. كل الناس وصل إليها نفس الإحساس فى نفس اللحظة، وبنفس القدر، فالكل شعر بالحاجة الشديدة إلى نفس الشخص وتلك الصفة. أما الشخص فهو عمر بن الخطاب، وأما الصفة فهى العدل، لكن كل واحد فينا يريد «عمر» الذى أحبه، ووجد الطمأنينة معه، وقد يختلف «الفاروق» الذى تراه فى خيالك عن «عمر» الذى أتصوره، فالأهداف مختلفة لكن النتيجة واحدة. الجميع يريد «عدل عمر» وليس عدل شخص سواه. الكل صار لا يتحمل أو يحتمل عدلا آخر، فالعدل الذى استقر فى وجدان الناس هو عدل الفاروق عمر وحده، ذلك العدل الذى يجمع بين القوة والإنصاف، بين الحكمة والحسم، بين الإخلاص والعلم، بين الحلم والحزم. من هنا أصبح عمر بن الخطاب شخصية العام، وحديث الناس، وأملهم، فبعد ما يزيد على 1400 عام، وبعد أن انفجر بركان ثورات الوطن العربى وأطاح بالطغاة والبغاة من أعلى كرسى السلطة، تمنى الجميع أن يُبعث نموذج الفاروق عمر من جديد، أو بمعنى أدق أن يأتى من يسير على دربه، لذلك وجدنا مسلسلا يحمل اسمه، وبرنامجا بأكمله يتحدث عن واحدة من صفاته، ومئات المقالات التى تروى تفاصيل حياته، كل ذلك خلال شهر واحد فقط هو شهر رمضان. كل واحد حرّكته دوافع مختلفة، لكنه رأى أن نموذج الفاروق عمر بيده طوق النجاة، فالسعودية قررت أن تدعم مسلسلا يتناول قصة حياته بكل ما أُوتيت من مال ونفوذ، ليس لأنها تريد حاكمًا مثله، لكن لحاجة فى نفس حُكامها! أما عمرو خالد فقد كان كعادته يشعر بنبض الناس ويدرك اللحظة التى نعيشها والتى تتطلب إعادة البناء، ولكن بناء على درب «عمر.. صانع الحضارة» ومؤسس دولة العدل التى تحققت فيها المساوة بصورة لم تعرفها أكثر الدول تقدما وحضارة ومنها تلك الواقعة الشهيرة -التى رواها الإمام أنس بن مالك- والتى تقول: تسابق فتى قبطى مع ابن عمرو بن العاص والى مصر، وفاز القبطىُّ فى السباق، فغضب ابن الوالى، وضربه بسَوْطِهِ وهو يقول: أنا ابن الأكرمين. فذهب القبطىُّ إلى عمر بن الخطاب ليشكو له ما جرى، فقام عمر باستدعاء «عمرو» وابنِه من مصر إلى المدينة، ووَقَفُوا جميعا أمامه، فسأل القبطى: هل هذا الذى ضربك؟ قال القبطىُّ: نعم يا أمير المؤمنين. فأعطى عمرُ سَوْطا إلى القبطى وقال له: اضرِب ابن الأكرمين. وضرب القبطىُّ ابنَ عمرو بن العاص، فلما فرغ من ضربه قال للفتى خذ السوط وضعه على صلعة عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذى ضربنى، وقد استقدت منه. فقال عمر لعَمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟! هذا هو «عمر» الذى نريده وننتظره.