انس أفيش هذا الفيلم قبل دخوله ولا تلتفت إليه، فهو أفيش ظلم الفيلم كثيراً بلا مبرر، أولاً لأنه صنفه مع مجموعة من أفلام الإثارة الجنسية التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، وهو براء من هذه التهمة، وثانياً لأنه ليس «أفيش» معبرًا عن حالة الفيلم الرومانسية وحال كثير من أفيشات السينما المصرية التي لا يمكن التوقف عندها كثيراً بسبب أنها عادية للغاية. اختيار لقطة من الخلف لولد وبنت جالسان بالمايوه في حالة انسجام علي شاطئ البحر، والظلال الكثيفة لا تكاد تكشف عن ملامح عري ظهريهما.. الحقيقة أنه لم يكن إباحياً «إلا إذا كنت بتتلكك»، لكنه لا يوحي بالرومانسية قطعاً، ولقطة الأفيش نشاهدها بشكل عابر في الفيلم الذي ركز علي رحلة نمو وتقلب عواطف ولد وبنت ارتبطا ببعضهما البعض منذ الطفولة. يأتي فيلم «ولد وبنت» بحالة مختلفة في الشكل والمضمون وسط كثير من الأفلام الشبابية المزيفة التي تنهمر في فترة إجازات نصف العام علي رؤوس المتفرجين، بالطبع تلمح فيه روح البدايات التي لا تخلو من التردد وعدم النضج، ولكن رغم كل الهنات نحن أمام فيلم خلفه اجتهاد حقيقي سواء في الإخراج أو الكتابة أو التمثيل. الفيلم يحمل لغة سينمائية بصرية جيدة تلفت النظر لمخرج واعد هو «كريم العدل»، واجتهاد صادق ومعبر من الممثلين «أحمد داود» و«مريم حسن» و«آية حميدة»، ومحاولة من كاتبة جديدة «علا عزالدين» لكتابة سيناريو لدراما رومانسية باجتهاد خاص. الفيلم رومانسي بسيط يحمل حالة عاطفية صادقة، وعلي الشاشة تبرز ملامح مخرج شاب مجتهد يحاول أن يقدم سينما حقيقية بإمكانيات انتاجية محدودة نوعاً ما، وهو أمر مدهش نظراً لأنه ابن منتج كبير هو المنتج «محمد العدل» وينتمي لعائلة فنية كبيرة هي عائلة العدل، فالفيلم لا يحمل أسماء كبيرة كأبطال للعمل ولا يظهر فيه أي بذخ انتاجي. الفيلم أيضاً لا يحمل سلبيات الفيلم الشبابي المعاصر الذي يعتمد الكروتة والروشنة الدرامية التي تخلق حالة من الفوضي السينمائية.. شاهدنا أشلاءها في أفلام أخيرة تعرض في السينما حالياً. قصة الحب فيه تقليدية بين شاب وفتاة بدأ حبهما منذ الطفولة واستمر حتي مرحلة النضج. الأحداث تبدأ من لقاء بالصدفة بين سامح وشهد في محل لعب أطفال. شهد التي تزوجت رجلاً آخر بصحبة ابنتها وسامح مصطحباً ابنة شقيقته لشراء لعبة لها. تلتقي العيون في شجن، ولكن يذهب كل منهما إلي طريقه دون أن يتحدث للآخر ليبدأ الفيلم فلاش باك طويلاً حول بداية العلاقة بينهما منذ مرحلة الطفولة والمدرسة وهي مشاهد لطيفة وأداها الأطفال بصورة جيدة، لكن يسرف فيها الفيلم وكان يمكن اختصارها لحساب مناطق أخري في الفيلم ظهرت مبتسرة ولم تنل حقها مثل علاقة شهد بزوجها الكاتب الشاب لاحقاً، وهي علاقة محورية في حياتها وحياة البطل، وقد شاهد المتفرج بداية تلك العلاقة ونهايتها التي أثمرت طفلة، بينما لم يركز الفيلم علي الحياة الزوجية لهما واكتفي بالإشارة إلي فشلها. السيناريو الذي كتبته «علا عز الدين» رغم أنه تناول قصة حب ولد وبنت إلا أنه ركز علي البنت، فهي الأكثر حظاً في رصد مشاعرها ونفسيتها من خلال علاقتها بكل من حولها خاصة والدها «سامي العدل» وهو الأديب الذي كان يدللها كثيراً في طفولتها، والذي كانت وفاته صدمة كبيرة، فتركت أمها وسافرت إلي لندن للدراسة، وتركت أيضاً حبيبها بلا اكتراث لمشاعره، وهي احدي المبالغات غير المنطقية في الفيلم، وهذه الفجوة في علاقة الحب بين البطل والبطلة استغلها السيناريو لإظهار تعمق علاقة البطل بصديقة حبيبته ليلي «آية حميدة» التي كانت دائماً تلعب دور حمامة السلام فيما بينهما، ورغم أن البطل الذي صدم في هجر محبوبته مازال يكن لها مشاعر الحب، نري الصديقة تحاول التعبير عن مشاعر حب مكبوت للشاب في لحظة رأت فيها أنها الأجدر والأحق من صديقتها بقلب الشاب المجروح. الجزء التالي من الفيلم يركز علي مثلث الحب المعقد علي طريقة أغنية عبدالوهاب «بأفكر في اللي ناسيني وبانسي اللي فاكرني».. البطل يحاول إعادة مياه الحب إلي مجاريها مع الحبيبة التي عادت من السفر، ولكنها تعود أكثر استقلالاً وحدة وغضباً وتقلبًا في المشاعر.. نراها أحياناً ناضجة وعملية أكثر من حبيبها ونراها أحياناً عنيدة وقاسية ومتعالية، الصديقة من ناحيتها تعرض علي الشاب حبها بصراحة أملاً في لفت نظره عن حبيبته، أما علاقة الحب المتوترة والمتذبذبة بين البطل والبطلة فهي رغم وصولها إلي مراحل نفسية وعاطفية سيئة ويصعب إصلاحها، فإنها تنتهي نهاية سعيدة فاترة. الفيلم يعد بالكثير من المخرج «كريم العدل» الذي يبدو طموحاً في تقديم سينما غير مبتذلة تبرز طموح جيل صغير من المواهب سواء في التصوير «عبدالسلام موسي» والمونتيرة «سلافة نور الدين» اللذين ساهما بصورة كبيرة مع المخرج في أن يظهر الفيلم بحالة مختلفة وجادة سينمائياً ومعبرة عن موضوع الفيلم، وأيضاً ظهر ثلاثي التمثيل مريم وآية وأحمد بشكل جيد رغم خبرتهم البسيطة، وقدم الجميع نموذجاً محترما للسينما الشابة التي تبحث عن الوجود وسط هلس الصغار ونفوذ الكبار.