تسعة وتسعون في المائة مما يكتب عن الأفلام في العالم ليس نقدًا، ولكن كل من كتب رأيًا عن الأفلام في العالم العربي يطلق عليه ناقد مع أنه في أفضل الأحوال كاتب مراجعات جيدة، وفي معظمها شخص لا يعرف الفرق بين الصحافة والنقد، وقد أتيح لي أن أقرأ بعض ما يكتب باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية من نقد، فوجدت أن الهوة بيننا وبين الغرب لا علاقة لها بالفقر أو المرور أو استعداد الشوارع لتحمل المطر، ولكن الفرق الأساسي هو أن العلماء والمتخصصين والمثقفين والفنانين (من يطلق عليهم النخبة) هناك يختلفون عن الناس العاديين تماما، بينما عندنا هم مختلفون أيضا ولكن للأسوأ! وفي أحد المهرجانات الدولية التقيت شابًا أوروبيًا جاء لتغطية المهرجان سألني عن مهنتي فقلت له بمنتهي الثقة: «ناقد سينمائي»، ولما سألته عن مهنته قال إنه «مراجع للأفلام»... هو شعر بالدهشة وأنا بالخجل لأننا كنا نتكلم عن نفس المهنة ولكن الفرق أنني من بلد يسمي الأشياء بأسماء أكبر أو أقل من معناها الحقيقي. السباك اسمه باشمهندس والشاويش حضرة الصول والضابط أبو نجمة سعادة الباشا... وكان معنا في المهرجان عشرة علي الأقل من العالم العربي لا ينطبق علي أي منهم صفة ناقد أو حتي مراجع للأفلام، ولكن كلهم كانوا يحملون محافظ متخمة ببطاقات عمل (بيزنس كاردس) تحمل لقب ناقد ومدير تحرير ومساعد رئيس تحرير إلي آخره، بينما أعطاني رجل أمريكي يقترب من أو يزيد علي الستين بطاقة تقول فقط إنه مجرد «صحفي». الناقد السينمائي ليس أفضل من كاتب المراجعات ولا صحفي الأخبار أقل من كاتب العمود، لكنها تخصصات وفقا للموهبة والكفاءة، ولطالما كنت أردد للصحفيين الناشئين الذين يعملون معي أن الصحفي الذي يأتي بخبر جيد أفضل من مائة ناقد سيئين. والناقد السينمائي لا يكتب لعامة الناس عادة، ولكن للمتخصصين من السينمائيين أو الدارسين للفن والمهتمين به، ولا تحظي المطبوعات النقدية المتخصصة بالشعبية في أي مكان، وحتي أشهر مجلة جادة في تاريخ السينما وهي «كاييه دي سينما» أو «كراسات السينما» تعرضت لخطر الإغلاق في العام الماضي لولا أن قام بعض المثقفين بمحاولة أخيرة لإنقاذها. وأفضل النقاد في العالم لا يكتبون في المطبوعات الرائجة، والقليل منهم يكتب لمجلات نصف شعبية مثل «سايت أند ساوند» البريطانية و«سينيست» الأمريكية. الناقد السينمائي يجب أن يتمتع بثقافة فنية عريضة وعميقة لتاريخ الفنون خاصة السينما، ليس في بلده فقط ولكن في العالم، وعليه أن يكون مثقفا في السياسة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وحتي في الرياضة والموضات النسائية... عندما يتطلب فيلم ما، يجب أن يعرف كيف يأتي بالمعلومات اللازمة التي تساعده علي قراءة وتحليل الفيلم.. وقبل كل هذا يجب أن يحب السينما لأنني رأيت الكثيرين من «النقاد» لا يطيقون مشاهدة الأفلام!