رفع حاجب المحكمة صوته قائلاً ... محكمة فوقف كل من فى القاعة إحتراماً للسادة المستشارين ما عدا المخلوع نظراً لمرضه وفى نفس اللحظة دخل قاعة المحكمة أشخاص لم يراهم سوى القاضى والمخلوع والعادلى ومساعديه ووقفوا جميعاً خلف الحاضرين وأنابوا عنهم إثنين منهم ليقفوا أمام المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة وهما الشيخ البطل الشهيد عماد عفت والبطل الشهيد مينا دانيال . وبعد أن إفتتح المستشار رفعت الجلسة وقبل أن يبدأ فى عمله تقدم نحوه الشيخ البطل عماد عفت قائلاً : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . السيد المستشار : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته من أنت وكيف سمح لك الحرس بأن تقف أمامى هكذا . الشهيد مينا دانيال : ألا تعرفنا يا سيادة المستشار . صمت المستشار رفعت قليلاً ثم قال لقد تذكرتكما فأنت مينا دانيال وإلتفت يميناً وقال وأنت الشيخ عماد عفت . رد عليه الشهيد البطل قائلاً بل نحن الشهيدين مينا دانيال وعماد عفت . المستشار رفعت : وماذا تريدان ؟ البطل مينا دانيال : أولاً – نحن مندوبان عن جميع شهداء ثورة 25 يناير ومكلفان من قبَلهم بنقل رسالتهم إليك . ثانيا – ولنشَهد على حكمك الذى ستحكم به أمام الله. المستشار رفعت : وما هى تلك الرسالة التى تحملاها ؟ البطل عماد عفت : يستحلفونك بالله أن تتذكر قبل أن تنطق بحكمك دماء الشهداء وآلام المصابين ودموع الأمهات الثكالى والحزن الذى يمزّق قلوب الأباء حزناً على أبنائهم فدمائهم أمانة فى عنقك سيسألك الله عنها يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون وتذكّر الفساد الذى إستشرى وإستفحل فى عهد ذلك المتهم ومن معه وتذكّر أموال الشعب التى نهبت وحقوقه التى أُهدرت ؟ وصدق نبى الرحمة صلى الله عليه وسلم حينما قال : ( قاضى فى الجنة وقاضيان فى النار ) ولا تغضب فسبحانه وتعالى يقول ( وذّكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) صدق الله العظيم . لم يعلق السيد المستشار على ما سمعه و بدأ فى قراءة المقدمة التى أُعدت قبل النطق بالحكم فى الوقت الذى ذهبا فيه البطلين إلى داخل قفص المخلوع فنظر إليها قائلاً من أنتما وماذا تريدان ؟ الشهيد دانيال : بالطبع أنت لا تعرفنا فمنذ متى وأنت تعرف شيئاً عن رعيتك نحن شهيدان من مئات الشهداء الذين أمرت بتصفيتهم منذ بدء ثورة 25 يناير وها قد أتى اليوم الذى نراك فيه تجلس فى قفص الإتهام لتحاكم على بعض جرائمك . المخلوع : أنا لم أأمر بتصفية أحد . الشهيد عماد : إن كنت أمرت بتصفية الثوار فتلك جريمة ومصيبة وإن كنت لم تعرف بذلك فالمصيبة أعظم وهذا لا يُعفيك من تحمّل كامل المسئولية فأنت راعٍ وكل راعٍ مسئول عن رعيته أم أنك لا تعلم ذلك أيضاً وها قد جاء اليوم الذى تجلس فيه داخل قفص الإتهام لُتحاكم على كل جرائمك . المخلوع : كيف يمكن أن أُحاكم بعد أن أفنيت عمرى فى خدمة هذا الشعب ؟ الشهيد دانيال : أنت لم تفنى عمرك فى خدمتنا بعد بل من أجل مصالحك ومصالح أبنائك وأعوانك الذين عاثوا فى البلاد فساداً وطغياناً ولم تكتفى بذلك فحسب بل بذلت كل ما فى وسعك لتوريث إبنك عرش مصر وكأن بلادنا ضيعة ملك لك . الشهيد عماد : كيف تدّعى أنك أفنيت عمرك فى خدمة شعب مصر وأنت الذى أمرضتهم وأفقرتهم ونكلت بهم وإمتهنت كرامتهم وضّيعت هيبة ومكانة وطنهم إنى ما زلت أراك كاذباً متكبراً . المخلوع : كفاكم صياحاً فإن أصواتكم تزعجنى وتسبب لى صُداعاً . الشهيد عماد : وأين أصواتنا من أصوات الآلاف من ضحاياك التى تئن من ظلمك والتى ستلاحقك حتى وأنت فى قبرك وستسمعها وهى تشكو إلى ربها مما فعلته بها ولن تستطيع أن تمنعها عنك ولن تجد لك من دون الله ولياً ولا نصيراً فسبحانه وتعالى هو من سيفصل بينك وبينهم فى محاكمة لا ظلم ولا جور فيها فإن كنت محسناً فلك وإن كنت مسيئاً فعليك فإن شاء عفا وصفح برحمته وفضله وإن شاء عاقب بعدله والحكم لله وحده لا مٌعقّب لحُكمه فسبحانه لا يُسئل عما يَفعل وهم يُسئلون . وإلتفتا إلى ذئب مبارك الذى كان يرتوى من دماء المصريين قائلين وأنت يا من تبتسم دائماً وكأن الأمر لا يعنيك وكأنك لم تسفك من دماء هذا الشعب قطرة واحدة . العادلى : ما أنا إلا منفذاً للأوامر التى كانت تصدر لى وأنا غير مسئول عن ما حدث فطاعة ولّى الأمر واجبة كما أمر الله . الشهيد عماد : ما قلته هو حق يراد به باطل أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق أما تعلم أن من قتل نفس بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاُ ؟ العادلى : إننى كنت أؤدى واجبى . الشهيد دانيال : وهل من إعتقلتهم وسحلتهم وعذبتهم فى سلخانات التعذيب وفى غرف أمن الدولة كان من واجبك ، ومن إنتهك رجالك أعراضهم كان أيضاً من واجبك ؟ العادلى : من واجبى أن أحافظ على الأمن ؟ الشهيد عماد : ولماذا لم تقبض على كل من أفسدوا الحياة السياسية فى مصر ؟ ولماذا كان جهاز أمن الدولة الذى يأتمر بأمرك يشعل نيران الفتنة بين المسلمين والمسيحيين ؟ ولماذا فجرت كنيسة القديسين ؟ ولماذا كنت تتلصص على المواطنين وتُحصى عليهم أنفاسهم وحركاتهم؟ ولماذا لم تقبض على كل من نهب قوت هذا الشعب ؟ ولماذا قتل رجالك خالد سعيد وسيد بلال ؟ ولماذا ساهمت بكل ما أوتيت من قوة لتزوير الإنتخابات ؟ ولماذا كان رجالك يمتهنون كرامة المصريين وكبريائهم ؟ ولماذا لم تطبق مبادئ حقوق الإنسان التى نصت عليها الأممالمتحدة ؟ أرأيت إن سجلك حافل بالعديد والعديد من الجرائم وما خفى كان أعظم . العادلى : أطرق بوجهه وهو ينظر إلى الأرض ولم ينطق ببنت شفه . همس المخلوع لنفسه قائلاً يا نهار إسود كل هذا سأُسل عنه . الشهيد دانيال : صدقنى إذا لم يستطع القانون أن ينتقم منك فالرب قادر على ذلك فالله هو الحكم العدل وإعلم إننى وكل من معى وكل من ظلمته وقهرته هو خصمك يوم القيامة . ثم نظرا إلى مساعدوا العادلى وقالا لهم فى وقت واحد : ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ) . وبعد أن أصدرت المحكمة حكمها لم يسمع الشيخ الشهيد البطل عماد عفت والشهيد البطل مينا دانيال إلا كلمة واحدة رددها أهالى هؤلاء الشهداء الأبرار وهى : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) وهما بالخروج هم ومن حضروا معهم فإستوقفهم نداء من المخلوع وهو يقول للبطلين ومن حضر معهما من الشهداء الأبطال الأخرين : أريد أن أسألكم سؤالاً واحداً كيف أصبحتم يدّاً واحدة هكذا بعدما كنتم على طرفى نقيض ؟ ردوا عليه فى وقت واحد نحن أبناء وطن واحد تظلهم سماء واحدة وتقلهم أرض واحدة ولم نكن فى يومٍ على طرفى نقيض . وتركوه قائلين إلى اللقاء فى محاكمة أكثر عدالة وأردع حكماً وأوفى حقاً بين يدى ملك الملوك .